شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

قانون الخدمة المدنية وتشريعات السلطة المائلة

قانون الخدمة المدنية وتشريعات السلطة المائلة
القوانين والتشريعات التي يتم سنها في بلد ما تمثل انعكاسا لمجموعة القيم التي تحملها السلطة وتعبر عن تصور السلطة لقيم ومفاهيم العدالة.

القوانين والتشريعات التي يتم سنها في بلد ما تمثل انعكاسا لمجموعة القيم التي تحملها السلطة وتعبر عن تصور السلطة لقيم ومفاهيم العدالة.

في النظم الديمقراطية من الطبيعي أن تسير الأمور من الأسفل إلى الأعلى لكن في النظم المستبدة تسير الأمور من الأعلى إلى الأسفل.

لذلك فتشريع قانون ما يمس قطاعات عريضة لا بد أن يخضع لحوار مجتمعي حتي يلبي متطلبات العدالة بين الأطراف التي ينظم القانون علاقتها ومراكزها القانونية وهذا مالا يحدث مطلقًا في النظم المستبدة حيث تكون التشريعات في الغالب مائلة وجائرة و إن شئت القول منحازة تجاه رؤية السلطة ومن ثم تسير الأمور من الأعلى إلى الأسفل وتصبح التشريعات والقوانين تعبيرا عن إرادة السلطة وتصورها وتصب في مزيد من التحكم والهيمنة والجور على مصالح الشعوب.

سألني أحد أصدقائي عن وجهة نظري حول قانون الخدمة المدنية 18 لسنة 2015 وعن الجدل المثار حوله داخل البرلمان المصري- الذى بدأ أولى فاعلياته بعملية ترفيه كبرى عن المصريين عبر الصورة الهزلية التي نقلتها الكاميرات والميكروفونات وعبرت تعبيرا صادقا عن الحالة المصرية المتسفلة الآن إلى مالا حدود- وبحكم أني في الأساس محام و قانوني كما أني كاتب صحفي وسياسي أجبته بوجهة نظري حول القانون و التي أراها وفقا للحالة المصرية.

بداية أود أن أؤكد على شيء مهم وهو أن الإثارة التي نشأت حول هذا القانون والجدل تحت قبة برلمان النظام حسب ما تناقل الإعلام الموالي للنظام  من تفاصيل تفاعلاتها أعتبرها غير بريئة  فهي بمثابة الغبار المتعمد أثارته  ومساحيق التجميل  لصورة البرلمان الهزلية منذ انطلاقته  وللتغطية على جريمة تشريعية كبري تتمثل في تمرير أكثر من ثلاثمائة وثلاثين قانونا خاصمت مصالح الشعب وإرادته ، وانقضت على العدالة التي هي مقصد القوانين وذبحتها بسكين التشريع

أكثر من ثلاثمائة وثلاثين قانونا  جاءت نتاجا لإسهال تشريعي غير مسبوق في مصر، في ظل حكم مطلق وحاكم فرد يمتلك سلطة تعديل القانون وتغييره عبر الاحتكار الفعال لمصادر القوة والسلطة في المجتمع

  قانون كقانون الخدمة المدنية  لا يمكن الحديث عنه بعيدا عما سبق ذكره كذلك  لا يمكن اعتباره معيبا محضا كما أن  نصوص هذا القانون ومواده  لا يمكن القول بأنها تلبى مطالب التوازن بين طرفي العلاقة التي ينظمها أو أن المراكز القانونية التي يخلقها ليست خالية من الميل والجور على حساب طرف  لمصلحة آخر.

الأصل في تشريع قوانين كقانون الخدمة المدنية أن المشرع يسعى لإحداث توازن مصالح بين الأطراف التي ينظم علاقتها هذا القانون  وفقا للدستور الضابط والحاكم لكافة القوانين خاصة أن طرفيه ما يقارب السبعة ملايين  موظف والحكومة بمؤسساتها وجهاتها التابعة لها وهذا غير موجود في كثير من مواد هذا القانون.

  التشريع من المفترض فيه أن يكون في مجمله  إيجابيا عبر تحقيق العدل و التوازن الطبيعي بين الخاضعين له  ومن ثم يجب أن يخلوا من العيوب التي هي في الغالب تمثل الميل و الجور على مصالح طبيعية و متفق عليها ومستقرة لطرف على حساب طرف آخر .

حالة السيولة التشريعية التي عاشتها مصر منذ انقلاب  الثالث من يوليو حكمتها مجموعة من القيم المعبرة عن نظام الثالث من يوليو وهذه القيم  بعيدة تمامًا كل البعد عن تحقيق العدل المطلوب ناهيك عن أن النظام القائم من أساسه قائم على الاعتداء على إرادة شعبية بالانقلاب عليها ومن ثم فهو مهدر للقانون والدستور.

واضعوا القوانين في مثل الحالة المصرية غالبا ما يطعمون القوانين ببعض الإيجابيات المطلوبة للتغطية على ما تحمله من سلبيات وجور وافتئات على مصالح الغالبية، وقد بدا ذلك واضحا في كثير من المواد التى تضمنها القانون والتي لا يتسع المقام لذكرها.

في حالة القانون 18 لسنة 2015 لا يمكن أن ننحي جانبا ما تحدث عنه رأس النظام المصري عبدالفتاح السيسي من أن الجهاز الإداري للدولة يمكن أن يؤدي المهام بربع عدد المنتسبين له.

يضاف إلى ذلك أن هذا القانون بتفصيلاته الحالية يؤكد كثيرون أنه جاء استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي بضرورة تقليص أعداد العاملين بالجهاز الحكومي.

وحيث أن الشيطان يكمن دائما في التفاصيل كما يقولون فقد جاءت العديد من نصوص هذا القانون جائرة ومطاطة  كما حوت مواده العديد من المخالفات الدستورية.

 لقد مثل هذا القانون كما يري كثيرون عملية إخضاع للموظفين العموميين لسلطة  العسكر من خلال تحقيق سيطرة النظام عبر العديد من النصوص ؛ فالمادة 14 فتحت الباب لعسكرة الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية عبر حجز الوظائف للمنتسبين للقوات المسلحة والشرطة.

كما جاء نص المادة 18 ليفتح الباب على مصراعيه لتعيين المحاسيب وأصحاب الوساطات من رجال الشرطة والجيش بعد الإحالة للمعاش، إضافة إلى استحداث ما يسمي مجلس الخدمة المدنية  الذي تُعد طريقة تشكيله مكمن إطلاق يد النظام في عسكرة الجهاز الإداري للدولة والتحكم فيه.

و من المادة  13 التي  أهدرت صراحة حقوق حملة الماجستير والدكتوراه  في حالة وجود مسابقة قيادية أو غير قيادية أو التعيينات إلى المادة 15 والتي سمحت بتعيين الأجانب في الجهاز الإداري للدولة  إضافة للمادة 26 وأطلاق صلاحيات الإدارة  في العقاب وحرمان الموظف من التظلم  كذلك قام  القانون بضم الأجر الوظيفي والأجر المكمل وأخضاعهما معا لشريحة ضريبة أعلى ، وكذلك أهدار مبدأ تكافؤ الفرص و مبدأ المساواة ومبدأ الحق في العمل و ما يتعلق بموضوع الكشف الطبي وغيرها مما لا يتسع المقام لتفصيلاته  يبقى كل ذلك ملاحقا  بالعوار الدستوري سيد الموقف وتبقى سلطة النظام المتحكم الفعلي،  ووفقا للحالة المصرية فمجلس نواب النظام – الذي تم هندسته على عين النظام وبيد أجهزته  ليصبح ذراعا تشريعيا  وتعبيرا عن حالة ديموكتاتورية تعيشها مصر-  لن يخرج في هذا القانون أو غيره عن توجهات السلطة أو رؤيتها سواء كان الأمر بالأقرار أو الرفض أو التعديل

أخيرا و باختصار القانون بوضعيته الحالية لا يمكن مطلقا اعتباره يحقق التوازن المطلوب أو يلبي مطلب العدالة المفترض في التشريعات ولكن يراه كثيرون انقلابا على الموظفين العموميين ويهدر حقوقهم المكتسبة لمصلحة السلطة ورجال النظام.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023