شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

هاجس الطائرات الصغيرة يُقلق الاحتلال

هاجس الطائرات الصغيرة يُقلق الاحتلال
فوجِئَ الجيشُ الإسرائيليُّ مرارًا وتكرارًا خلال مواجهته فصائل المقاومة، وكانت المفاجأةُ بسبب الفرق بين المعرفة والفهم، وصعوبة استيعاب أهمِّيَّة التَّهديد، وعدم استعداده لذلك،

فوجِئَ الجيشُ الإسرائيليُّ مرارًا وتكرارًا خلال مواجهته فصائل المقاومة، وكانت المفاجأةُ بسبب الفرق بين المعرفة والفهم، وصعوبة استيعاب أهمِّيَّة التَّهديد، وعدم استعداده لذلك، وخلال هذا المقال أحاول تحليل ودراسة إمكانيَّة استخدام الطَّيران في أيَّةِ مواجهةٍ قادمةٍ من خلال متابعتي للتَّقارير العسكريَّة الإسرائيليَّة وتحليلات المختصّين العسكريّين الإسرائيليّين لهذا التَّهديد القادم لهم.

خلال العامين الماضيين انتشَرت الطّائراتُ الصَّغيرة المتطوِّرةُ ذات الاستخدام المدنيّ، ويمكن لهذه الطّائرات مع مزيدٍ من التَّعديلات أن تجعلها فصائل المقاومة سلاحًا مؤثِّرًا، وهذا ما يحسب العدوُّ حسابَه في قادم المواجهات.

قد تفاجِئُ الطائراتُ المدنيَّةُ الصغيرةُ الجيشَ الإسرائيليَّ في الصِّراع القادم؛ ولذلك فإنَّهُ يستعدُّ لهذا التَّهديد في الوقت الحاليِّ.

وهنا نذكر العديد من الحالات التي فاجَأت الجيش الإسرائيلي على الرغم من معرفته بها، فخلال الحروب والمواجهات التي خاضها الجيش الإسرائيلي منذ إنشائه حتى الآن صُدِم بعددٍ لا بأس به من المفاجآت مختلفة الأنواع، منها اندلاع الحرب بشكل مفاجئ كما حدث في حرب أكتوبر 73، ومنها ضرب صاروخ C-802 على البارجة البحريَّة في حرب لبنان الثانية 2006، وكذلك استخدام الأنفاق في حرب غزة 2014م، ويرى الإسرائيليّون أنَّ المفاجأة لا تحدث عن سهوٍ لدى المخابرات لديهم، فالكثير من حالات التَّحقيق بالتَّهديدات كانت معروفةً لدى استخبارات العدوِّ ولدى القادةِ الميدانيّين والقيادة السِّياسيَّةِ العليا، ولعلَّ أكثر مثلٍ يضربُه الاحتلال الإسرائيليُّ هو تهديد الأنفاق الهجوميَّة من قطاع غزَّة التي استُخدِمت خلال حرب غزة 2014م، وتوضِّح هذه الحالة وغيرها من الحالات حجم الفجوة الكبيرة بين الاعتراف بالتهديد وفهمه واستيعابه أثناء القتال، فهناك فجوةٌ بين النَّظرة السّائدة والواقع في ميدان القتال، وهناك منافسةٌ بالتَّعلُّم، وتقدير الموقف، وأخذ العبر بين الجيش الإسرائيليّ والمقاومة، وكجزءٍ من هذه المنافسَة يحاول الاحتلال الإسرائيلي تعديل عقيدته القتاليَّة على المستوى التَّكتيكيّ، ويتمُّ التغيير المنهجيُّ في هويَّة (العدوِّ) وطابعه العسكريّ، ويسعى لضبط تصوُّر الردّ على هذا التَّغيير، ووفقًا لقيادة العدوّ العسكريَّة فإنَّهُم نجحوا بالفعل في الجزء الأكبر من المهمّة، وتمَّ تحديد التغيُّر في البيئة، غير أنّه ما زال هناك تأخُّرٌ في فهم الفرق بين التغيير ونماذج استخدامها، وبعبارةٍ أخرى هناك فجوةٌ بين التغيّر في طبيعة البيئة الاستراتيجيَّة والنَّهج النظاميّ المستخدم في الجيش الإسرائيليّ.

هناك عدَّة أسبابٍ لفشل العدوِّ في التَّنبُّؤ بساحة المعركة المستقبليَّة:

منها الإِخفاقات الاستخباراتيَّة، والفشل في اتّخاذ القرار، وإخفاقات الجندي نفسه، ويتمُّ التَّعبير عن إخفاقات الجنديّ في عدم فهمه للتَّعليمات وما يترتَّبُ على ذلكَ مِن تَرجمةٍ خاطئةٍ على أرضِ الميدان.

فوجِئ الجَيش الإسرائيليُّ بصواريخ الصَّقر في حرب أكتوبر 73، وكذلك مُفاجأة الأنفاق الهجومية بحرب غزة 2014م، وذلك بسبب فشل الجيش الإسرائيليّ في الأخذ بالاعتبار أنّ عليه دائما أن يكون قادرًا على تحديد استباقيٍّ للتَّهديدات المُحتملة .

هذه الفجوة لدى العدوِّ ليست موجودةً على المُستوى الاستراتيجيِّ فقط، ولكن أيضًا في العمليّات التَّكتيكيَّة، وعلى ذلك فإنَّه قد تكون هناك عمليات تكتيكية للمقاومة في الحروبِ التي تقع في الوقت الحالي، وقد تكون هناك أحداثٌ استراتيجيّةٌ هامة، وهذا ما كان في حالة اختطاف جلعاد شاليط، فقد تحوَّل الأمرُ من تهديدٍ تكتيكيٍّ إلى مشكلةٍ استراتيجيَّةٍ في ساحة المعركة. 

تحوِّلُ المفاجأة العملَ التكتيكيَّ إلى عملٍ ذي أهميَّةٍ استراتيجيَّةٍ في القتال، فالقتال بحدِّ ذاتهِ يشملُ قدرًا كبيرًا من المعلومات حول العوامل المسبّبة للمفاجأة، حيث يتمُّ تضمينه الأسلحة المبتكرة والتقنيّات القتاليَّة، وهنا نذكر بعضًا منها:

صواريخ ستيكس بعد حرب الأيام الستة: ستيكس هو صاروخ بحر- بحر، موجَّهٌ بالرادار، سوفييتيّ الصّنع، وفي أكتوبر عام 1967، بعد أشهرٍ من حرب الأيام السِّتَّة، أُطلِقت أربعة صواريخ على البارجة إيلات؛ ما أدّى إلى غرقها، وأسفر عن مقتل سبعة وأربعين جنديًّا، وجرْح أكثر من ذلك بكثير، على الرغم من المعرفة المسبقة للتَّهديدات البحريَّة، وكانت النَّتيجةُ مفاجأةً، وطالت الخسائرُ الأرواحَ وأدوات الحرب. 

صواريخ صقر في حرب أكتوبر73: هو صاروخ مضادٌّ للدَّبابات سوفييتيّ الصّنع، موجَّهٌ سلكيًّا، ويمكن حمله والعمل به مع المشاة، ويمكن تثبيته على المركبات أو طائرات الهليكوبتر. 

لقد استفاد المصريّون من صواريخ الصَّقر، وكان الجيش الإسرائيليُّ على درايةٍ تامةٍ بهذا التَّهديد، ومع ذلك، فوجئ به في حرب أكتوبر، وكان هناك خسائرُ فادحةٌ خلال الحرب نتيجةً لذلك، وبعد دفع الثّمن باهظًا جدًّا، بدأ الجيش الإسرائيليُّ بتطوير تقنيات وتدريباتٍ مختلفةٍ لهذا التهديد.

“المحميّات الطبيعية” في حرب لبنان الثانية: “المحميّات الطبيعيَّة” هو الاسم الذي يطلقه الجيش على تحصينات حزب الله في الغابات خلال الفترة بين انسحاب الجيش الإسرائيليِّ من جنوب لبنان وحرب لبنان الثانية 2006، وهو عبارة عن تفرُّعاتٍ ومخابئ تحت الأرض كان مقاتلو حزب الله يتحصَّنون بها، ويخفون فيها الأسلحة كالقاذفات الموجَّهة، والصّواريخ، ومدافع الهاون، والذَّخيرة والمتفجّرات، وكانت المحميات الطبيعية مخبَّأة جيِّدًا، ويصعب اكتشافها من قِبَل سلاح الجوِّ وأجهزة الإنذار، على الرغم من أنَّ الحرب الاستخباريَّة كانت على أشدِّها قبل الحرب، فقد كانت هناك معلوماتٌ محدَّدةٌ عنها، ولشدة التعقيد في تركيبة حزب الله كانت هناك صعوبة في التعامل معها، ولم تفِدْ التّكنولوجيا المتقدمة وتقنيّات القتال المتوفّرة لدى العدوِّ في التّخفيفِ من هولِ المفاجأة التي مكَّنت حزبَ الله من المناورة وإطلاق الصَّواريخ حتى آخر لحظَة.

الأنفاق الهجومية في حرب غزة 2014م: هي الأنفاق العابرة للحدود، حفرتها حماس تحت السياج الحدوديّ بين قطاع غزة وإسرائيل، بدأ حفر الانفاق قبل عام 2005، وأوّل نجاحٍ لها كان في عملية اختطاف جلعاد شاليط في غزة يوم 25 يونيو 2006، بعد هذا النَّصر بدأت حماس عمليَّةً منظَّمةً لحفر الأنفاق بين غزة وإسرائيل. 

كانَ تهديدُ الأنفاق معروفًا لدى الجيش الإسرائيلي، وتمَّت مناقشة قضيّة الأنفاق علنًا ​​وعلى نطاقٍ واسعٍ في وسائل الإعلام، ويدَّعي الجيش الإسرائيليُّ خلال حرب غزة 2014 أنه كانت لديه معلوماتٌ عن أنفاق المقاومة، ومدياتها، وعلى الرغم من أنَّ الجيش الإسرائيليَّ أعدَّ لإحباط العمليات التي كان من المفترض أن يتمَّ تنفيذُها من خلال هذه الأنفاق خلال حرب غزة 2014م إلا أنَّه تفاجأ بتهديد هذه الأنفاق وحجمها وقدرة المقاومة على استخدامها في عمليّاتها المتنوِّعة.

مفاجأة الطّائرات القادمة: لتجنُّب المفاجأة؛ فإنَّ الجيش الإسرائيليَّ يدير شبكةً واسعةً من المخابرات التي تراقب التَّطوُّرات العسكريَّة في مختلف الساحات على جميع المستويات، بما في ذلك المستويات التَّكتيكية، ويتم صياغة تقييمٍ للوضع في كلِّ مستوى من مستويات التهديدات. وتتعلّق هذه التقديرات بالأهداف الاستراتيجيَّة للعدو بالنسبة للاحتلال، والخُطط التشغيليَّة، والقدرات العسكريَّة التَّكتيكيَّة.

يتجهَّزُ الجيش الإسرائيليُّ للتهديدات الجديدة النّاشئة أمام أعينه، فالطّائرات الصَّغيرة تهديدٌ جديدٌ يتنبَّأُ العدوُّ باستخدامه في أيَّةِ مواجهةٍ قادمةٍ، وهي تُمثِّل تهديدًا حقيقيًّا؛ لأنَّ هذه التقنيَّة مدنيَّةٌ تماما، يمكنك شراؤُها من السُّوق بسهولةٍ، وقد تصبح تهديدًا مفاجئًا له، فيتم استخدامها بفعاليةٍ في مجموعةٍ متنوِّعةٍ من المهام العسكريَّة.

هناك طائراتٌ مختلفة الأحجام، فمنها طائراتٌ بحجم كفِّ اليد، وهناك طائراتٌ كبيرةٌ يُعتمد عليها في حمل الكاميرات وأنظمة التَّحكم. 

في الآونة الأخيرة كان هناك العديد من الجهود لدى شركات التكنولوجيا المدنية لتطوير هذه الطائرات واستخدامها بالأمور التِّجارية وإرسال الشُّحنات للمتسوِّقين، وتعتبر هذه فكرةً واعدةً، فَمن السَّهل لهذه الطّائرات أن تطير في المناطق المبنيَّة والمعقَّدة، وتتميز هذه الطائرات بالإضافة إلى تعدُّد أحجامها بقدرتها على المناورة والطَّيران على علوٍّ منخفضٍ، وانخفاض أسعارها، وقدرتها على حمل الأوزان، وإنّه من المحتمل أن تستخدم المقاومة مستقبلًا أسرابًا من هذه الطّائرات في مهامٍ عسكريَّةٍ واستخباريَّة، مثل التَّصوير الفوتوغرافي، وتشغيل أجهزة الاستشعار المختلفة.

يعتقد العدوُّ أن هناك تهديدًا ناشئًا عن هذه الطائرات، ولعلّ هذه هي طبيعة الحرب غير المتكافِئة، فالمقاومة قادرةٌ على تطوير وابتكار مثل هذه الطائرات القادرة على تهديده، فخلال حرب غزة 2014 استُخدِمت الطّائرات من قبل القسّام، حيث أُنتِجت من هذه الطّائرات ثلاثة نماذج، وهي “طائرة  A1A” ذات مهام استطلاعية، و”طائرة “A1B وهي ذات مهام هجومية (إلقاء)، و”طائرة A1C” وهي ذات مهام هجومية (انتحارية)، وأكَّدت القسام خلال الحرب أن طائرتها قامت بطلعات، شاركت في كلٍّ منها أكثر من طائرة، وكانت لكلِّ طلعةٍ مهامٌ تختلف عن الأخرى، كما كشفت القسّام في وقتٍ سابقٍ أنَّ وحدةً خاصةً تابعةً له قامت بالاستيلاء على طائرة استطلاعٍ إسرائيلية من نوع”skylark1″، وتمكَّنت من تعديلها وإدخالها الخدمة لديها.
وأكدت الكتائب أنَّه وبعد الاستيلاء على الطّائرة في 22 يوليو/تموز 2015 الماضي، تمَّ إجراء الفحوصات الأمنيَّة والفنيَّة اللازمة، وتفكيكها ودراسة النّظم والتّقنيات التي تعمل بموجبها، ثم قامت الوحدة الخاصَّة بإعادة تركيبها وإدخالها للخدمة لدى كتائب القسّام، وعلى ذلك فإنَّ العقول الخلّاقة والمُبدعة لدى المُقاومة التي عوَّدتنا بعد كلِّ مواجهةٍ تطويرَ قدراتِها واستخلاص العبر يمكنها أن تستخدم هذه الطائرات في نقل العبوات النّاسفة ووضعها في أماكن حسّاسة، فإنّ المخاوف الرئيسيّة من هذه الطائرات تكمنُ في استغلالها لاستخدام صاروخٍ دقيق التَّوجيه يمكن استخدامه لضرب أهدافٍ استراتيجيَّة، كالقواعد العسكريَّة للجيش الإسرائيلي ـ والسفن الحربية في عرض البحر، أو منشآت “قومية” أخرى عبر استغلال قدرة طيرانها على ارتفاعٍ منخفضٍ؛ مما يقلِّل من قدرات اكتشافها عبر شبكات الرادار المختلف، ويمكن كذلكَ استخدامها في الكمائن، وبهذه الطّريقة تحقِّق المقاومةُ قدرةً تشغيليةً قويَّةً لهذه الطائرات، وبتكاليف منخفضة، هذا السيناريو يُدرس لدى الجيش الإسرائيليّ، ويحاول إيجاد الطُّرق العمليّة لعدم التورُّط في هكذا مفاجآت.

يتبيَّن من التَّجربة أنَّهُ وعلى مرِّ التاريخ تفاجأ الجيش الإسرائيلي باستراتيجيات وتكتيكات عسكرية جديدة يستخدمها خصمه، وفي كثيرٍ من الحالات أدَّت المفاجأة التكتيكية والاستراتيجية إلى ضرورة إيجاد حُلول فوريَّة أثناء القتال.

يسعى الجيش الإسرائيليُّ في هذه المرحلة إلى دراسة الطّائرات الموجودة حاليًّا في السّوق، والتي من الممكن استخدامها عسكريًّا؛ بسبب خصائصها الفريدة، والعمل على الحد من خطرها القادم، فهل يستطيع العدوُّ التَّغلب على العقول المبدعة لدى المقاومة والتي أثبتت في كلِّ المراحل قدرتَها على مفاجأتِه بإبداعاتها الجديدة، لعلَّ قادم الأيّام سينبِئُ بما قد يحدُث !



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023