نعقد يوميا سلسلة من المقارنات التى لا تنتهى .. وتكون النتيجة دائما لصالح الآخر .. ننظر للقريب نظرة انتقاص حتى لو أوقد أصابعه العشرة شموعا .. هذا على المستوى الاجتماعى ..وبالطبع انسحب ذلك على الوضع السياسى .. فأردوغان أفضل من مرسي .. والشعب التركى أفهم وأفضل من الشعب المصرى .. واخوان حماس أفضل من اخوان مصر … هذا النوع من المقارنات يذكرنى دائما بسؤال : هل البحر أوسع أم القطار أسرع ؟؟!!
مرسى وأردوغان
لنعقد مقارنة متزنة لا يغلب عليها المزايدة والأهواء .. لابد أولا أن ندرس أرضية الحكم لكل منهما ..
فمرسي انتخب كرئيس شرعى بعد انقلاب عسكرى دام ستين عاما .. جرفت فيها الحياة السياسية تماما .. استشرى الفساد فى مفاصل الدولة .. وانهار اقتصادها .. حكم لمدة عام مكبل بسلاسل عسكرية متينة .. امتلأت فترة حكمه بالقلاقل والاضطرابات نظرا لأنه انتخب بعد ثورة جامحة المطالب لا امكانيات متاحة لتطبيقها لفساد سرطانى فى الأجهزة التنفيذية فضلا عن مشاركتها فى مؤامرة الانقلاب عليه فيما بعد ..
أما أردوغان .. فقد انتخب كرئيس بعد أربعة انقلابات عسكرية أتت على الأخضر واليابس .. فاز حزبه فى الانتخابات التشريعية منهيًا حكم طبقة سياسية تنخرها الفضائح وازمة مالية طاحنة .. أصبح أردوغان رئيسا لوزراء تركيا .. ومع تلك المضايقات التى كان يلقاها الحزب من الجيش الا انه يبدو وكأن البلاد قد وصلت الى مرحلة من الضعف بحيث لم تعد تبالى بمن يحكم فالمهم أن تقوم تركيا من عثرتها أو أنهم كانوا واثقين أن هذا الحزب لن يستطيع أن يجعل تركيا تنهض ثانية وهكذا يكون قد أثبت فشله فلا تقوم له قائمة بعد ذلك .. كانت هناك تعديلات مستمرة للدستور .. كانت هناك مؤسسات للدولة تعمل بشكل محايد .. بذل حزب العدالة والتنمية كثير من الجهد حتى أغلق صنابير الفساد ونجح فى استعادة تركيا من غيبوبة الموت .. وبذلك كسب الحزب وأردوجان نفسه شعبية أثرت فيما بعد فى وضعه عندما أصبح رئيسا للبلاد .. فهذا الرجل يملك رصيدا من الانجازات يعترف به حتى العلمانيين هناك . .
*وهكذا يكون من الظلم مقارنة وضع مرسي بوضع أردوغان فلكل منهما ظروف يختلف فيها كل منهما عن الآخر .. وأحب هنا أن أنوه لنقطة لطيفة ربما غفل عنها البعض .. لم يتحدث أردوغان بشكل واضح عن الهوية الاسلامية فى بلاده الا بعد نجاح مرسي وكأنه شعر أن وجود مرسي داعم رئيسي له .. كل اللقطات الشجاعة الصلبة من أردوغان قابلتها لقطات أشجع وأصلب من مرسي لو راجعنا خطاباته .. كل المشاعر الحنونة لأردوغان تقابلها مشاعر أبوية من مرسي .. كل محاولات المناورات السياسية الذكية من أردوغان قابلتها حنكة سياسية عالية من مرسي .. ولكن دائما زمار الحى لا يطربه .
الشعب المصرى والشعب التركى
بعد الانتخابات التشريعية المبكرة الأخيرة فى تركيا ونجاح حزب العدالة والتنمية بأغلبية البرلمان التركى .. تحدث المصريون عن حكمة الشعب التركى وفطنته وذكائه وقارنوا بينه وبين غباء الشعب المصرى الذى لم يحافظ على ثورته ومكتسباتها وخدع بواسطة اعلام مضلل لا يمكن أن يصدق محتواه حتى طفل صغير ..
نسى متبنو هذا الاتجاه ما جرى فى تركيا من انقلابات عسكرية دموية طاحنة كان محركها الاعلام التركى .. لم يكن الشعب التركى فطنا ذكيا كما الآن .. بل كان ربما مهللا للظلم كما المصريون اليوم .. مر الأتراك بمراحل تلى ما نمر به اليوم .. أكسبتهم نوع من الفطنة النسبية إلى ما يحدث على المستوى السياسى فى بلادهم .. ولا ننسي وجود نسبة كبيرة من العلمانيين والأكراد الذين يتسببون حاليا فى قلاقل مستمرة .. وإلا فلماذا تمت الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة ؟؟؟!!
أعلم أن هناك من سيشير الى حكمة أردوجان فى الاستجابة لهذه الدعوة المبكرة ..وأذكره بأن مرسي فى آخر خطاب له وافق على المطالب التى قدمت له ومن قبلها عقد جلسات مصالحة وافق فيها مقدما على ما سيتفق عليه أعضاء هذه الجلسات من معارضين ومؤيدين أيا كان ما سيصلون إليه …ولكن الانقلابيون كانوا قد عقدوا العزم وحسم الأمر .
تمر بكل شعب تجارب وخبرات تحكم خياراته .. ولكن زمار الحى لا يطربه.
اخوان حماس واخوان مصر
وجدنا من مؤيدى شرعية مرسى من يهلل عندما تسدد حماس ضربة للكيان الصهيونى .. مادحا لهم واصفا اياهم بالشجاعة مستنكرا على اخوان مصر تمسكهم بالسلمية ..
وأقول .. ان لكل معركة نوع مختلف من المقاومة ..
فحماس عدوها واضح .. محتل مغتصب صهيونى غاشم متعد على مقدساتنا .. نؤيدهم بقلوبنا وبأصواتنا اذ أننا من العجز بحيث لا نستطيع أن نقف معهم كتفا بكتف فى مواجهته .. فى هذه الحالة نعلم أن من يموت من صفوف المسلمين هو شهيد بإذن الله ..
أما فى حالتنا فالأمر مختلف .. نحن مجتمع مسلم سنى .. دخلت الفتنة بيوتنا .. تشابك الأمر .. فالأسرة الواحدة فيها المؤيد للشرعية ..يعلم أن الأمر دين .. وأن الحرب على الاسلام .. وفيها المؤيد على غير فهم ودراية وربما على عند وغل وحقد للانقلاب مفوضا اياه فى كل ما يفعل .. موافق ومبارك حد التسليم ..
فمن سنقتل ؟؟ أسنقتل أمهاتنا واخواتنا واخوتنا ؟؟!!
أسنقتل مجند فى الجيش ربما لا يفهم ولا يدرك سوى ما لقنوه ؟؟؟
كيف سنفرق بين ضابط مجرم وآخر مغلوب على أمره ؟؟!
كيف يمكن أن نتحكم فى فتنة سلاح فى بلد تعداد سكانه 90 مليون مواطن؟
هل يدرك من يستنكرون مبدأ السلمية أن فساد النفوس فى مصر وصل إلى النخاع ؟؟ .. كم نحتاج أن نقتل ليتطهر المجتمع اذا ؟؟
ومن سيموت منا وقتها ترى كيف سيحتسب .. أيحتسب قاتل أم شهيد ؟؟!!!
سهل دائما أن نحكم من المدرجات دون أن ننزل أرض الملعب ..
لكل أرض معاركها وخططها ورجالها .. ولكن زمار الحى لا يطربه .
وكما قال الشافعى :
والتَّبْرَ كالتُّرْبَ مُلْقَى ً في أَمَاكِنِهِ والعودُ في أرضه نوعً من الحطب