رغم عجز أجهزة الدولة في الخارجية والدفاع والمخابرات، عن إفادة عبدالفتاح السيسي بشيء يثبت ملكية مصر لجزيرتي تيران وصنافير، فإنه يوجد العديد من الخرائط والقرارات الرسمية والوثائق التاريخية، المصرية والبريطانية والروسية، التي تثبت أحقية مصر في الجزيرتين، وقد تجاهلتها تلك الأجهزة عن عمد، وذلك بحسب وثائق نقدمها خلال التقارير التالي.
وتؤكد الخرائط التاريخية تبعية الجزيرتين لمصر منذ فجر التاريخ، وهو ما أثبته الباحث والناشط تقادم الخطيب، الذي نشر 5 خرائط تاريخية من مكتبة برلين، تعود لأزمنة مختلفة، تكشف عن وقوع الجزيرتين داخل الحدود المصرية، منذ أعوام قبل الميلاد، ومنذ أن كان البحر الأحمر أقرب لبحيرة مصرية مغلقة، بكل ما شمله من جزر، ووصولًا للتقسيم الاستعماري الجديد، والذي وضع ترسيمات حدودية جديدة لتظهر معها الحجاز كمجموعة من الدويلات ثم كدولة واحدة وفي كل الحالات وحتى عام 1950م، لم تأت الوثائق بذكر على تبعية الجزيرتين إلا لمصر فقط.
خرائط ما قبل الميلاد
ويقدم الباحث تقادم الخطيب أقدم خريطة لمصر قبل الميلاد، نقلاً عن الأطلس التاريخي للعالم، والتي تشير إلى أن أراضي مصر امتدت إلى ما بعد البحرالأحمر، حيث توضح الخريطة كما هو مبين بالصورة امتدادات مصر الجغرافية، ولكننا لن نعتمد الخريطة كمرجع باعتبار ان جغرافية المنطقة تغيرت ولكن الثابت من الأوراق أنه رغم تغير الحدود مع الزمن فإن شيئًا واحدًا لم يتغير هو تبعية تيران وصنافير لمصر، بحسب تقرير موثق نشره موقع “البداية”.
الحملة الفرنسية
ونشر الخطيب خريطة أخرى من القرن الأول الميلادي إلى الحملة الفرنسة تشير إلى تحول البحر الأحمر إلى بحر داخلي مصري حتى وقت حملة نابليون، وهو ما يعني استمرار الوضع القديم لما يقرب من ألفي سنة، ويعني أيضًا استمرار تبعية الجزيرتين للأرض المصرية طوال هذه الفترة دون تغيير، والخريطة المذكورة هي خريطة سيناء أثناء حملة نابليون بونابرت، عام 1798، والتي توضح الحدود المصرية وقت الحملة.
الخريطة الثالثة، سبقتها بسنوات وهي خريطة مصر التي رسمها، Radefeld, Carl Christian fant،1788-1874، نجد فيها اسم جزيرة تيران، وتبعيتها للسيادة المصرية.
واستمر الأمر كما هو حتى بدايات القرن العشرين وهو ما تظهره خريطة توضح حدود دولة مصر، خلال الفترة من 1872-1915، وفي هذا الوقت كان جزء كبير من الحجاز لا يزال تحت السيادة المصرية.
الخرائط الروسية
ولم يقف الأمر عند خرائط الحملة الفرنسية بل إن الخريطة الروسية لمصر، والموجودة بمكتبة برلين، والتي نشرها الخطيب أيضًا، جاءت لتؤكد تبعية جزيرتي تيران وصنافير لمصر، وتكويدهم على الخريطة الروسية لمصر بكود رقم 10.
وهذا يوضح أن خرائط ما قبل بدايات القرن العشرين، تؤكد أن الجزر كانت تابعة لمصر، ولكن من منطق التدقيق التاريخي، وبافتراض تسليمنا بالطعون التي قدمت عليها بمنطق أنه لا يجوز الارتكان لخرائط كانت الدولة المصرية وقتها خاضعة لسيادة دولة أخرى، وإذا تجاوزنا الرد على هذه الطعون، والذي يشير إلى أن اتفاقية لندن عام 1840م، كانت بداية حقيقية لتأسيس الدولة الحديثة وحدودها بالمنظور الدولي، فإن الوضع بعد استقلال مصر عن الدولة العثمانية، وحتى بعد معاهدة 1936م، والتي كانت بداية لاستقلال مصر عن بريطانيا لم يتغير، وجاءت جميع الوثائق حتى عام 1950م، لتؤكد تبعية الجزيرتين لمصر، وانتقل الوضع ليس فقط من الملكية المجردة بل لممارسة السيادة عليها بأشكال مختلفة.
الدولة العثمانية
وكانت البداية مع اتفاقية الحدود الشرقية المصرية، المبرمة بين الدولة العالية العثمانية والدولة الخديوية المصرية، عام 1906م، والتي أشار البعض لها باعتبارها اتفاقية لترسيم الحدود البرية فقط ولم تتطرق للحدود البحرية، ولكنهم لم يتوقفوا أمام أن هذه الحدود البرية امتدت حتى ساحل خليج العقبة، بما يعني تبعية جميع الجزر الواقعة في المنطقة للسيادة المصرية خاصة في ظل السيطرة المصرية أيضًا على منطقة شمال الحجاز أو ما يعرف بالحجاز المصري وقتها.
وإذا تم التجاوز عن اتفاقية 1906م، وتم التسليم بعدم إمكانية الاستناد لها، فإن الوثائق التالية لها كان لها رأي آخر، حيث نشر الدكتور نور فرحات أستاذ فلسفة القانون بجامعة الزقازيق، تأكيدًا آخر على مصرية الجزيرتين، وهو شرح لـ اتفاقية الحدود الشرقية منقولة من الصفحة 1617، من كتاب “محيط الشرائع والمعاهدات الدولية المرتبطة بها مصر”، لـ أنطون بك صفير.
هذا ونشر الدكتور فرحات خريطة لسيناء، مطبوعة فى مصلحة المساحة، عام ١٩١٣م، مدون فيها علامات الحدود المصرية، وفقاً لاتفاقية ١٩٠٦م، ومؤشرًا عليها من المندوبين، مشيرًا إلى أن حد الحجاز طبقًا للخريطة يبدأ من العقبة.
وحول ذلك يقول الدكتور صبري العدل أستاذ التاريخ والباحث في تاريخ سيناء، أنه على الرغم من أن اتفاقية 1906م، كانت في الأساس اتفاقية للحدود البرية، ولم تتعرض للحدود البحرية، إلا أنه ووفقًا للخطوط المرسومة تتبع الجزيرتان الأراضي المصرية، حيث كانت حدود مصر حينها “تتجاوز خليج العقبة وتمتد داخل الحجاز”.
حديث الوثائق لم يتوقف عند خريطة عام 1913م، أو الفترة السابقة لتأسيس مملكة آل سعود، بل امتد لما بعدها مؤكدًا استمرار تبعية الجزيرتين لمصر حتى بعد ظهور المملكة.
فمن جانبه، نشر العدل مجموعة من الوثائق تعود للفترة من عام 1928م وحتى 1950م، تثبت مصرية جزيرتي تيران وصنافير، مؤكدًا في حوار صحفي أن الوثائق ليست تحليلًا سياسيا، ولا تقبل وجهات النظر، وشدد العدل على أن الحديث عن تبعية جزر البحر الأحمر لمصر بدأ حتى قبل انضمام شمال الحجاز للسعودية، وأثناء تمرد حركة ابن رفادة، ضد محاولات ضم شمال الحجاز لمملكة آل سعود، مشيرًا إلى أن التواريخ السابقة على ذلك كان فيها النفوذ المصري يمتد للحجاز ويتجاوز خليج العقبة.
وثائق بريطانية
ونشر العدل نص وثيقة بريطانية عن جزيرة تيران بتاريخ 1911م، تقول إن الدولة العثمانية أرسلت 50 عسكريا للاستيلاء على جزيرة تيران، وأن بريطانيا تعزز قواتها حول المنطقة، ويعكس التخوف البريطاني من استيلاء العثمانيين على الجزر، وتعزيز قواتها لحمايتهم تأكيدًا وإشارة واضحة على مصرية الجزيرتين، حيث كانت مصر وقتها واقعة تحت الاحتلال البريطاني.
الوثيقة التالية، نشرها العدل، صادرة بتاريخ 3 يونيو 1943، وهي عبارة عن وثيقة وخريطة، تدوران حول مناورات تجريها المخابرات البريطانية بالقرب من خليج العقبة، ويدور جزء من هذه المناورات على الجزيرتين.
وحول الوثيقة قال الدكتور صبري العدل إن بريطانيا أجرت المناورات على الجزيرتين، طبقًا لاتفاقية 1936م، والتي كانت تلزم مصر بمساعدة القوات البريطانية، وهو ما يؤكد تبعية الجزيرتين في هذا الوقت للسيادة المصرية، مشددًا على أن الأمر لم يكن مجرد استتناج، بل إن خرائط هيئة المساحة الصادرة عام 1937 أكدت تبعية الجزر لمصر، بل ورسمت تيران بلون مصر.
وحتى لا يظن أحد أن هذه الوثائق لم تقطع بملكية مصر للجزيرتين فإن الرد القاطع جاء عبر وثيقة آخرى نشرها العدل، حملت في طياتها عبارة “سري جدًا”، صادرة في 25 فبراير عام 1950، العام الذي ادعت فيه السعودية صدور خطاب بملكيتها للجزيرة فيه، وهي عبارة عن رد من وزارة الخارجية على وزارة الحربية في هذا الوقت، وجاء الرد ليؤكد تبعية جزيرة تيران لمصر، وتكشف الخارجية في الوثيقة أنها استعلمت من وزارة المالية والتي جاء ردها ليؤكد وقوع تيران ضمن الحدود المصرية.
وحول الوثيقة قال العدل إن سبب استعلام وزارة الخارجية من المالية يعود لكونها الوزارة المنوط بها مربوط القرى، وكانت هي أيضًا المنوط بها الخرائط المساحية الخارجية، والتي يتم جمع الضرائب على أساسها، ويؤكد د. صبري العدل أن الخريطة رقم 6 لجنوب سيناء، الصادرة سنة 1937 أكدت تبعية تيران لمصر.
وعن قصة صدور الوثيقة يقول الدكتور إن القصة بدأت بعد استيلاء “إسرائيل” على جزيرة أم الرشراش، عام 1949م، وبهذا أصبح لها منفذ على البحر، وخشيت الحكومة المصرية في هذا الوقت من محاولة إسرائيل السيطرة على جزر البحر الأحمر، خصوصًا بعد نشر الأهرام في 2 يناير عام 1950م خبرًا عن أن عضو بالكنيست قال إن “هناك جزر ليس عليها علم في المنطقة”، داعيًا إسرائيل للاستيلاء عليها، وهو ما دفع الحكومة المصرية للتحرك لبسط نفوذها على الجزر، وجاء خطاب الخارجية ليؤكد تبعية الجزيرة لمصر، طبقًا للخرائط الصادرة منذ عام 1937م.
وأكد الدكتور صبري العدل أن جميع هذه الوثائق تؤكد ملكية مصر للجزيرتين، مشيرًا إلى أن الوثائق لا تقبل وجهات النطر، كما رجح أن بداية حديث السعودية عن تبعية الجزيرة لها ربما يعود إلى أن مصر خلال تحركها لمنع إسرائيل من السيطرة على الجزر، عام 1950، خاطبت المملكة أنها ستقوم بتأمين الجزر لمنع السيطرة عليها، وهنا جاء رد الملك سعود ليشكر الملك فاروق على حمايته للجزيرة، مضيفًا أن هذا الرد لا يصنع حقائق تاريخية، ومطالبًا المملكة بتقديم وثائق ملكيتها إن كانت تمتلك وثائق، وهو ما رجح عدم دقته.
الأمر لم يقف عند حدود الملكية بل انتقل لممارسة السيادة الكاملة على الجزيرتين لتكتمل أحقية مصر بملكية الجزيرتين إلى الممارسة الفعلية للسيادة عليها، وهو ما أكدته العديد من الوثائق منذ عام 1950 وحتى تسعينات القرن العشرين، بينها قرار وزير الداخلية الراحل حسن أبوباشا، بإنشاء نقطة شرطة مستديمة في جزيرة تيران، تتبع قسم سانت كاترين في محافظة جنوب سيناء، والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 21 مارس لسنة 1982، والذي حمل رقم 422 لسنة 1982.