يقبع عشرات الآلاف من معارضي حكم العسكر وراء القضبان؛ بسبب التوسع في الحبس الاحتياطي، في ظل مطالب حقوقية بإلغائة، واتهام الدولة باستغلال الحبس الاحتياطي كعقاب سياسي.
تعديل مجرم:
ووصف الناشط الحقوقي هيثم أبوخليل تعديل المستشار عدلي منصور، الرئيس المؤقت وقتها، لمدة الحبس الاحتياطي بالتعديل “المجرم”، حيث إنه لو كانت الجريمة أو التهمة تصل فيها العقوبة إلى المؤبد أو الإعدام، فيكون الحبس الاحتياطي عندها بدون سقف.
وأضاف أبوخليل في تصريح خاص لـ”رصد”، إن هذه جريمة سيلعنه التاريخ عليها كثيرًا؛ لأن ما يحدث لشباب اعتقلوا في مظاهرة أو لأي سبب تافه.. هو “استهبال” في عزبة وليست دولة، على حد وصفه.
وأوضح أبوخليل أنه في عام 2013 أجرى الرئيس المؤقت عدلي منصور تعديلا على الفقرة الأخيرة من المادة 143 لإلغاء الحد الأقصى للحبس الاحتياطي بالنسبة إلى المحكوم عليهم بالإعدام أو المؤبد في مرحلة النقض، أو إعادة المحاكمة فقط، ولكن العامين كحد أقصى للحبس الاحتياطي بقي ساريًا على كل المحبوسين احتياطيا، الذين صدرت ضدهم أحكام بعقوبة غير الإعدام والسجن المؤبد، والذين لم تصدر ضدهم أحكام بعد.
تحول إلى عقوبة
ورفض حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، التوسع في الحبس الاحتياطي، مطالبا بإنجاز حزمة من التشريعات الضرورية والتي من بينها مكافحة التعذيب، والجمعيات الأهلية وتعديل قانون التظاهر، مشيرًا إلى أنه من الصعب ان نقنع العالم بأن هناك من حكم عليه بالسجن ٥ سنوات في قضية تظاهر سلمي.
وقال أبو سعدة في تصريح خاص لـ”رصد”، إن الحبس الاحتياطي في مصر تحول إلى عقوبة، ويجب إيقاف التوسع في الحبس الاحتياطي وأن يكون لتحقيق العدالة، مشيرًا إلى أن الآلاف الآن داخل السجون قد تجاوزوا مدة حبسهم الاحتياطي القانونية بحد أقصى عامين وما زالوا داخل السجون.
وأوضح أن المبادرة المصرية قد تقدمت بطلب إلى رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الهيئات القضائية بأن يقوم أي منهم أو جميعهم بتقديم طلب تفسير إلى المحكمة الدستورية بشأن اختلاف المحاكم في تفسير نص المادتين 143 و380 من قانون الإجراءات الجنائية، حيث لا يسمح القانون المصري للأفراد باللجوء مباشرة إلى المحكمة الدستورية لتفسير نصوص القانون محل الخلاف، ويقصر هذا الحق على رئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورئيس مجلس الهيئات القضائية.
تفسير المواد القانونية المتعلقة بالحبس الاحتياطي
وقالت هدى نصر الله، المحامية بالمبادرة المصرية، إن 1464 متهمًا على الأقل في السجون المصرية تعدت مدة حبسهم الاحتياطي المدة القانونية، وإن هذا يعتبر مخالفًا للمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، التي وضعت حدًا أقصى للحبس الاحتياطي يتراوح بين 18 شهرًا وعامين في الجنايات.
وقالت هدى في بيان لها، إن المبادرة المصرية طالبت الحكومة بالتقدم إلى المحكمة الدستورية بطلب تفسير المواد القانونية المتعلقة بالحبس الاحتياطي لإنهاء معاناة المئات من المحبوسين تعسفيًا وإخلاء سبيلهم.
وأضافت أن المئات وقعوا في دوامة الحبس الاحتياطي، ولا توجد وسيلة للطعن على قرارات قضاة محاكم الجنايات بحبس المتهمين احتياطيًّا أكثر من عامين، ولا سلطة على القضاة في تفسيرهم للقانون عند اختلافهم في تطبيق نصٍّ، سوى المحكمة الدستورية العليا التي تعود إلى قصد المشرع عند إقراره للنص، فقد تحول الحبس الاحتياطي إلى أداة عقاب سياسي دون محاكمة أو حق في الدفاع.
النظام القضائي بات أداه قمعية
وقال عبدالله النجار، مدير المركز العربي الإفريقي لحقوق الإنسان: إن ملف الحبس الاحتياطي يتخذ من قبل النظام لقمع المعارضة عن طريق حبسهم الاحتياطي لمدد تتجاوز العامين كما حدد القانون في المادة 143 من قانون الإجرائات الجنائية الذي وضع حدًا أقصى للحبس الاحتياطي ما بين 18 شهرًا وعامين في حالة الجنايات.
وأضاف في اتصال هاتفي لقناة مكملين، أن عدد المعتقلين الذين تجاوزوا مدد الحبس الاحتياطي يتخطى 1460 بكثير؛ نظرًا لكبر عدد القضايا وصعوبة إحصائها، مضيفًا أن السلطات تخلي سبيل المعتقلين بعد ذلك بالبراءة وكأن تلك المدة التي ضاعت من عمرهم غير محسوبة.
وأوضح أن النظام القضائي في مصر بات أداة قمعية في يد السلطة لقمع المعارضة، مثله مثل وزارة الداخلية وأصبح مسيسًا، وأصبحت منصة القضاء تستغل أسوأ استغلال لإصدار أحكام الإعدام والمؤبد التي لا يوجد لها مثيل في أي من دول العالم.
أشبه بالاعتقال الإداري
و أكد الحقوقي كريم عبد الراضي أن التوسع في الحبس الاحتياطي الممتد، بعد التعديل القانوني الذي تم في عام 2013، خلال حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور، أصبح أشبه بالاعتقال الإداري، اعتمادًا على نمط شائع من الاتهامات التي يتم توجيهها للمعارضين في مصر، وتسمح بالحبس الاحتياطي الممتد. وأضاف أن هناك مجموعة من التهم تكرر فى عدد كبير من القضايا؛ حتى تقنن حالة الحبس الاحتياطى، مثل: الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون، والغرض منها عرقلة مؤسسات الدولة من مباشرة عملها، والمساس بالحريات العامة، وتكدير الأمن العام، وزعزعة استقرار البلاد، بجانب التظاهر والتجمهر بغرض الإخلال بالأمن العام والنظام العام وتعطيل الإنتاج، والتأثير على سير العدالة، بالإضافة إلى التحريض على مقاومة السلطات العامة والتحريض على العنف.
وكشف عبد الراضي عن أن تلك التهم يتم وضعها فى سير القضية؛ حتى يتم شرعنة تكرار حبسه على ذمة القضية فقط لا غير، حتى وإن كان ليس لها أساس من الصحة.
مؤكدًا أن الحبس الاحتياطى تم تعديله فقط؛ لتطبيقه على الخصوم السياسيين للنظام، وليس له علاقه بالقانون وتطبيقه، مشيرًا إلى بعض الأمثله من رجال مبارك الذين كانوا يحاكمون على قضايا فساد وإهدار مال عام وقتل متظاهرين، وتم محاكمتهم بعد أن أخلي سبيلهم، فى المقابل نجد هناك عددًا كبيرًا من الشباب يتم تجديد حبسهم الاحتياطى؛ بسبب تي شيرت أو تظاهرة سلمية أو بالونات وغيرها من الأشياء.
ومن جانبه قال الحقوقي محمد صبحي إن القانون قديمًا كان يحدد الحبس الاحتياطي بستة أشهر كحد أقصى للجنح وسنتين في حالة المؤبد والإعدام، يتم خلالها إحالة المتهم للمحاكمة أو إخلاء سبيله، ولكن التعديل التشريعي الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور بعد قرابة شهرين من الإطاحة بالدكتور محمد مرسي أتاح تجديد الحبس الاحتياطي دون حد أقصى، وبالتالي تحول لعقوبة قد تمتد لفترات طويلة.
وأضاف “الآن يتم تجديد حبس المسجونين سياسيًّا مدة بعد أخرى لشهور عديدة تحت ذريعة استكمال التحقيقات، وبذلك تصبح السلطة قد استبدلت الاعتقال بالحبس الاحتياطي، وقانون التظاهر بالطوارئ”.