اعتمد الخديوي إسماعيل على القروض كوسيلة أساسية لتطوير البلاد، حيث حصلت مصر على قروض خلال حكمه بقيمة 120 مليون جنيه تقريبًا، وهو مبلغ كبير جدًا في وقتها، حيث عرف عن الخديوي إسماعيل اعتماده في التنمية على القروض، وأدى انتهاء الحرب الأهلية الأميركية إلى تراكم الديون على البلاد نظرًا لانخفاض أسعار القطن المصري في مواجهة نظيره الأميركي.
تشابه ما يجري في مصر مع عصر إسماعيل
وقد قال المسيو “جابرييل شارم -Gabriel Charmes” أحد كتاب فرنسا السياسيين ومن محرري جريدة (الديبا) وقد عاصر الخديوي إسماعيل حاكم مصر خلال الفترة من 1963 إلى 1979 “إن إسماعيل باشا قد اقترض سنوات حكمه (120 مليون جنيه تقريباً)، ولكن الواقع أن نصف هذا المبلغ على الأقل بقي في يد الماليين وأصحاب البنوك والمضاربين من مختلف الأجناس ممن كانوا يحيطون به على الدوام وهذا هو الخراب بعينه”.
ولعل ما يجري في مصر خلال الأيام الجارية في الألفية الثالثة في أثناء حكم عبدالفتاح السيسي من كثرة اعتماد مصر على القروض يعيد إلى الأذهان منهج الخديوي إسماعيل، لاسيما وأن غالبية القروض التي تحصل عليها مصر في الفترة الحالية توجه للموازنة العامة للدولة.
تخوفات من نهاية الوضع مثل إسماعيل
ويأتي هذا وسط تخوفات أن ينتهي الحال بمصر كما حدث خلال فترة حكم الخديوي اسماعيل، فقد قام السيسي بأولى خطوات إسماعيل بعد أن تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، مقابل أموال السعودية، تمامًا كما فعل الخديوى إسماعيل لتسديد فاتورة الديون بإهدار استقلال الدولة الذى نالته على يد جده محمد على فى عام 1807م بسبب الإنفاق المسرف وترسيخ الاعتماد على المساعدات الخارجية، فاضطر لبيع أسهم مِصر فى قناة السويس عام 1875 لتغطية العجز فى ميزانيته.
وعندما تبين أن ذلك لم يكن كافيًا لوقف النزيف المالي، أنشأ الدائنون الأوروبيون لجنة لضمان السداد. وبحلول عام 1877، كان أكثر من 60% من إيرادات مِصر مكرسة لخدمة هذا الدَّيْن، وفى عام 1882، تولى البريطانيون السيطرة على البلاد لحماية استثماراتهم.
ارتفاع الدين المحلي
وتواجه مصر أزمة جديدة تهدد الاقتصاد بعد أن ارتفع حجم الدين المحلي والخارجي الي مستويات تاريخية، لم تصل إليها مصر من قبل، حيث وصل حجم الدين العام المحلي إلى 2.49 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي، وارتفاع الدين الخارجي إلى 53.4 مليار دولار ليصل إجمالي الدين العام (المحلي والخارجي) إلى أعلى مستوى في تاريخه بحسب بيان رسمي للبنك المركزي.
وأوضح البنك المركزي أن إجمالي الدين العام المحلي سجل بنهاية مارس الماضي 2.496 تريليون جنيه مقارنة مع 2.016 تريليون جنيه بنهاية مارس 2015 بزيادة قدرها 480 مليار جنيه.
الدين الخارجي
وعلى صعيد الدين الخارجي، أوضح البنك المركزي أن حجم الزيادة في قيمة الدين الخارجي بلغت 13.5 مليار دولار مقارنة بمعدله في نهاية مارس 2015 والذي كان يبلغ 39.9 مليار دولار.
وبالمقارنة بما كان عليه حجم الدين الخارجي في نهاية 2015 فقد بلغ معدل الزيادة 5.4 مليار دولار بمعدل زيادة قدرها 11.2 %، مرجعا ذلك الى زيادة صافي المستخدم من القروض والتسهيلات بواقع 5.1 مليار دولار وزيادة اسعار صرف معظم العملات المقترض بها أمام الدولار الأميركي ما ادى الى زيادة الدين الخارجي بنحو 300 مليون دولار.
وترك الدكتور محمد مرسي الحكم وديون مصر الداخلية والخارجية تريليون و887 مليار جنيه بزيادة 381 مليار فقط، وقد وصل الدين الداخلي والخارجي بعد 3 يوليو وحتى الآن حوالي 3 تريليون جنيه.
أعباء الدين الخارجي
وبالنسبة لأعباء خدمة الدين الخارجي المتوسط وطويل الأجل، أشار البنك المركزي إلى أنها قد بلغت 4.3 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2015 وحتى مارس 2016، فيما بلغت الأقساط المسددة نحو 3.7 مليار دولار والفوائد المدفوعة بنحو 600 مليون دولار.
ونوه إلى أن نسبة رصيد الدين الخارجي قد ارتفعت خلال الفترة من يوليو 2015 وحتى مارس 2016 لتبلغ 16.5 % إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وباحتساب الدين الخارجي البالغ 53.4 مليار دولار بالجنيه المصري، طبقًا لسعر الدوﻻر فى البنوك والبالغ 8.88 يكون إجمالي الدين الخارجي بالجنيه المصري 474.192 مليار جنيه.
الديون تقترب من 3 تريليون جنيه
وعند ضم إجمالي الدين المحلي البالغ 2.490 تريليون، على إجمالي الدين الخارجي بالجنيه 474.192 مليار جنيه يكون صافي الدين العام 2964.19 مليار جنيه، وبذلك يصبح حجم الدين الإجمالي وصل إلى قرابة 3 تريليون، وهو ما يمثل 92% من الناتج المحلي الإجمالي، وبذلك دخلت مصر لمرحلة الخطر الكبير، إذا ما أُخذ في الاعتبار بأن هناك مزيدًا من القروض التي تم الاتفاق عليها، ويأتي على رأسها القرض الروسي لتمويل مفاعل الضبعة بمبلغ ٢٥ مليار دولار، فإن حجم الدين العام سيصل إلى مستوى تاريخي وسيزيد عن حجم الناتج المحلي مما يضع مالية البلاد في مركز بالغ الحرج في ظل نية النظام لمزيد من الاقتراض من المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين والبنك الأوروبي، التي تفرض شروطًا مجحفة على المستوى الاجتماعي، من بينها الخصخصة، ورفع الدعم عن الفقراء، وتحرير الأسعار.
الديون تهدد الدولة بالإفلاس
ومن جانبه توقع الخبير الاقتصادي عماد مهنى، أستاذ الاقتصاد السياسي، أن يستمر ارتفاع حجم الدين العام لمصر خلال الفترة المقبلة بعد حصول مصر على قرضي بنك التنمية الأفريقي، وصندوق النقد الدولي.
وأضاف في تصريح خاص لـ”رصد”، أنه إذا استمر الاستيراد بهذا الشكل، واعتمدت الدولة على الاقتراض، فإن الدولة مهددة بالإفلاس، وأن هناك ضعفًا في الإنتاج المحلي لعدم وجود استثمارات، لافتًا إلى أن معدلات الإنتاج لن تشهد زيادة قبل إعادة هيكلة شركات القطاع الخاص ودعم قطاع الأعمال.
وأشار عماد إلى أن مصر تستورد 75% من احتياجاتها، و56% من غذائها، وأن زيادة معدلات الاستيراد يحمل الدولة عبئًا دائمًا وهو عبء توفير الدولار.
وحذر عماد مهنى من زيادة معدلات الاقتراض بمعدل أكثر من 60% من إجمالي الناتج المحلي، وهو الأمر الذي قد يهدد الدولة بالإفلاس. لتجاوز التفاوت في عمليات التضخم التي أصبحت تضرب الاقتصاد المصري.
الغرب يغرقوننا في الديون
ومن جانبه، قال الدكتور رائد سلامة – الخبير الاقتصادي والمدرس بالجامعة الاميركية – أن الوضع القائم حاليًا، ووفقاً لآخر بيانات البنك المركزي في نهاية سبتمبر الماضي، فإن ديون مصر الأجنبية بلغت 53.4 مليار دولار، والمحلية بلغت 2.490 تريليون جنيه، بالإضافة لتآكل احتياطي النقد الأجنبي شهرياً.
وتابع في تصريح صحفي “اضطرت الحكومة للاستدانة في ظل وضع مأزوم، والدائنون يريدون أن يقرضونا حتى يغرقونا بمزيد من الديون ويفقدونا حريتنا على قدرة اتخاذ القرار السياسي بما يخل باستقلالنا الوطني، لذلك لن يفرق مع تلك البنوك ومن يقودها إقراض مصر بضعة مليارات دولارات” مستشهدا بالقضاء على الاتحاد السوفيتي بـ 10 مليارات دولار.
وقال سلامة “الغرب بعملائهم الإقليميين بيغرقونا في الديون، ومافيش إيرادات داخلة والفوائد والأقساط هاتتراكم وهانذهب للاقتراض مرة أخرى وندخل دائرة جهنمية لو لم نتوقف عن ذلك، مؤكدًا أن الرأي العام ينتظر الشفافية من البنك المركزي في عرض ما يتم اقتراضه علشان المصريين يعرفو هايسددوا القروض دي إزاي”.