في ظل الإهمال والفساد المستشريان بجميع مؤسسات ومصالح الدولة, يأتي تراجع دور الجمعيات الزراعية في محافظات الصعيد, وغياب خدماتها؛ ليصبح الفلاح وأرضه فريسة للقطاع الخاص وتجار السوق السوداء, واختفاء الميكنة الزراعية, بالإضافة إلى انعدام الثقة بين الفلاح, وتلك المؤسسات من ناحية وبين المسئولين من ناحية أخرى, وذلك بسبب عدم توافر المبيدات والأسمدة إلا في السوق السوداء, وعدم دعم الفلاح ماديا ومشكلات كثيرة أخرى.
يتم ذلك كله في ظل تجاهل واضح لمطالب الفلاح من جانب المسئولين. ومن جانبها، قامت شبكة رصد بإجراء هذا التحقيق لمناقشة مشاكل الفلاحين
الأزمات تلاحق الفلاح
يقول محمود عبد الوهاب – فلاح -: "في الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة إلى كل حبة قمح أو ذرة لتوفير رغيف الخبز نجد الحكومة تعقد اتفاقيات لزراعة أراضي خارج حدود الدولة في السودان الشقيق؛ لتوفير السلع الإستراتيجية مثل: القمح والقطن، وفي الوقت الذي تعصف بنا فيه الأزمات الاقتصادية الواحدة تلو الأخرى، نجد أن وزارة الزراعة لم تغير سياستها تجاه دعم الفلاح أو التوسع في استصلاح الأراضي الصحراوية, وتمليكها للفلاحين بأسعار مناسبة".
ويقول محمود السيد – مزارع -: "تقوم وزارة الزراعة بوضع عراقيل وقرارات تعجيزية أمام الفلاحين عند الحصول على قطعة أرض صحراوية, وأحيانا يتعرض الفلاح لإزالة زراعاته من قبل المحليات والمحافظة بحجة التعدي على أملاك الدولة.
وقامت الوزارة مؤخرا برفع سعر الفدان منذ عام 2005 من 4 آلاف جنيه إلى 70 آلف جنيه بالإضافة إلى الفائدة السنوية التي وصلت إلى 60 % عند التقسيط لمدة 3 سنوات مما يجعل الفلاحين يبتعدون عن استصلاح الصحراء".
استيراد القمح
وفي نفس السياق، يقول عباس أبو زيد- مزارع -: "أتعجب من سياسة وزارة الزراعة، فمصر الآن تستورد القمح من الخارج بملايين الدولارات، وأحيانا يكون القمح مسرطنا, وأحيانا يكون مشعا, وأشياء أخرى نحن في غنى عنها".
وأضاف أبو زيد: إن معظم الأراضي الصحراوية في الظهير الصحراوي بسوهاج من أجود الأراضي الصالحة للزراعة, ومنها مساحات كبيرة مزروعة بالفعل بالخضراوات والمحاصيل الزراعية المختلفة, وعلى رأسها الطماطم والقمح، إلا إن وزارة الزراعة تحول دون تمليكها للأهالي بسبب قيامها برفع سعر الفدان من 4 آلاف جنيه إلى 70 ألف مرة واحدة, ورفع الإيجار من 125جنيها إلى 4 آلاف جنيه دون سابق إنذار, فماذا تقصد وزارة الزراعة بتلك الإجراءات؟.
ومن ناحيته، يشكو عبد الفتاح أحمد – أحد أصحاب الأراضي بمنطقة سوهاج الجديدة – من القرارات الإدارية للمحليات وجهاز مدينة سوهاج الجديدة, ومنعهم من الزراعة؛ لعدم تقنين وضع اليد حتى الآن بالرغم من أن السبب ليس منهم, ولكن من الدولة التي لم تراع ظروف الفلاح.
ويستكمل عبد الفتاح: "يعاني عدد كبير من الفلاحين في قرى الدناقلة والسقرية أولاد سلامة وغيرها من قرى المنشأة, وقرى الظهير الصحراوي من عدم تقنين وضع اليد؛ بسبب قرارات وزارة الزراعة, ومطاردة جهاز مدينة سوهاج الجديدة لنا بدعوى أني أمتلك مساحة 5 كم من جميع الجهات".
السوق السوداء في الأسمدة
أما محمود إبراهيم – مزارع – فيقول: "في أغلب الأوقات نلجأ إلى السوق السوداء لشراء احتياجاتنا من الأسمدة والتقاوي والمبيدات, ونتعرض لقوانين السوق السوداء من العرض, والطلب وارتفاع الأسعار وغير ذلك من الصعوبات التي تصيبنا بالإحباط والملل، فقد يصل سعر عبوة السماد إلى 150 جنيها في حين لا يتجاوز سعرها في الجمعيات الزراعية – إن وجدت – أكثر من 40 جنيها, الفرق شاسع وربنا يساعدنا".
ويضيف أحمد عبد الموجود – مزارع -: "إذا كنا فعلا نريد الاكتفاء, وعدم استيراد محاصيل مهمة مثل القمح, فعلينا أن نهتم بالفلاح, وأساليب الزراعة وتطويرها, وكما يقولون: "من لا يملك لقمته لا يملك كلمته", ونحن كنا كذلك قبل الثورة «عاوزين نتغير بعد الثورة».
ويقول عبد الجواد أحمد البدري – مزارع صاحب أراضي-: "قديما عندما كنا نزرع محصول القطن الذي اشتهرنا به عالميا, وكان المرشد الزراعي لا يغادر الأرض, ويراقب المحصول من حين لآخر, وكانت الجمعيات الزراعية تمد الفلاح بكل الخبرات والمعونة المادية وغير المادية والسلف, ولذلك كان محصول القطن سندا للفلاح في معيشته, وكان الفلاح سندا للدولة في اقتصادها, وكان يصدر القطن أما الآن فقد تغير الحال, وما زال محصول العام الماضي من القطن مكدسا لدى الفلاحين, ولكن الشكوى لغير الله مذلة".
ومن جهته أوضح السيد محمدين – موظف صاحب أراضي- أن الفلاح أصبح يقوم بزراعة محاصيله معتمدا على خبراته الشخصية دون أدنى مراعاة للأرض وطبيعتها, والاهتمام بها؛ لأن الجمعيات الزراعية لا تقوم بدورها في مجال الإرشاد الزراعي؛ لذلك فإن الأرض قل محصولها، وتعب الفلاح من الشكوى للمسئولين؛ لأنه تعود على الطناش.
الجمعيات الزراعية لا تقدم العون
من جهة أخرى يقول خلف رشدي – محام -: "إن من أهم وظائف الجمعيات الزراعية هو تقديم العون للفلاح, وإمداده بما يحتاج من خبرات وأسمدة ومبيدات, وذلك لزيادة المحصول الزراعي, وتحسين جودته مما يعود بالنفع على الجميع, ولا نعلم لماذا تخلت الجمعيات الزراعية والدولة عن دورها المنشود؟, وكيف نصل إلى الاكتفاء الذاتي –كما يقول المسئولين – من جميع المحاصيل إذا كان هذا هو حالنا؟".
في حين يقول أحمد خلف الله – مهندس زراعي -: "إن المرشد الزراعي عليه مسئولية كبيرة تجاه الفلاح لحماية المحصول, ومساعدة الفلاح, وإمداده بأحدث الوسائل والتقنيات, وذلك لتطوير أساليب الزراعة…. ولكن يبدو أن ما يقال شيء وما نراه شيء آخر…. فهناك تعمّد واضح لتغييب المرشد الزراعي والجمعيات الزراعية".
ويضيف محمود أحمد الديب – مهندس زراعي -: "إن الزراعة قطاع مهم من قطاعات التنمية القومية التي لا بد أن تأخذ دور الصدارة, فلقد كنا نشتهر بالذهب الأبيض «القطن», أما الآن لا أعلم بأي شيء أصبحنا نشتهر…. فهل نعيد للجمعيات الزراعية دورها السابق بحيث تعمل على مساعدة الفلاح على حل تلك المشكلات وغيرها قبل فوات الأوان".
مديرية الزراعة ترد
في نفس السياق صرح مصدر مسئول بمديرية الزراعة بسوهاج – رفض ذكر اسمه – ردا على تلك الشكاوى: "إن الجمعيات الزراعية تقوم بإمداد الفلاحين بتقاوي القمح والذرة بنوعيه وتقاوي بذرة القطن والمبيدات, وأن المرشد الزراعي موجود, ولكن دوره تقلص لقلة زراعة المحاصيل, التي يشرف عليها مثل القطن, أما عن مشكلة الأسمدة الأزوتية فبنك التنمية والائتمان الزراعي هو المسئول عن إمداد الفلاح عن طريق الجمعيات بالأسمدة, كما أننا لا يمكننا التحكم في أسعار الأسمدة بالسوق السوداء.