وعلى الرغم من امتلاك نظام السيسي لكل مقومات النجاح، بعد السيطرة على كل مؤسسات الدولة، بحق أو بغير حق، ومساندة العديد من رجال الأعمال له، ووقوف أهم مؤسسات الدوله بجانبه، كالجيش والشرطة والقضاء ومنظومة الإعلام، ناهيكم عن الدعم الخارجي من بعض دول الخليج، ودول غربية عديدة، إلا أن ذلك كله لم يظهره على أنه نظام قوي يمثل دولة قوية، ولكنه يخرج من فشل ويدخل في آخر، ولعل ذلك تطبيقًا للآية الكريمة “إن الله لا يُصلح عمل المفسدين” الآية 81 من سورة يونس.
وفي المقابل نجد أن أطياف المعارضة المصرية بكل فئاتها وأشكالها، لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب، من الاستفادة على الأقل من فشل السيسي ونظامه، دونما أن تبذل أي جهد آخر، فالظاهر هو الفرقة والشتات، والاختلاف على أبسط الأمور، والتنابذ بالألقاب، والتخوين، والاتهام بالعمالة أحيانًا، ناهيكم عن عدم الاجتماع على أجندة وطنية واحدة، يمكن أن تُمثل مخرجًا مقبولا لهذه المرحلة. ولعلّ مرد ذلك كله إلى عدة أمور منها:
أولًا: غياب الرؤية الجامعة، التي ترسم طريقًا لمستقبل مصر، وتثق بها الكُتلة الصُلبة من أبناء الشعب المصري، لكي تكون بديلا مُقنعًا ومُناسبًا للمرحلة الحالية، وتمثل آفاقًا لمستقبل منظور، يشعر فيه المواطن بكرامته وإنسانيته والعيش الكريم، الذي خرج من أجله في الخامس والعشرين من يناير 2011، وضحّى من أجله بالنفس والنفيس.
ثانيًا: انصراف معظم الشباب، سواء كان منتظمًا في تنظيم أو حزب أو جماعة، عن القيادات الحالية، والبحث عن أُطر أخرى، لقناعته بعدم قدرتها على إدارة المرحلة الحالية، وخصوصًا أنها فشلت، من وجهة نظره، في إدارة الدولة، فيما بعد ثورة يناير 2011، ولم تنجح في الاستفادة من كل الطاقات والإمكانيات التي توفّرت لها.
ثالثًا: اتساع الانقسامات الداخلية لكل فصيل، وخصوصًا ما حدث داخل جماعة الإخوان المسلمين، من التباين في وجهات النظر، وعدم حسم هذا الخلاف، الذي أدى إلى شتات التنظيم ولو بنسبة، في مرحلة تحتاج فيها الأمة إلى توحيد الكلمة وترتيب الصف، بما تمثله هذه الجماعة من قوة شعبية على الأرض، وتوافر الخبرات المتنوعة داخلها.
رابعًا: انشغال البعض، سواء أفراد أو جماعات، بوجهة نظر واحدة، والتمسك بالنظرة الأيدلوجية في طريقة التفكير، وعدم السماح لوجهات النظر الأخرى بالتعبير عن رؤيتها، وغياب الوعي في استيعاب الجميع تحت مظلة يناير التي جمعت كل أطياف الشعب المصري، لمواجهة النظام الذي أفسد كل نواحي الحياة في مصر.
خامسًا: عدم توظيف الطاقات الكامنة في العديد من الشباب، سواء في الداخل أو الخارج، لتهيئته وإعداده ليكون فاعلا محركًا للأحداث، وليس منفعلا بها فقط، وغياب القائد الذي يمتلك الكاريزما لتجتمع حوله أطياف المعارضة، ويمثل القاطرة التي تسير بالركب إلى بر الأمان برؤية جامعة، واستراتيجية طموحة، تنتشل الجميع من الغرق.
سادسًا: عدم معرفة طبيعة الصراع في الواقع العربي والإقليمي وتعقيداته، وغياب تلك الرؤية عن البعض، والتّمحور والتخنّدق فقط داخل الفصيل أو الحزب الواحد، دون الوعي بما يخططه أعداء المنطقة العربية، بل أعداء المشروع الحضاري للأمة، والمساهمة بقصد أو بدون قصد في خدمة المشاريع المعادية، بأسلوب يفتقد للمسؤولية، ويبتعد عن الوعي السياسي.
هذه النقاط أردت من خلالها توجيه الضوء على الأزمة التي تعترض توحيد صفوف المعارضة المصرية، التي تُقدِّم أحيانًا هدايا مجانية لنظام مستبد يريد استئصال المسار الديمقراطي في مصر، وإهدار كرامة المصريين، ونهب ثرواته، وتضييع حقوقه، وتدمير مستقبله.
أقول: أما آن لنا أن نبدأ بعمل جامع نجتمع فيه على المشتركات التي تخدم الوطن برمته، وهي كثيرة، وننصرف عن القضايا الفرعية التي تثير الخلافات، ونبتعد عن التمحور داخل ذواتنا، ويكون ديدننا في هذا المرحلة أننا جاهزون للمساهمة، والبناء على ما سبق، دون شروط أو قيود تُعقّد الأمور، وعدم إهدار الأوقات دون جدوى، والتفكير بطريقة سليمة منهجية لإنقاذ مصر، حتى لا نكون كمن يحرث في البحر، ويعطي فرصة أكبر لهذا النظام الذي أهلك الحرث والنسل!