هذه المرة لا تتعلق الروايات بتلك الأنظمة الديموقراطية التي تسعى أبدا لكسب رضاء شعوبها، والتي كثيرا ما تستطلع آرائهم حول تلك القرارات والخطوات التي ليس شرطا أن تكون مفصلية في الغالب، بقدر ما هي تأكيد على احترام الشعب وأن العمل يجري أصلا لمصلحته ولتأكيد أن كل شىء منه وله.
لكن سنستعرض هنا إنجازات نظام السيسي قبيل إنفجار الكاتدرائية، فنظامه بحاجة دائمة لصناعة تلك المصائب والكوارث التي تحيد اهتمام الشعب والناس بعيدا عن الفشل الذريع -المقدس اﻹلهي- الذي يبدو أنه بات ملازما للسيسي ونظامه.
في الحقيقة بتنا نتوقع تلك التفجيرات والحرائق والكوارث التي ستحدث فور أن نلمس ذاك الإحباط الواضح في نبرة صوت السيسي أثناء خطاباته الإرتجالية ومداخلاته الفجائية والتي تكون قريبة من كل شىء إلا أن تكون قريبة من كونها تصدر عن رئيس دولة.
قبل كل شىء فإنني أقصد هنا “باﻹنجازات” تلك الخطابات والمداخلات، فهذا ما أنجزه السيسي حتى اللحظة، عبارة عن خطابات ووعود فارغة ومشاريع فاشلة وكلمات ومداخلات تغدو فورا لتكون مادة إعلامية للسخرية، هذا عدا إفلاس البلد وانهيار الجنيه وزيادة الفقر والبطالة والجريمة وتراجع دور مصر إقليما إلى ما وراء دور الصومال، وفوق كل ذلك فإن تصديق رواية نظام السيسي بأن الإنفجار عمل إرهابي هو واجب وطني مقدس! ليس عليك أن تفكر وتحلل وتستنتج أنت أيها المواطن المصري عليك فقط بالتصديق المقدس، كيف لا والسيسي ونظامه باتوا من الآلهة اﻵن، فقداستهم من قداسة الله سبحانه وتعالى وربما أن عبارة السيسي “اللي يقدر عربنا يقدر علينا” ستضاف إلى القرآن الكريم قريبا كآية نسخها اﻹخوان المسلمون الخون من القرآن قبل الميلاد.
بينما يرى البعض أن توقيت الإنفجار غاية في الذكاء فهو عشية ذكرى المولد النبوي الشريف، وحدث في كاتدرائية مرقسية قبطية مهيبة بوسط العباسية، أرى أنا وبعض القلة -على سبيل التواضع- أنه غاية في الغباء، وباتت مثل هذه الأحداث مكشوفة للغاية:
فلماذا لا يتم تأمين مثل هذه الأماكن الحساسة من الأرهاب؟
أليس واجبا تلك الحماية من نظام شغله الشاغل محاربة الإرهاب؟
لماذا لا يستقيل وزير الداخلية؟!
يعني نظام شغله الشاغل محاربة الإرهاب ثم يفشل وزير داخليته هذا الفشل الذريع في مواجهة الإرهاب ويبقى في منصبه! لعمري أن ذلك بات مكشوفا للغاية، وهو يؤكد تلك المقولة الشعبية “كيف عرفت الكذبة؟ قال له من كبرها” يبدو أن ألوهية وقداسة السيسي ونظامه أعفته هذه المرة من حبك القصة جيدا، اﻹله ليس بحاجة لاستحضار عقول عبيده لتصديق رواية ما، علة تصديقها أنها فقط صدرت عن إله.
عندما فشل رئيس وزراء إيطاليا “ماتيو رينزي” الذي وصف بالرئيس القوي في إقناع شعبه بضرورة توسيع سلطات الحكومة بوجه مجلس الشيوخ من خلال تعديل الدستور والذي طرحه لﻹستفتاء العام، بينما يرى الخبراء والمحللون السياسيون أن ذلك التعديل سيجعل من إيطاليا أكثر استقرارا في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي تمر بها ضمن الكساد العالمي الحالي وعنق الزجاجة الذي يمر فيه الإتحاد اﻷروبي حاليا، إلا أنا لم نشهد تلك التصريحات المثيرة والمبطنة بالتهديد من المستقبل ولا حتى من نفوذ المافيات التي تسيطر على مجلس الشيوخ والإقليميات التي كان يسعى رينزي إلى تقليصها فيما لو نجح اﻹستفتاء الشعبي، ولم نشهد إضفاء تلك الصبغة اﻹلهية على ذاك التعديل، ولم نرى حتى تلك التفجيرات!.
هذه دولا وأنظمة وأحزابا نجحت بالنهوض بالفرد والشعب والصناعة والتعليم والعلم والتنمية المجتمعية لكونها فقط تحترم الشعب وتقدره وتضع له ذاك الوزن الأوحد في معيار الحكم، ليست أنظمة ما زالت تحكم بالخوف والرعب والوعيد والتهديد والعرافين والمشعوذين والنهيران والتصفية والتفجيرات والحرائق!.