في أوائل عام 2016، أقرّت الحكومة الكويتية وثيقة من شأنها -كما قيل في حينه- تحقيق إيرادات مالية وترشيد الميزانية العامة للدولة، مع تحقيق العدل والمساواة في الدعوم المالية المقدّمة منها للمستفيدين.
الوثيقة أوضحت أن ذلك سيكون من خلال إعادة الدور الريادي للقطاع الخاص، وإعادة رسم دور الدولة في النشاط الاقتصادي، بما يضمن إيجاد فرص عمل للخريجين ويدعم استدامة الرفاهية الاقتصادية.
وشملت الوثيقة ستة محاور رئيسة؛ بينها الإصلاح المالي وإعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد الوطني، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الوطني. وركزت المحاور الأخرى على مشاركة المواطنين في تملك المشروعات، وسوق العمل، ونظام الخدمة المدنية وغيرها من الملفات.
وفي الوقت الذي تمحورت أهداف الوثيقة بشكل عام على ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات وتخفيض عجز الموازنة، فإن هذه الأهداف تعرّضت إلى جدل؛ كان أبرزه الحاجة إلى تشريع قوانين جديدة، مثل قانون خاص بالضريبة، وتعديل قانون جذب الاستثمارات الأجنبي، وكذلك رفع الدعم عن البنزين.
الكويت تتراجع
مطلع الشهر الجاري، قال وزير المالية الكويتي أنس الصالح إن “الإصلاح الاقتصادي لا تراجع عنه؛ لكن وثيقة الإصلاح الاقتصادي وبرنامج الإصلاح الاقتصادي هما أداتان يتم الآن تطويرهما وتعديلهما بالمشاركة مع (شركائنا) في مجلس الأمة بهدف رفع كفاءتها”.
واعتبرت وكالة أنباء “رويترز” أن تصريحات “الصالح” تعتبر تراجعًا “تكتيكيًا” عن وثيقة الإصلاح الاقتصادي التي أعلنتها قبل نحو عام ولقيت انتقادات واسعة في مجلس الأمة، الذي يشكل المعارضون نحو نصف أعضائه.
وكان أكثر جوانب الوثيقة إثارة للجدل رفع أسعار البنزين والسولار والمحروقات، ورفع أسعار تعريفة الكهرباء والماء، والشروع في إعداد قانون جديد لفرض ضرائب على الشركات المحلية بواقع 10% من صافي أرباحها السنوية.
وشرعت الحكومة في إعداد مشروع جديد لإعادة هيكلة الرواتب والمكافآت والمزايا الوظيفية للعاملين في الحكومة، المكان المفضل لأكثر من 90% من القوى العاملة الكويتية؛ وهو ما قوبل برفض حاسم من عمال النفط.
وقال النائب عبدالكريم الكندري في تصريحات للصحفيين سابقًا إن وزير المالية أبلغه أن وزارته “جمّدت وثيقة الإصلاح الاقتصادي وأنها في طور إعداد وثيقة إصلاح اقتصادي جديدة”.
وأضاف النائب المعارض للوثيقة: “أيّ وثيقة إصلاح اقتصادي تهدف إلى مسّ جيوب المواطنين ستكون مرفوضة مثلما رفضنا وثيقة الإصلاح الاقتصادي السابقة. نحن مع الإصلاح الاقتصادي الذي يبدأ من رأس الهرم وليس من القاعدة، مع الإصلاح الذي يبدأ من مصادر الإنفاق والهدر الحقيقية في الدولة وليس من جيوب المواطنين”.
من يُعرقل الإصلاحات؟
واعتبرت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، في وقت سابق، أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الكويت ستزيد التوتر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ ما قد يعوق الإصلاحات الاقتصادية والمالية.
وأشارت الوكالة في تقرير لها إلى أن تكوين البرلمان الكويتي تغيّر بشكل كبير في الانتخابات التي جرت في 26 نوفمبر الماضي، بعد أن تخلت معظم فئات المعارضة عن مقاطعتها للانتخابات.
ورأت “فيتش” أن “حصيلة الانتخابات تأتي متفقة مع توقعاتها السابقة بأنها ستأتي بمجلس أقل اتفاقًا مع الحكومة”. وأصدرت “فيتش” تقريرًا في نوفمبر ثبّتت فيه تصنيف الكويت عن AA مع نظرة مستقبلية مستقرة.
ولفتت إلى أن المعارضة البرلمانية المتزايدة لبرنامج الإصلاح المالي الحكومي كانت السبب الأساسي الذي أدّى إلى قرار أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح بحل البرلمان، الذي سبق الانتخابات.
وحذرت “فيتش” من أنه إذا حُلّ البرلمان مجددًا فإن الإحباط الشعبي من ضعف التمثيل والإصلاحات غير العادلة قد يعيد البلاد إلى حالة من عدم اليقين السياسي، كتلك التي سادت بين العامين 2011 و2013، وهي الفترة التي شهدت ثلاثة قرارات بحل البرلمان.
بدورها، اتفقت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني على أن نتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي ستعيق الجهود الإصلاحية في البلاد، مانحة أفق هذه الإصلاحات نظرة سلبية.
واستندت “موديز” في نظرتها إلى توقعاتها بأن يؤثر المجلس الجديد على سعي الحكومة لتنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية الهادفة إلى خفض الاعتماد على النفط.
وتوقفت الوكالة العالمية عند نتائج الانتخابات، لافتة إلى أن “معظم النواب المنتخبين الجدد أعربوا عن مناهضتهم الشديدة للإصلاحات المالية الحكومية، خصوصًا إصلاح الدعم؛ وبالتالي شكّلت النتيجة رفضًا كاملًا للتدابير التقشفية الحكومية”.