نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرًا عن الأحداث التي تشهدها مصر، مشيرة إلى أن فرع تنظيم الدولة الإسلامية بها أحرز تقدمًا ويسير في طريقه.
وقَتَلَ تفجيران يوم الأحد الماضي 45 شخصًا في كنيستي مارجرجس والمرقسية، وكان هذا ثالث هجومٍ كبيرٍ على الكنائس القبطية في أقل من أربعة أشهر، وكان أول هجومٍ من هذا النوع في المدن المصرية الكبرى التي يعتقد كثير من الناس أنّها أكثر أمانًا.
وتأتي هذه الهجمات بعد أشهرٍ من الإرهاب، وكان من الممكن توقّعه؛ فقبل شهرين فقط أصدر تنظيم تابع لـ”الدولة الإسلامية” في سيناء مقطع فيديو متوعدًا باستهدافه للأقباط في بر مصر الرئيس.
وتُبيّن هذه الهجمات أنّ استراتيجية عبدالفتاح السيسي لمكافحة الإرهاب مستمرة في الفشل. ويدّعي السيسي أنّه ملتزم بمحاربة الإرهاب؛ ولكن في واقع الأمر يوجّه طاقته إلى أعدائه الآخرين، الناشطين والعلمانيين والصحفيين وأعضاء البرلمان المستقلين ورجال الأعمال والأكاديميين الذين يعارضونه ومنظمات حقوق الإنسان والجماعات الإسلامية السلمية.
وردًا على التفجيرات التي وقعت يوم الأحد الماضي، أعلن السيسي حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وكانت محافظة شمال سيناء تخضع لقانون الطوارئ منذ أكتوبر/ تشرين الأول عام 2014م؛ ولكن تدهور الوضع الأمني هناك خلال العام الماضي تذكيرٌ لكيفية فشل هذه السياسات.
وحقيقة الأمر أنّ قانون الطوارئ لن يفعل شيئًا يذكر سوى إعطاء غطاء قانوني للممارسات الوحشية التي تُطبق بالفعل في الأعوام القليلة الماضية في انتهاك صارخ للدستور المصري. (وذكر السيسي في وقتٍ سابق أنّ الدستور كُتب بـ”نوايا ساذجة”).
وعلى نحوٍ متزايد، تُشبه شمال سيناء الموصل. وفي وقتٍ سابق من هذا العام، ملئت وسائل الإعلام المصرية بصور المسيحيين اليائسين الذين أجبرهم مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية على ترك منازلهم في سيناء، في مشهدٍ يذكرنا باستيلاء التنظيم في العراق على الموصل عام 2014م. وفي العريش، عاصمة شمال سيناء، يقال إنّ تنظيم الدولة أقام نقاط تفتيش لإجبار الموظفات العموميات على الالتزام بقواعد اللباس الإسلامي الصارمة، وأفادت التقارير أنّ شبّانًا تعرضوا إلى الجلد في الساحات العامة عن “جريمة” بيع السجائر.
وشهد الوضع تدهورًا شديدًا، وأصبحت التفجيرات والاغتيالات لقوات الأمن في سيناء أمرًا منتظمًا الآن. ووجد معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط أنّ عدد الهجمات في شمال سيناء قفز من 143 عام 2014 إلى 681 عام 2016.
ومثلما كانت الموصل مركزًا لتدبير التفجيرات الانتحارية في بغداد، أصبحت سيناء الآن مركزًا محتملًا لهذه الهجمات في بر مصر.
وبعد فترة وجيزة من سيطرة السيسي على مصر في انقلابٍ عسكريٍ في يوليو/ تموز عام 2013، دعا المصريين للنزول إلى الشوارع لمنحه تفويضًا لمواجهة الإرهاب، وامتثل الناس؛ على الرغم من أنّ الهجمات الإرهابية في ذلك الوقت كانت محدودة وموجّهة في الغالب ضد أهدافٍ عسكرية في سيناء بالقرب من الحدود مع غزة. ومع ذلك، استفاد السيسي من هذا الدعم الشعبي للدفع باتجاه أجندته الحقيقية والتحرك ضد الناشطين العلمانيين الشباب والإسلاميين السلميين ومنظمات حقوق الإنسان.
وحتى مع تشريد المسيحيين في سيناء، لم يكن الإرهاب أولوية قصوى للسيسي أو أنصاره. وركّز البرلمان الحالي على طرد الرئيس السابق للجنة حقوق الإنسان “عصمت السادات”.
وكان “السادات”، وهو ابن شقيق الرئيس المصري السابق، واحدًا من الأصوات المعارضة القليلة داخل المجلس التشريعي، داعيًا إلى وضع برنامج لعلاج التطرف وإعادة التأهيل للسجناء، وأثار التساؤل حول الآثار التي ستترتب على انتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان والتي تتسبب في إنتاج التطرف.
ولدى “السادات” حقٌ في ذلك، فبدلًا من مكافحة الحكومة للإرهاب فإنّها تزيد منه بطرقٍ عديدة؛ وقد ساعدت التدابير الأمنية الوحشية في سيناء، بما في ذلك حالات الإخفاء القسري وعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، في دفع أفراد من المجتمع البدوي الأصيل للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية؛ حيث وزّع التنظيم المسلحين مبشرًا بالانتقام.
وأصبحت سجون مصر، التي احتفظ فيها السيسي بكل من يعارض حكمه، أرضًا خصبة لتجنيد الأفراد لصالح الجماعات الجهادية. وفي حين أنّ الناشطين العلمانيين المؤيدين للديمقراطية، مثل علاء عبدالفتاح، يقضون أحكامًا في الحبس الانفرادي ولا يسمح لهم بتلقي الكتب أو الرسائل، يجوب الجهاديون سجون البلاد ينشرون تطرفهم ويجندون السجناء الآخرين.
واشتكى وزير الخارجية سامح شكري، في مقابلة أجراها العام الماضي مع مجلة “فورين بوليسي”، من أنّ مصر تفتقر إلى التضامن الدولي في مكافحتها للإرهاب، وهي شكوى رددتها الحكومة المصرية مرارًا منذ الانقلاب عام 2013م؛ وهذا تحريفٌ تام.
وقال لي مسؤولٌ بارزٌ في الاتحاد الأوروبي مؤخرًا إنّ حكومة السيسي اعترضت على تعيين ملحقٍ لمكافحة الإرهاب في بعثة الاتحاد الأوروبي في القاهرة؛ خوفًا من أن تكون جزءًا من مؤامرة غربية. وقال توم مالينوسكي، مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في إدارة الرئيس باراك أوباما، في مناسبة بواشنطن الشهر الماضي، إنّ مصر لا تستجيب إلى نصيحة البنتاجون حول الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء. ووفقًا لمصادر مطلعة على هذه القضية، هدّدت حكومة السيسي حتى بطرد الصليب الأحمر الدولي من مصر بسبب مذكرة داخلية أوصت بتصنيف الوضع في سيناء على أنّه “نزاعٌ مسلحٌ غير دولي”.
ويبدو أنّ الدعم الدولي الوحيد الذي يريده “السيسي” هو تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، على الرغم من عدم وجود أدلة والاعتراض شبه الجماعي من جانب الخبراء الدوليين والمصريين على هذا التصنيف للجماعة.
وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنّ السلطات الواسعة لقانون الطوارئ ستكون بغرض مكافحة الإرهاب. وفي اليوم نفسه الذي أُعلنت فيه حالة الطوارئ، أُعلن عن تعديلاتٍ تشريعية، واستُدعي عددٌ من المدافعين عن حقوق الإنسان للتحقيق فيما يتعلق بنشاطهم ضد محاكمة مجموعة من موظفي المنظمات غير الحكومية بتهمة الحصول على تمويلٍ أجنبي.
يعكس الفشل في التعامل مع تفجيرات الأحد والتدابير التي أعقبت ذلك كيف تنظر حكومة السيسي إلى الإرهاب؛ فهي تنظر إليه كذريعة لدفع أجندتها السياسية الحقيقية وليس كمشكلة تحتاج إلى معالجة. وتعد الأولوية القصوى للسيسي هي القضاء على بدائل حكمه الفاشل، حتى مع تحقيق الجماعات الجهادية في جميع أنحاء مصر لتقدمٍ ملحوظ.