في ندوة لليونسكو في ويندهوك بناميبيا عام 1991 تم إقرار الثالث من مايو من كل عام يوما عالميا لحرية الصحافة، حيث صد عن هذه الندوة بيان يدعم الصحافة المستقلة والتعددية في أفريقيا في مواجهة سنوات من العنف الحكومي والسلطوية في القارة.
وبناء على ذلك البيان تم اعتبار يوم ٣ مايو يوما عالميا لحرية الصحافة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٩٣ وذلك بعد تبنيه من قبل المؤتمر العام لليونسكو عام ١٩٩١ .
ويعتبر إعلان ويندهوك الخطوة الأولى المؤثرة في سلسلة من الإعلانات المشابهة في مختلف أنحاء العالم.
وترى منظمة اليونيسكو- عبر موقعها الإلكتروني- أن هذا اليوم يمثل فرصة للاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، وتقييم حال حرية الصحافة في كل أنحاء العالم، والدفاع عن وسائط الإعلام أمام الهجمات التي تُشن على حريتها. وكذلك الإشادة والاحتفاء بالصحافيين الذين فقدوا أرواحهم أثناء أداء واجبهم.
وقد اعتادت منظمة اليونيسكو أن تخصص عنوانا لقضية تكون أيقونة هذا الاحتفال لكل عام وقد جاء عام 2017 لتجعل اليونيسكو موضوعه تحت عنوان “عقول متبصرة في أوقات حرجة: دور وسائل الإعلام في بناء وتعزيز مجتمعات سلمية وعادلة وشاملة للجميع”.
مذكرة “اليونيسكو”
وفي هذا الإطار أصدرت منطمة اليونيسكو لهذا العام مذكرة “مفاهيمية” أوردت فيها أن الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام يأتي في ظل تحدٍّ كبير يتلخص غي مواجهة الأخبار الزائفة التي اجتاحت الصحافة في عام 2016 خاصة في ظل تراجع الصحافة الورقية والزحف الإلكتروني المستمر منذ سنوات والذي سهل على مروجي الأخبار الزائفة مهمتهم. وقد تحدثت المنطمة إبان تحضيرها للمذكرة إلى الصحافي جيم روتينبريغ، من صحيفة نيويورك تاميز، والذي قال إن الأخبار الزائفة التي شهدها عام 2016 قد تفيد في إذكاء الوعي بشأن قيمة الأخبار الحقيقية وخلص إلى أن هذا الأمر لو تحقق فعلا فإن الصحافة الأصيلة والجيدة هي التي ستنقذ مهنة الصحافة.
ورأت المنطمة أن هذا النوع من الصحافة لا يزدهر إلا في بيئة مواتية لوسائل إعلام حرة ومستقلة وتعددية. وعندما تتوفر هذه الرشوط تتوفر لوسائل الإعلام كذلك إمكانات هائلة لبناء وتعزيز مجتمعات سلمية وعادلة وشاملة للجميع.
وقد وصف الصحفي السيريلانكي لاسانتا ويكرماتونغا، الذي اغتيل في عام 2009، وسائل الإعلام الحرة بـ “مرآة يرى فيها الجمهور نفسه بلا تنميق ومساحيق تجميل” وأضاف : “ومنها -أي وسائل الإعلام- تعرف حالة شعبك، ولا سيما إدارته وتدبير شؤونه من قبل أناس انتخبتهم أنت لكي يوفروا لأولادك مستقبلا أفضل”.
تأثير الحرية والاستقلال
وأكدت المنطمة في مذكرتها على أهمية حرية الصحافة في مقطع واضح قالت فيه: وعندما تكون وسائل الإعلام حرة ومستقلة وتعددية يمكنها حينئذ فقط أن تضمن تطبيق القانون وتحقيق سيادته واحترامه الكامل وتضطلع الصحافة الاستقصائية بدور حاسم في هذا الصدد، وذلك من خلال كشف النقاب عن الفساد السياسي والاقتصادي والمخالفات الأخرى، ولكن لا يُسمح لمثل هذا القطاع الإعلامي أن يبرز أو أن يرى النور إلا إذا توفَّر إطار قانوني يكفل ويصون حرية التعبير وحرية استقصاء المعلومات وتداولها. ويشترك الأإعلام الحر والسلطة القضائية المستقلة والفعالة في علاقة جدلية من التعاضد المتبادل حيث يعزز بعضها البعض كركيزتين أساسيتين للديمقراطية. ويقوم هذا الترابط، مضافاً إليه التزام الأطراف الفاعلة في عالم الصحافة بالمعايير الأخلاقية والمهنية، مقام البنية الأساسية التي تنهض عليها وتنتعش حرية التعبير.
دور وسائل الإعلام إيجابيا
وقد خلصت اليونيسكو في مذكرتها إلى أنه بمقدور وسائل الإعلام الموضوعية والمحايدة أن تساعد في نزع فتيل التوتر وتعزيز الحوار واحتواء الصراعات كما استنتجت أن وسائل الإعلام هي جهات فاعلة ومهمة في تعزيز الاندماج الاجتماعي، لذا ينبغي تشجيع وحفز إمكاناتها على تعزيز الحوار، وقدرتها على التعببر عن تنوع الآراء ووجهات النظر في المجتمع، والتصدي للصور النمطية وتشويه الحقائق.
الصحافة في مصر.. تاريخ من المواجهة
وتحل ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة في ظل واقع صحافي مصري أقل ما وصف به من قبل المراقبين أنه واقع مرير، فنقيب الصحافيين في 2016 تم الحكم عليه بالسجن ومنذ ما يربو على ثلاثة سنوات والصحافيون في مصر يواجهون قمعا ربما يكون غير مسبوق، وقد اتخذ النظام في مصر من الصحافة ووسائل الإعلام بشكل عام عدوا فسجن صحافيين وقتل منهم الآخرين.
من جانبه قال الصحافي المصري أحمد سمير إن النظام في عام 2013 فقط صادر كاميرات ومعدات وأجهزة بث من الصحافيين والمؤسسات الصحافية على نحو قمعي مريب وحبست صحافيين لم يروا النور حتى الآن منذ 2013، ومن خرج منهم خرج مريضا ومنهم من لم يعد للمهنة مرة أخرى، وأضاف اليوم العالمي لحرية الصحافة يحل على مصر والصحافيون يغادرون المهنة واحدا تلو الآخر بدافع القتل أو السجن أو التهديد.
كما يحل اليوم العالمي لحرية الصحافة على الصحافة المصرية بحادث غير مسبوق وهو اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحافيين لاعتقال أعضاء بالنقابة من داخلها في 2016 وهو ما لم يحدث في أشد حالات القمع التي مرت على مصر منذ عقود.
ولنقابة الصحافيين تاريخ من المواجهة مع السلطة بدأت منذ العهد الملكي بما عرف بقضية الرقابة على الصحف والتي اشتدت بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، وتعددت حالات حبس الصحفيين، كما أدت هذه الظروف إلى تقليل عدد صفحات الجريدة اليومية إلى أربع صفحات، مما كان يهدد المحررين بالاستغناء.
ولكن مجلس النقابة واصل اجتماعاته، ولأول مرة يسمع صوت الصحافة تحت قبة البرلمان للمطالبة بتخفيف الرقابة على الصحف، ومعالجة أمر حبس الصحفيين، وعدم الاستغناء عن أي محرر مهما قل عدد صفحات الصحف.
وحرصت أنظمة الحكم المتعاقبة على السيطرة على نقابة الصحفيين، عبر الدفع بنقباء مقربين منها. وعبر سنوات طويلة، ظلت النقابة، أيضا، مقرا للاحتجاجات، سواء تلك التي تعلقت بقضايا الصحافة والصحفيين، أو التي طالبت بالإصلاح السياسي، فضلا عن الاحتجاجات الفئوية، الأمر الذي دفع البعض إلى تسميتها بـ “قلعة الاحتجاجات”.
تأميم الصحافة
في عام 1954، حلّ مجلس قيادة الثورة مجلس نقابة الصحفيين، وفوّض وزير الإرشاد القومي، صلاح سالم، تشكيل لجنة تحل محلّ هذا المجلس بإدارة ضبّاط من مجلس قيادة الثورة. وفي عام 1960، أمّم الرئيس جمال عبد الناصر الصحافة، لتصبح أداة دعائية في يد النظام.
عهد السادات
وفي عهد الرئيس أنور السادات (ديسمبر1970-أكتوبر1981) شهد مقر نقابة الصحفيين احتجاجات مناهضة لمخططات السادات الرامية لتحويل النقابة إلى مجرد ناد اجتماعي للصحفيين، كما كان للنقابة موقف حاد ضد التطبيع مع إسرائيل عقب توقيع “اتفاقية كامب ديفد” فشهد المقر احتجاجات كبيرة.
النقابة في مواجهة مبارك
ومن أبرز مواقف النقابة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك (1981-2011) نجاح الجماعة الصحفية في إسقاط قانون الصحافة رقم 93 لعام 1995 الذي غلظ للعقوبات في جرائم الرأي والنشر، وخلق جرائم جديدة لم تكن موجودة من قبل، وألغى الضمانة المقررة للصحفيين بعدم جواز حبسهم احتياطيا.
الصحافة المصرية في عهد مرسي
وفي عهد الرئيس محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في تاريخ البلاد (يونيو2012-3 يوليو 2013) شهدت الصحافة ما وصفت بأنها “أزهى عصور الحرية”، وذلك بشهادة معارضين له مثل عمرو موسى الأمين العام السابق لـ جامعة الدول العربية، والكاتب محمد حسنين هيكل.
عدلي منصور والنقابة
وفي عهد الرئيس الانتقالي عدلي منصور (يوليو 2013-يونيو 2014) الذي جاء به الجيش عقب الانقلاب العسكري على مرسي، شهدت سلالم نقابة الصحفيين مظاهرات معارضة ومؤيدة للنظام، وأخرى عمالية رفعت مطالب فئوية.
السيسي والأحد الأسود
وفي عهد السيسي الذي بدأ رسميا في يونيو 2014، شهد مقر نقابة الصحفيين مظاهرات ضد حبس الصحفيين وتقييد الحريات، وسجل اقتحام قوات الأمن لمقرها يوم الأحد 1 مايو 2016 -من أجل القبض على اثنين من الصحفيين- سابقة تعد الأولى في تاريخ النقابة، ووصف هذا اليوم بـ “الأحد الأسود”.
ويوم الأربعاء الموافق 4 مايو 2016، عقدت النقابة جمعية عمومية طارئة للصحفيين بمقرها، وأعلنت عن 18 مطلبا على رأسها المطالبة بإقالة وزير الداخلية مجدي عبد الغفار، ونشر صورته سوداء سالبة (نيجاتف) واعتذار من السيسي، والإفراج عن الصحفيين المحبوسين في قضايا نشر.