قضت محكمة جنايات الجيزة بالسجن المؤبد على مرشد جماعة الإخوان المسلمين بمصر محمد بديع واثنين آخرين، القيادي بالجماعة محمود غزلان وحسام أبو بكر؛ في إعادة محاكمتهم في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”غرفة عمليات رابعة”.
كما قضت المحكمة، التي ترأسها القاضي معتز خفاجي، بالسجن خمس سنوات على 15 آخرين؛ بينهم صلاح سلطان وكارم محمود وأحمد عارف وفتحي شهاب ومحمود البربري وعبدالله الفخراني وأحمد عبدالرحمن ومحمد صلاح سلطان.
بينما حكمت ببراءة 21 متهمًا؛ بينهم سعد الحسيني وإيهاب الحداد وسعد خيرت الشاطر وعمر مالك.
أصل القضية ومراحلها
ترجع تفاصيل القضية إلى الأول من أبريل 2014، حيث بدأت الدائرة الخامسة بمحكمة جنايات الجيزة أولى جلساتها في قضية “غرفة عمليات رابعة” لتوجيه تحركات الجماعة بهدف مواجهة الدولة عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة وإشاعة الفوضى في البلاد.
وتأجلت المحاكمة إلى السادس من أبريل 2014، واستأنفت محكمة الجنايات الجيزة ثاني جلساتها، وطلب دفاع المتهمين في الجلسة الأولى رد هيئة المحكمة؛ لكنها تجاهلتهم وطلبت من النيابة تلاوة أمر الإحالة، فقررت هيئة الدفاع الانسحاب اعتراضًا على رفض تنفيذ المحكمة طلباتهم.
وفي 23 يونيو 2014 عُرض المتهم في القضية محمد سلطان على مستشفى المنيل الجامعي لمعاناته من نزيف وسيولة في الدم، وحجز بالمستشفى في السابع من أكتوبر 2014 لإضرابه عن الطعام؛ ما أدى إلى وجود بقع زرقاء بالجلد.
وفي الثالث من سبتمبر 2014 قرّرت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة برئاسة المستشار محمد ناجي شحاتة، رفض طلب القنصل الأميركي ومساعده حضور الجلسة مع محمد سلطان، نجل القيادى الإخواني صلاح سلطان. ثم قدَّم ممثل نيابة أمن الدولة إلى المستشار في 22 أكتوبر 2014 الملف الطبي الخاص بمحمد سلطان، وقال التقرير إن حالته الصحية مستقرة ولا يحتاج إلى العناية المركزة.
وفي الأول من فبراير 2015 أرجأت محكمة جنايات القاهرة نظر محاكمة استكمال سماع مرافعة الدفاع، مع استمرار حبس المتهمين. وفي التاسع من مارس 2015 استأنفت محكمة جنايات القاهرة سماع المرافعات الختامية.
وفي أبريل 2015 أحالت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار ناجي شحاتة، أوراق 14 متهمًا إلى فضيلة المفتي في قضية “بغرفة عمليات رابعة” المتهم فيها المرشد العام للإخوان و50 من قيادات الجماعة وأعضائها وصحفيين.
اتهامات بالجملة
ومع ذلك، وجّهت النيابة العامة إلى المتهمين تهم “إعداد غرفة عمليات بهدف مواجهة الدولة وإشاعة الفوضى في البلاد عقب فض اعتصام رابعة العدوية واعتصام النهضة”، و”التخطيط لحرق الممتلكات العامة والكنائس”، والاتفاق على قلب دستور الدولة والتحريض على اقتحام منشآت شرطية ومؤسسات حكومية.
وامتدت الاتهامات لتشمل إذاعة بيانات وأخبار كاذبة عن الأوضاع الداخلية للبلاد عبر شبكة الإنترنت والقنوات الفضائية، وحيازة أجهزة اتصالات واستقبال وبث دون ترخيص.
تحريات الأمن الوطني
من جانبه، قال المستشار السابق بمجلس الدولة شفيق وحيد (اسم مستعار) إن القضية برمتها بنيت على تحريات أجراها ضابط برتبة رائد يدعى محمد مصطفى من قطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية المصرية، وهي عبارة عن شهادات وتقارير غير معلومة المصدر، ليست فيها أي درجة من الجدية التي تضعها في موضوع اعتبار قانوني؛ وتنبئ عن خصومة سياسية مع جماعة الإخوان المسلمين ليس أكثر، على حد قوله.
وتابع: هذه التحريات معيبة ومشوبة؛ حيث استندت على أحداث مستقبلية لم تُوقع بعد، قُدّمت فيها نية المتهمين على الواقع، واتُهم فيها مواطنون بشكل عشوائي، فيما حكم عليهم دون أن تثبت بحقهم هذه التهم؛ للتأكيد أن الحكم جاء بناءً على خصومة سياسية ليس إلا، وأن القضاء المصري مشارك أساسي في جرائم السلطات المصرية، وللتأكيد أيضًا بأن الحكم جاء لتصفية حسابات فقط.
وتابع المستشار المُقال، في تصريحات خاصة لـ”رصد”، أن الضابط الذي اعتمدت القضية على تحرياته وأقواله كان دائمًا ما يتجنب حضور الجلسات، وفي حالة حضوره كان يسعى إلى عدم التعامل مع القاضي من الأساس، ويضيف: الضباط في مثل هذه القضايا يكتبون في تحرياتهم معلومات مغلوطة؛ ولذلك ينسونها أحيانًا ويتجنبون مواجهة القاضي أو أحد المتهمين.
مسألة ضمير
من زاويته، يرى أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية بالكويت الدكتور فوزي الهندال أن دوائر بالقضاء المصري تعتمد على تحريات الأمن الوطني، وهذا أمر مقبول ووارد قانونيًا؛ لكن المشكلة أن القاضي قد يكون على علم بأن التحريات لُفّقت وليست سليمة؛ إلا أنه يتذرع في ذلك بأن عمله قائم على الورق المتاح أمامه المقدم من الجهات المرتبطة بالقضية.
ويضيف: المسألة ليست تسييسًا؛ لكنها مسألة ضمير يجب أن يكون حاضرًا لدى قاضي المنصة؛ خاصة في حال حدوث مواجهات بين القاضي وضابط التحريات، فكثيرًا ما تكون الإجابات من الضابط في غير موضعها وتحمل في طياتها مسوغات لبراءة المتهم في الوقت ذاته.
وضرب مثلًا بضابط أعطى معلومات متناقضة في شهادته في اتهام مرشد الإخوان د. محمد بديع بحمل مسدس “9 ملم”، وعندما سأله الضابط عنه قال إن المتهم ألقاه أثناء المطاردة، فسأله القاضي: من أين عرفت أنه “9 ملم” وألقاه أثناء المطاردة؟ فما كان من الضابط سوى الصمت، ومع ذلك حُكِم على بديع وقتها بالإعدام!
وتابع: أزمة مصر من الدرجة الأولى في “الضمير”، وتلفيق القضايا أصبح أمرًا مخزيًا؛ والأكثر دعوة إلى الاندهاش أن ثمة موظفين على درجات عالية داخل القضاء والنيابة على استعداد للمشاركة في هذا التلفيق في أي وقت، وكثيرًا ما يحدث ذلك بأوامر من السلطة التنفيذية.
الصحفيون في القضية
من الصحفيين المتهمين في القضية هاني صلاح الدين وحسن القباني وعمرو فراج وسامحي مصطفى وخالد حمزة وأحمد سبيع وإبراهيم الطاهر ومسعد البربري ود. جمال نصار وعبدالله الفخراني ومحمد العادلي وعبده مصطفى دسوقي، ولكلّ منهم قصته مع القضية؛ حيث لم يشارك أحدهم في أيٍّ من الأحداث التي لم تثبت صحتها أمام القضاء، ومنهم من اُعتُقل من منزله أو من الطريق العام أو أثناء تغطية أحداث بحكم عمله.
يقول الناشط السياسي عبدالله سمير، عضو جبهة طريق الثورة: كان الضباط قديمًا يُخيّرون متهمين بين القضايا التي من الممكن أن تُلفق لهم ويعرضون عليهم قائمة اتهامات ليختاروا منها؛ إلا أنه في قضايا مطاردة النشطاء والسياسيين بعد انقلاب الثالث من يوليو أصبح المتهم يصل إلى النيابة والاتهامات جاهزة، وتوجه إليه؛ بل والحكم أيضًا، وهو ما حدث في قضية “غرفة عمليات رابعة”؛ إذ فوجئ المتهمون -ومنهم الصحفيون- بأنهم أداروا غرفة لمواجهة الدولة أثناء فض اعتصامي رابعة والنهضة.
وقال، في تصريحات خاصة لـ”رصد”، إن النيابة ادّعت على وجه الخصوص أن الصحفيين كانوا يوجّهون أعضاء معهم للتحرك لإشاعة الفوضى في أماكن بعينها داخل البلاد والهجوم على الكنائس، وغير ذلك من التلفيقات، مضيفًا أن الانقلاب يتخذ من الصحافة والإعلام بشكل عام، بل والمعرفة كلها، عدوًّا لدودًا؛ لأنهم يعلمون أن المعلومة هي السلاح الأكثر تأثيرًا في المجتمع مهما حاولوا إخفاءها أو محاربتها.
إدانات حقوقية
أدانت منظمات حقوقية هذه الأحكام الصادرة بحق المتهمين في “غرفة عمليات رابعة”، وقالت إنها “مُسيّسة في المقام الأول، والتحريات المبنية على أساسها القضية وقام بها ضابط بجهاز الأمن الوطني بوزارة الداخلية عبارة عن شهادات وتقارير مجهولة المصدر وتفتقد لأدنى معايير الدقة والتوثيق”.
وفي ديسمبر العام الماضي أصدرت منظمات بيانًا تدعو فيه إلى ضرورة رفع الظلم عن المعتقلين، معلنين رفضهم للانتهاكات التي يتعرضون إليها داخل السجون، وأنهم سيواصلون الضغط على جميع الأصعدة لرفض الممارسات غير الإنسانية التي يتعرض إليها المتهمون؛ ومن بين هذه المنظمات الموقعة على البيان “المرصد العربي لحرية الإعلام، التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، مؤسسة الدفاع عن المظلومين، رابطة أسر الصحفيين المعتقلين”.
حملة للتضامن
وتضامنًا مع المتهمين في القضية ودعمهم داخليًا وخارجيًا، أطلقت شبكة “رصد” الإخبارية حملة عالمية للتضامن مع صحفييها المعتقلين “سامحي مصطفى وعبدالله الفخراني”، مؤكدة تسييس الأحكام الصادرة بحقهما، وأنها محاولة للضغط على الشبكة لإثنائها عن الكشف عن الانتهاكات التي تمارس ضد الحريات وحقوق الإنسان في مصر، وفقًا لبيانها المنشور على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.
وقال البيان إن التهمة الموجهة إلى سامحي وعبدالله تتعلق بممارسة مهنتهما كصحفيين؛ سعيًا إلى محاولة كسر التعتيم الإعلامي الذي فرضته السلطات في مصر على مجزرة رابعة وما تضمنته من انتهاكات وتجاوزات حقوقية، مؤكدة أن الصحافة ليست جريمة.
وغرّد الصحفيان عبدالله الفخراني وسامحي مصطفى، عضوا مجلس الإدارة بشبكة “رصد” الإخبارية، من داخل محبسهما في أكثر من مناسبة، معربين عن أملهما في الحصول على حريتهما على إثر أحكام محكمة الجنايات اليوم الاثنين؛ إلا أن هذا الأمل قد تبخر بعد أن جاء الحكم بالحبس خمس سنوات على كل منهما مع متهمين آخرين في القضية.
ومن أبرز ما كتب سامحي مصطفى على صفحته مؤخرًا:
قد عشت عمرًا سجين الشقاء
أخاف القيود وليل السجون
وهل بالقيود يكون العطاء؟!
أريد الحياة ربيعًا وفجرًا
وحلمًا أعانق فيه السماء
وختم بقوله: “دعواتكم بفرجٍ قريب ونروح بقى”.