نشرت صحيفة “ميدل إيست مونيتور” مقالًا للكاتب رمزي بارود تحدّث فيه عن التحول الذي حدث في وسائل الإعلام الأميركية؛ حيث تحوّلوا من نقدهم وهجومهم المعتادين على الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الإشادة به بعد زيارته إلى “إسرائيل”.
وانتقد رمزي تجاهل دونالد ترامب ووسائل الإعلام -على حد سواء- للفلسطينيين وحقوقهم، وتناول ذكرهم قليلًا في غالبية المقالات التحليلية.
وإلى نص المقال:
تحوّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ليلةٍ إلى سياسي عظيم في وجهة نظر وسائل الإعلام الأميركية.
ونقلًا عن المستشار السياسي الإسرائيلي السابق ميتشيل باراك، اعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن دونالد “ليبراس قادة العالم”، في إشارة إلى عازف البيانو الشهير “ولادزيو فالنتينو ليبراس”. بينما نقلت مجلة “نيويورك” عن السفير الأميركي السابق لدى “إسرائيل” دان شابيرو اعتباره بارعًا على نحو غير معهود في بداية جولة جديدة من مفاوضات السلام.
وتوقفت وسائل الإعلام عن نقدها المستمر لترامب، في محاولة لتحليل زيارته إلى “إسرائيل”. وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن “خطاب ترامب في المتحف الإسرائيلي كان حميميًا ومهتمًا بمشاعر إسرائيل؛ لدرجة أن مُشرّعًا إسرائيليًا محسوبًا على اليمين الإسرائيلي وصفه بأنه مُعبّر عن الرواية الصهيونية”.
أما المشاعر الفلسطينية فبالطبع لم تهم حاشية ترامب أو “نيويورك تايمز” ووسائل الإعلام الأميركية. ومن الناحية الأخرى، استمرت صحيفة “واشنطن بوست” في انتقاده، ليس بسبب قلة التوازن أو فشله في انتقاد الاستيطان الصهيوني أو التعامل السيئ من “إسرائيل” تجاه الشعب الفلسطيني؛ ولكن لرؤيتها أن أداءه في النصب التذكاري الوطني الإسرائيلي للهولوكوست لم يُثر الإعجاب!
وكتب ماكس بيراك في صحيفة “البوست” أنه أثناء دخول ترامب غرفة الكُتّاب المخصصة للضيوف في النصب كان مبتهجًا بشكل غريب، وكتب توقيعه داخل الكتاب بالحروف الكبيرة؛ حيث كتب: “من الشرف لي أن أكون هنا مع أصدقائي، إنه أمر رائع ولا ينسى”.
ورأى ماكس أن اختيار ترامب لكلماته وطريقة الكتابة غير جيدين إلى حد ما؛ خاصة إذا ما قورنت بكلمات أوباما. فعلى العكس، كان توقيع أوباما أطول، وجاء جزء منه كما يلي: “في وقت الخطر والوعود، والحرب والنزاع، فإننا مباركون لتذكيرنا بقدرة الإنسان الكبيرة على الشر، ولكن أيضًا قدرتنا على الخروج من المأساة وصنع العالم”.
ولم تقف صحيفة “واشنطن بوست” عندها أو محاولة دراسة السياق التاريخي الذي كتبت فيه هذه الجملة، ومحاولة إيجاد كذب السعي؛ فإذا سألت الفلسطينيين كانوا سيجدون تفسيرًا مختلفًا تمامًا لكلمات أوباما.
وبالبطع، أينما نظر الفلسطينيون سيجدون الشر؛ فعلى بعد 400 ميل يُبنى حائط إسرائيلي على أرضهم، وكذلك مئات نقاط التفتيش العسكرية عليها، والاحتلال العسكري الخانق؛ وكل ذلك يتحكم في حياتهم. ويرون أن أكثر منطقة مقدسة على أرضهم، وهي بيت لحم والقدس، بها كثير من القوات العسكرية الإسرائيلية، بجانب اعتقال الآلاف من قادتهم، وعديدون منهم دون محاكمات، ويرون الحصار والحرب غير المنتهية والموت اليومي والدمار. ولكن، بما أن كل ذلك لا يهم الرواية الصهيونية؛ فبالطبع لن يهم وسائل الإعلام الأميركية.
وعلى الرغم من قِصَر زيارة ترامب إلى “إسرائيل”، فإنها كانت هامة؛ لأنه من وجهة نظر وسائل الإعلام الأميركية يجب أن تلتزم بثلاث سياسات أساسية لتُعتبر رئيسًا؛ وهي تمييز النخب التجارية الاقتصادية، والجاهزية للحرب، والدعم غير المشروط لـ”إسرائيل”.
وأخذت وسائل الإعلام الأميركية فترة راحة من الصراع مع رئاسة ترامب واحتشدت خلفه في مناسبتين أساسيتين؛ أولاهما عندما ألقى قنابل على مطار الشعيرات في سوريا، والأخرى أثناء زيارته لـ”إسرائيل”.
ومن المثير للسخرية أنه حُكِمَ عليه في أكثر من مناسبة بافتقاده أساسيات أيّ رئيس. وفي الواقع، فإنه افتقد إلى هذه الأساسيات أثناء زيارته إلى “إسرائيل”. ورغم ذلك؛ إلا أن تكرار ترامب لأولوية “إسرائيل” كانت كافية لإعطائه فرصة من قِبَلِ وسائل الإعلام. ويبدو أن حكمهم الجماعي حوّل قلة الأساسيات الرئاسية في ترامب إلى براعة فريدة في صنع السياسة.
وعلى الجانب الآخر، فإن المئات من الفلسطينيين، ومن بينهم مروان برغوثي، أضربوا عن الطعام منذ فترة طويلة إلى حين تحقيق مطالبهم الأساسية؛ التي تتضمن معاملة أفضل، وساعات أطول مع أسرهم، وإنهاء الاعتقالات التعسفية.
وفي اليوم الذي حاضر فيه ترامب ونتنياهو الفلسطينيين عن السلام، قتلت القوات الإسرائيلية فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 17 عامًا، وقالوا إنها ألقت حجارة على عربات عسكرية في مدخل قريتها قرب رام الله.
وعلى بعد أميال قليلة كان ترامب يكتب ملاحظاته بعد زيارته إلى متحف الهولوكست، وللأسف فشل في مقابلة توقعات صحيفة واشنطن بوست؛ حيث إنه لم يكن مؤثرًا بما يكفي في لغته وأسلوبه.
ويبدو أن وسائل الإعلام الأميركية أيضًا تتبع النص الخاص الذي اتبعه ترامب في “إسرائيل” ويُتّبع منذ سنوات؛ إذ نادرًا ما تُذكر حقوق الفلسطينيين وكرامتهم وحريتهم.