شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

أخطاء الثورة السورية (1) – طارق أبو غزالة

أخطاء الثورة السورية (1) – طارق أبو غزالة
  إن الحديث عن أخطاء أي ثورة ليس بالأمر الهين لأنّ ذلك قد يفهم منه انتقاصاً من تضحيات ثوارها خاصة إن كانت ثورة مثل...

 

إن الحديث عن أخطاء أي ثورة ليس بالأمر الهين لأنّ ذلك قد يفهم منه انتقاصاً من تضحيات ثوارها خاصة إن كانت ثورة مثل الثورة السورية التي ضحى أهلها بالغالي و النفيس في سبيل حريتهم و كرامتهم المهدورة على مدار نصف قرن. لكن تصويب و تقويم الثورت ضرورة لا بد منها لأن التاريخ علمنا أن أي ثورة ممكن أن تنحرف أو تضيع بسبب شراسة الأنظمة التي ثار عليها الناس أو بسبب الثورات المضادة التي تتخفى ثم تعيد إنتاج نفسها في ثوب ثوري لا تلبس أن تنقض به على الثوار فتنهيهم و تعود إلى صدارة المشهد بشكل أشد شراسة من قبل وهذا ما كاد أن يحصل في الثورة المصرية لولا حكمة المصريين وتضحياتهم.
 
الثورة السورية بإجماع ثوار الربيع العربي أشد الثورات ضراوة وامتاز ثوارها بشجاعة قل نظيرها في تاريخ تلك الثورات. فالسوريون لا يواجهون فقط النظام الذي ثاروا عليه بل دول عظمى تتحكم بمفاصل القرار الدولي تدعم النظام في كل محفل في ظل تخاذل باقي القوى العالمية و نكوصها بشكل عرّى تماما كل المنظومات الأخلاقية التي مافتئت تلك الدول تبيع و تصدر للعالم من حقوق الإنسان في الحرية   والكرامة و السعي نحو السعادة.
 
مثل باقي الثورات أيضاً ظهرت بعض الأخطاء خلال الثورة السورية  التي سأناقشها خلال مسيرتها من يوم 15 آذار إلى الزمن الحالي من خلال تحليل مبني على متابعة للثورة في الداخل و الخارج. هذه المناقشة ستكون على ثلاث مستويات:
 
1- على مستوى الخطاب
 
2- على مستوى المواقع
 
3- على مستوى الرمز
 
 
أولًا- على مستوى الخطاب:
 
شهدت الثورة السورية تطورا لخطابها مر عبرثلاث مراحل:
 
المرحلة الأولى شهر العسل الوطني: من الانطلاقة إلى دخول الجيش درعا في الأسبوع الخامس للثورة
 
المرحلة الثانية: من دخول الجيش درعا إلى أغنية القاشوش 27-6- 2011
 
المرحلة الثالثة: من أغنية القاشوش إلى اليوم
 
المرحلة الأولى:
 
تميزت باندلاع الثورة وبدء تشكل خطابها مستمدا من خطاب ثوري عربي محيط تشكل في بوتقة الربيع العربي و انتقل من دولة لأخرى مع المحافظة على خصوصية الخطاب المحلي لكل دولة وتدرجه سريعا لخطاب شامل ينادي: "الشعب يريد إسقاط النظام"
 
تميزت أيضا هذه المرحلة ببدء الخطاب "الثوري" على الفضائيات من الداخل و الخارج و تميز خطاب الداخل بالاعتدال و انخفاض السقف مقابل الخارج مرتفع السقف ويميل للحدية نوعا ما.
 
هذا الخطاب بدأ بتشكيل رموز و نجوم الثورة السورية ومعظم هؤلاء من الخارج لارتفاع سقف الخطاب.
 
في تلك الفترة لم يكن هناك فرق عند السوريين بين معارض و آخر فالكل معارض و ثوري. الكل كان ينتظر من يتكلم من الداخل رغم سوء الاتصالات. لم يكن هناك تخوين. كل المعارضين كانوا أبطالا ثم ما لبث أن تغير تصنيفهم مع تغير الخطاب و الممارسة لاحقاً.
 
خلال تلك الفترة كانت القمع يتزايد من جمعة إلى التي تليها و مع هذا التزايد للقمع ارتفعت وتيرة خطاب الخارج بينما اتجه خطاب الداخل إلى لوم من يظنون سبب المأساة و بالتحديد رامي مخلوف أي "العامل الاقتصادي" ما أدى إلى سلسلة من الإجراءات التي اتخذها النظام فغير الوزارة و استقال رامي مخلوف وانتقل للعمل الخيري.
 
المرحلة الثانية:
 
مع بقاء الحل الأمني وارتفاع حدته ووصوله في ذلك الوقت إلى الذروة التي تمثلت بدخول الجيش إلى درعا في الأسبوع الخامس بدأ الداخل و الخارج بمحاولة تطوير الخطاب عبر مبادرات لحل الأزمة.
 
تسارعت وتيرة المبادرات فظهرت مبادرات داخلية و أخرى خارجية تميزت باختلاف السقف تماما كالخطاب الإعلامي الذي ميز المرحلة الأولى مع بدء فرز للمعارضة حسب الجملة الأولى لأي منها: "بسم الله أم بسم الوطن" فبدأت بذلك ملامح التيار الإسلامي و العلماني بالتبلور مع كتابة أول مبادرة ثم ما تلاها من مبادرات. هذه المبادرات كانت هي التي ستضع مقترحا لحل الأزمة كل حسب روآه.
 
فبدأت بذلك تظهر بوادر الفرقة  بين مكونات المعارضة  مع  بعضها من جهة و بين المعارضة  و التأييد من جهة أخرى وبدأ ظهور نوع من التمايز والانتماء إلى مكونات المعارضة بشقيها الكبيرين إسلامي و علماني مالبث أن أصبح هذا التمايز نوعا من التجاذب السياسي وصل في بعض الأحيان إلى نوع من التدافع.
 
بدا الحراك على مستوى الداخل محصنا ضد هذه التجاذبات في البداية واستمر بخطابه المركز على أمرين: الحرية والوضع الاقتصادي وكان رمز تلك المرحلة أغنية القاشوش بجملتيها الشهيرتين: "الحرية صارت ع الباب" و "لسع كل فترة حرامي شاليش وماهر ورامي سرقوا إخواتي و اعمامي" والحل للمشكلتين بالجملة الأشهر للقاشوش: "ارحل ارحل يا بشار"
 
هذه الأنشودة لامست ألف وتر حساس عند الشعب و أصبحت نشيده الوطني بعد أن انقلب حماة الديار على الوليد والرشيد.
 
 
 
المرحلة الثالثة:
 
بعد ذلك وبعد العسف الأمني للجيش و الأمن بالشعب وقتل القاشوش و الرموز الكبرى للثورة دخل الخطاب حالة كسر العظم و نقطة اللارجوع مع النظام تجلت برفع شعار "الشعب يريد إعدام الرئيس" فظهر تغير واضح في الخطاب الثوري فبعد بعد خطاب ثوري رائع في بداية الثورة (سلمية سلمية, واحد واحد واحد الشعب السوري واحد, حرية للأبد غصبا عنك يا اسد) فجأة انحرف الخطاب إلى خطاب لعن و شتم أصبح أنشودة الثورة (يلعن روحك ياحافظ) خلافا مثلا للثورة الليبية التي حافظت على شعار مجمع واحد (دم الشهداء مايمشيش هبا)  هذا الخطاب منع من تطوير خطاب ثوري في مواجهة خطاب النظام الذي تمحور منذ البداية و بشكل مركز حول نقطتين لا ثالث لهما:
 
1. المؤامرة الكونية على سوريا
 
2. العصابات الإرهابية المسلحة
 
بخلاف الثورة الليبية فقد عانت الثورة السورية من غياب العقل المفكر الذي يصوغ ويوجه خطابها السياسي والاستراتيجي ويرد به على خطاب النظام. (كان يتعاقب على الإعلام ثلة من المفكرين الليبيين يشرحون قصتهم للناس شرحا لا لطمية فيه بالإضافة إلى العميد الركن المتقاعد الشهير صفوت الزيات الذي كان يحلل الأوضاع عسكريا على الأرض)


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023