في آخر صور التقطتها الأقمار الصناعية لشمال غرب إثيوبيا في العاشر من يوليو الماضي، بدت الأمور طبيعية نوعًا ما. تُظهر الصور تجمّعًا للمياه بجوار موقع بناء سد النهضة الإثيوبي، الذي اكتمل أكثر من نصفه، وفي مصر تبرز النقاشات بشأن ما يشكله من تهديدات لأمنها المائي، وفي السودان بالمثل، هذا في ظل استمرار المفاوضات بين الثلاث دول؛ لكنهم جميعًا تجاهلوا تأثير التغيرات المناخية على تدفق المياه في نهر النيل، بحسب «الإيكونوميست».
وقالت الصحيفة إنّ إعلان إثيوبيا بناء السد أثار مخاوف بشأن التهديدات والأضرار التي ستواجهها مصر؛ لاعتمادها عليه بشكل كبير في الكهرباء والزراعة ومياه الشرب، وتطالب مصر بحقها في الحصول على نسبة معينة من مياه النيل استنادًا إلى معاهدات ترجع إلى عهد الاستعمار، بينما ترفض إثيوبيا هذه الاتفاقات.
وأوضح التقرير أن مصر اعتبرت تجمع المياه بجوار سد النهضة، الذي ظهر في صور الأقمار الصناعية، يرجع إلى بناء السد؛ لكنّ الفيضانات هي السبب. وأوضحت «الإيكونوميست» أنّ إعلان مصر تخوفها أثار مدى الحساسية في المفاوضات الجارية بينها وإثيوبيا والسودان. لكن، ما لم يلتفت إليه أحد وسيؤثر على أي مناقشة متعلقة بمستقبل النيل، هو تغير المناخ.
وأكّدت الصحيفة أنه بحلول عام 2050 سيصبح ساكنو البلدان التي يمر منها النيل وروافده قرابة المليار؛ ما سيشكّل ضغطًا هائلًا على إمدادات المياه. فوفقًا لدراسة أجراها محمد صيام وفتح الطاهر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ستضيف التغيرات المحتملة في تدفق النهر الناجمة عن تغير المناخ ضغطًا أكبر؛ وخلصت الدراسة إلى أن التدفق السنوي يمكن أن يزيد في المتوسط بنسبة 15٪، وعلى الرغم من أن الأمر يبدو جيدًا، هناك متغيرات أخرى يجب أخذها في الحسبان ستؤثر بنسبة 50% على حصة كل فرد؛ فنهر النيل ينتظر مزيدًا من الفيضانات والجفاف.
وعلى الرغم من أنّ توقع التغيرات المناخية لا يكون أكيدًا في أحيان، قال معدو الدراسة إنّ تدفق مياه النيل سيتأثر بتغيرات قادمة في المناخ؛ عن طريق «ظاهرة النينو المناخية»، التي تعني ارتفاع درجة الحرارة نصف درجة كل ثلاث سنوات بسبب الاحتباس الحراري؛ ما يؤثر على هطول الأمطار، متنبئة بأن هذه الظاهرة ستكون أشدّ في السنوات القادمة؛ ما يعني تأثيرًا حتميًا على نهر النيل.
وأكّدت «الإيكونوميست» أنّ سد أسوان سيتأثر تأثيرًا كبيرًا بهذا، وعلى الرغم من السعة التخزينية الكبرى لسد النهضة الإثيوبي؛ فإنه سيتأثر أيضًا، ومن غير الواضح ما إذا كان سيستطيع إنتاج ستة آلاف ميجا وات من الكهرباء كما هو مخطط له أم لا؛ خصوصًا في فترات الجفاف.
ولفتت إلى أن المحادثات بين الدول الثلاث المعنية بالأمر تجاهلت آثار المناخ على النهر والسدود، وتتفاوض على كيفية ملء كل دولة خزانها؛ لكن الطبيعة لن توافقهم دائمًا. وبحسب الخبراء، من الأفضل لهم التركيز على سنوات الجفاف القادمة والتنسيق فيما بينهم على كيفية تشغيل السدود وإدارتها على المدى الطويل بدلًا من التركيز على أمور هامشية، ولا يوجد نهر في العالم تشترك فيه سدود ضخمة دون تنسيق بينهم، وما ينقص المفاوضات الدائرة بين الدول الثلاث وأُجّلت.
وختمت الصحيفة تقريرها بأنه بمجرد تشغيل السد من الممكن التحكم في مدى تدفق المياه بشكل طبيعي لمدة 60 عامًا، وهي فترة كافية لأن تعمل البلدان الثلاثة معًا. وحتى ذلك الحين، يجب زيادة التخزين بنحو 45٪ للحفاظ على الأمور ثابتة للسنوات الستين المقبلة، وهي فترة كافية لبناء مزيد من السدود؛ لكن بتنسيق فيما بينهم.