يوم الخميس 17 أغسطس، كانت إسبانيا آخر دولة غربية يحط فيها «تنظيم الدولة» بهجوم ارتكبه جهاديون، استخدموا شاحنة كبرى لضرب «رامبلاىس» البقعة السياحية المركزية المزدحمة بالناس وسط مدينة برشلونة.
تقول مجلة «ذا ناشيونال إنترست»، بحسب ما ترجمت «شبكة رصد»، إنّ هذه الطريقة كانت مماثلة لتلك التي أطلق بها «تنظيم الدولة» هجماته على فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد على مدى العام والنصف الماضيين، و«في كل مرة يستولي الجهادي أو المختل سيارة أو يستأجرها، وينتظر اللحظة المناسبة لمهاجمة الهدف، الذي غالبًا ما يكون ضعيفًا، ثم يحوّل السيارة إلى سلاح مميت؛ بتتبع المشاة عمدًا على الرصيف ودعسهم».
أما «الجهادي» الذي دعس المواطنين فخلّف ضحايا أقل من الهجمات المُنسّقة والمتزامنة التي يستغرق التخطيط لها شهورًا، مثل استهداف أنظمة النقل الجماعي؛ لكنها في الوقت نفسه أسهل في القيام بها من تلك المنسقة. في الواقع، إنها أيضًا لا تتطلب أيّ مهارة أو معرفة أو ذكاء معينًا.
لم يعد «الإرهاب» في عصرنا الحالي يُعرف على أنه اجتماع لخلية إرهابية في أي مكان آمن في العالم للتخطيط لهجمة كبرى. وبدلًا من ذلك، جعل «تنظيم الدولة» الإرهاب أمرًا سهلًا؛ إذ يمكن لأيّ شخص القيام به، وكما قال «أبو محمد العدناني»، المتحدث السابق باسم التنظيم، إن تنفيذ الهجمات، أو أن تصبح عضوًا في التنظيم، لا يحتاج إلى السفر إلى سوريا للتدريب أو اكتساب مهارات في ساحة المعركة؛ كل ما عليك القيام به التقاط سكين وذبح شرطي أو اختطاف سيارة ودعس أكبر عدد من المارة على الرصيف.
تضيف المجلة: «لست في حاجة إلى الخبرة، يلزمك فقط استعدادك لقتل الأبرياء باسم الخلافة».
قبل هجوم برشلونة، كان هناك هجوم نيس في فرنسا أثناء احتفالات «عيد الباستيل» في صيف عام 2016، قاد مقاتل تونسي شاحنة كبرى وسط حشد من الناس في المدينة كانوا يستعدون للاحتفال، ودعس أيّ رجل أو امرأة أو طفل يقفون في طريقه، وبحلول الوقت الذي استطاعت الشرطة إيقافه قتل 86 شخصًا، وكانت فرنسا في حالة صدمة، واضطر المحققون إلى تحمل الانتقادات؛ لفشلهم في توقع الهجوم.
وبعدها بستة أشهر، وقع هجوم مماثل في برلين؛ عندما اختطف مقاتل تونسي آخر مقيم في ألمانيا شاحنة ثقيلة بعد قتل السائق، ثم قادها إلى سوق عيد الميلاد في برلين. وفي الوقت الذي قتلت فيه الشرطة الإيطالية المهاجم بعدها بخمسة أيام، أسفرت المذبحة التي وقعت في برلين عن مصرع 14 شخصًا كانت جرائمهم الوحيدة التسوّق لقضاء العطلة.
وبعد أربعة أشهر من حادثة ألمانيا، وقع الأمر نفسه في «ستوكهولم»؛ حيث قاد طالب لجوء فاشل شاحنة صغرى ودعس بها خمسة أشخاص بالقرب من متجر «آلنس الكبير»، واعتبر هذا الهجوم رغم قلة عدد ضحاياه من أسوأ الهجمات؛ لأن «ستوكهولم» عاصمة السويد هادئة طوال مدة تاريخها الحديث.
وأضافت المجلة أنّ أعمال الإرهاب التي تُستخدم فيها الشاحنات والمركبات ليست سوى جزء من القصة، وتعرّضت الولايات المتحدة بوجه خاص إلى أنواع مختلفة من «العنف العفوي»، الذي أثبت أنه من الصعب على قوات إنفاذ القانون وقفه. ففي ديسمبر 2015، قاد رجل وامرأة هجومًا إرهابيًا على مركز خدمات لذوي الإعاقة العقلية في «سان بيرناردينو»، كما قتل 50 شخصًا وأصيب 53 آخرين في هجوم مسلح على ملهى ليلي للمثليين في مدينة «أورلاندو» بفلوريدا.
وقالت المجلة إنه اُستعيض تدريجيًا عن الاعتداءات الإرهابية المنظمة «المذهلة» التي استخدمها تنظيم القاعدة على نطاق واسع بأعمال العنف التي تقوم بها مجموعات صغرى أو أفراد عشوائيون وصغيرون لديهم تفسيرات دينية ملتوية.
وأضافت أنّه حتى العنف الذي يعتبر بسيطًا قد يسبب أضرارًا جسيمة للحكومات والمجتمعات التي يأمل المقاتلون في تعطيلها؛ إذ ساعد هجوم «نيس» -على سبيل المثال- في إقناع الحكومة الفرنسية باستمرار فرض حالة الطوارئ التي فرضت قبل الهجوم بعام، أثناء هجوم باريس في نوفمبر 2015. وفي الولايات المتحدة، تغطي وسائل الإعلام الحدث الإرهابي الواحد لأيام متواصلة، وهذا ما يأمله المقاتلون دائمًا: «جذب الانتباه».
سؤال لا مفر منه
والواقع أنّ تنظيمات مثل «القاعدة أو الدولة» تفهم تمامًا أنه حتى إطلاق نار واحد أو قصف هدف ضعيف يمكن أن يضع قارة بأكملها على الحافة، ويحفّز النقاش بين الحكومات الإقليمية بشأن ما إذا كان النظام يحتاج إلى تغيير أو إلى تقليص مساحة الحرية في مجتمعاته؛ لذا فإن هذا النوع من الهجمات الأقل كلفة ينتج ضررًا هائلًا.
وقال المجلة إنّ ثمة «سؤالًا لا مفر منه» يطرحه مهنيو مكافحة الإرهاب مباشرة بعد أيّ هجوم إرهابي على أراضيهم: «هل يمكن لقوات إنفاذ القانون منع حدوث أي عمل إرهابي مماثل مستقبلا؟».
اقترح مشرّعون أميركيون، بمن فيهم السيناتور الجمهوري «ريتشارد بور» والسيناتور الديمقراطي «ديان فينشتاين»، مشروعات قوانين من شأنها أن تزوّد الشرطة بسلطات إضافية للقضاء على الأجهزة المشفرة التي يستخدمها الإرهابيون غالبًا لمناقشة خططهم مع بعضهم بعضًا، بينما ركّز آخرون على نهج أكثر مجتمعية؛ مثل تقديم منح اتحادية إضافية إلى الولايات القضائية المحلية من أجل زيادة التعاون والحوار بين إدارات الشرطة وقادة المجتمعات المحلية والمنظمات الدينية، واعتماد أفكار ورفض أخرى.
لكن، مهما كانت السياسات التي تقرر الحكومات الغربية سنّها، فالجماعات الإرهابية تكيّف تكتيكاتها وإجراءاتها عليها دائمًا؛ ما يعني أنّ منظمات مكافحة الإرهاب والاستخبارات سيظلون مشغولين كما كانوا على الإطلاق. فاختطاف طائرة ومهاجمة مبنى بها شكّل صدمة عظيمة للعالم بأسره حينها، لكنها سرعان ما أصبحت شيئًا من الماضي، كما لم تعد فكرة المآوي الآمنة شرطًا مسبقًا للتخطيط لتنفيذ هجوم؛ فإذا كانت الجماعة تمتلك «واي فاي» وتصل بسهولة إلى حسابات التواصل الاجتماعي والتطبيقات المشفرة فهو أمر كافٍ لتوجيه ما يكفي من الأفراد المقيمين بالفعل في الولايات المتحدة وأوروبا وإلهامهم لقيادة هجوم إرهابي ووضع دولة بأكملها في حالة طوارئ.
وختمت المجلة بأننا الآن في مرحلة مواجهة الأسلحة البسيطة والسكاكين والسيارات، وهي الأسلحة المفضلة الآن للإرهابيين وسهل الوصول إليها، ومن الصعب على قوات إنفاذ القانون صدها إذا خُطّط لها جيدًا، وتؤدي إلى عدد مروع من الضحايا، وأثبت اعتداء برشلونة الأخير أنها من الممكن أن تشلّ بلدًا بأكمله.