قالت «شبكة الجزيرة» إنّ دعم حرية التعبير في مصر انخفض بشكل ملحوظ منذ عام 2013، وفقًا لدراسة جديدة أجريت، وهي الكبرى من نوعها في العالم العربي، في استطلاع بعنوان «استخدام وسائل التواصل في الشرق الوسط»، الذي تنظمه جامعة «نورث ويسترن» في قطر، وشمل سبعة بلدان عربية.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ المسح تتبع اتجاهات وسائل الإعلام الإقليمية ومواقفها تجاه حرية التعبير على مدى السنوات الخمس الماضية.
شمل المسح ألف شخص من مصر ولبنان والأردن وقطر وتونس والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في مقابلات وجهًا لوجه أو عن طريق الهاتف، وتضمّنت الدراسة الاستقصائية أيضًا الولايات المتحدة؛ فأجرت فيها مقابلات مع أكثر من ألفي شخص.
يقول الدكتور «إيفرت دينيس»، عميد جامعة نورث وسترن في قطر، لـ«الجزيرة»، إنها دراسة تمثيلية إلى حد كبير، وشملت ناحية عملية، مضيفًا أنّ حجم العينات التي شملتها الدراسة أكبر من العينات التي تجريها نظيراتها، موضحًا أيضًا أنها ضمت 120 سؤالًا؛ وبالنظر إلى نوع العينات والجنسية والمواطنة فالنتائج كانت جيدة وممثلة للوضع إلى حد كبير.
ووجدت الدراسة أنه في عام 2013، قال ما يقرب من نصف (48٪) المصريين إنه «من الجيد أن يعبّر الأفراد عن أفكارهم على الإنترنت حتى لو لم تكن ذات شعبية، واتفق 29٪ فقط مع ذلك في عام 2017».
انحدار مصري
وقال خبراء إنّ الأرقام تدلّ على التغيّرات الإقليمية التي أعقبت الانتفاضات العربية في عام 2011، بعدما خرجت الجماهير إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط الديكتاتوريين، وانتشرت الثورات من تونس إلى خمسة بلدان أخرى «مصر وسوريا واليمن وليبيا والبحرين»؛ وأظهرت نتائج مختلفة ومتنوعة.
وأضافت «شبكة الجزيرة» أنه بعد إنهاء الثورة حكم مبارك، الذي دام 30 عامًا، شهدت مصر عودة الحكم العسكري مرة أخرى؛ بالانقلاب الذي قاده عبدالفتاح السيسي، وهو ضابط عسكري سابق ورئيس جهاز المخابرات، مضيفة أنه أخذ مصر إلى منعطف استبدادي؛ إذ شرّع قوانين قمعية تحدّ من حرية الرأي والتعبير.
ومؤخرًا، حجبت مصر أكثر من 400 موقع إلكتروني؛ بسبب مزاعم متعلقة بالإرهاب ونشر أخبار كاذبة.
وتعليقًا على النتائج المتوصّل إليها فيما يتعلق بالتعبير عن وجهات النظر التي لا تحظى بشعبية على شبكة الإنترنت، قالت «سحر خميس»، الخبيرة في وسائل الإعلام العربية، لـ«الجزيرة»، إنّ هذا الرقم يتحدّث عن نفسه؛ وبصفة عامة انخفض مناخ حريتي الصحافة والتعبير في مصر إلى حد كبير، وهو أمر ليس سرًا.
وأضافت أنّ كثيرًا من نشطاء ثورة يناير 2011 والناشطين عمومًا قبل عام 2013 فقدوا الأمل وأصابهم اليأس؛ وبعضهم ترك السياسة تمامًا، ومضيفة: «إذا كان هؤلاء هم من في الخطوط الأمامية، فما بالك بالشخص العادي؟! فمن الواضح أنّ هناك انحدارًا كبيرًا في سقف الحرية ومقدار الراحة التي يشعر بها الناس في التعبير عن آرائهم؛ سواء عبر الإنترنت أو غيره».
تونس البِناء
وقالت الشبكة إنّ الأرقام المعبرة عن تونس ما بعد الثورة عكست التغيّرات الإيجابية في البلاد بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق «زين العابدين بن علي»؛ فبالرغم من أنّ الدستور التونسي الجديد، الذي وُضع بعد الثورة، لم يكن كاملًا؛ إذ أُشيد بأنه الأكثر تقدمًا في المنطقة ويوفّر مزيدًا من الحرية في انتقاد مؤسسات الدولة.
وبالنسبة إلى استخدام الإنترنت في التعبير عن الرأي، أجاب 44% من التونسيين بأنهم قادرون على ذلك، وهو ثالث أعلى معدل من بين الدول السبع التي شملتها الدراسة، بعد لبنان والمملكة العربية السعودية.
وقالت «سحر خميس» إنّ تونس كانت على النقيض تمامًا من بقية الدول العربية التي شهدت ثورات، وهي الآن في مرحلة «بناء الأمة وبناء الحرية».
وأرجعت الخبيرة في شؤون الإعلام العربي نجاح نموذج تونس إلى ارتفاع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في البلاد، مضيفة: «إنهم يخلقون نموذجًا مجتمعيًا نابضًا بالحياة؛ يسمح بإبداء الآراء المختلفة، ويسمح بالتنوع والتعددية؛ وهو ما يؤدي حتمًا إلى شعور المواطن التونسي بقدر أكبر من الراحة للتعبير عن آرائه».
لبنان
أظهر الاستطلاع الذي أُجري أنّ سبعة من كل 10 لبنانيين وأميركيين يؤيدون انتقاد الحكومة على الإنترنت.
وعلى النقيض من بقية الدول العربية، كانت نسبة التسامح في الخطابات التي تنتقد السياسات الحكومية الحالية مرتفعة للغاية في لبنان؛ فبلغت 66%، وتونس 48%، وفي قطر 21%، والإمارات العربية المتحدة 14%.
وقال «حليم شيبة»، المعلق الإعلامي فى بيروت، إنه في حين أنّ لبنان أكثر تسامحًا وتواكبًا تجاه التعبير عن وجهات النظر المختلفة؛ هناك اختلاف جوهري في كيفية فهم المواطنين لحقهم في حرية التعبير، وكيفية حماية القانون لهذا الحق.
بالمقارنة مع المملكة العربية السعودية وتونس والإمارات العربية المتحدة وقطر، فلدى لبنان ثاني أدنى معدل للتسامح تجاه الكلام الذي يسيء إلى الدين أو المعتقدات، وفقًا للاستطلاع.
وقال حليم إنّ الأحداث أظهرت أنّ كثيرين في لبنان، وبالتأكيد الدول العربية الأخرى، لا يدركون حتى الآن فكرة أنّ حرية التعبير تشمل الحق في التعبير عن آرائهم التي قد تكون صادمة أو مسيئة للآخرين؛ وخاصة في القضايا الدينية.