«لستُ شهيدًا، لستُ ضحية، لستُ شجاعًا»، هذا ما قاله المخرج المصري السويدي طارق صالح، الحائز فيلمه «حادثة النيل هيلتون» على جائزة «أفضل فيلم»، لـ«المونيتور» عبر «سكاي بي».
ويضيف: «لم أُسجن في مصر قط، أشعر بأنني محظوظ؛ فُصنّاع السينما والروائيون العاملون فيها هم من يدفعون الثمن». تضيف الصحيفة أنّ «طارق» الآن ممنوع من دخول مصر بعد رفض أمن الدولة استكمال تصويره الفيلم في القاهرة؛ إذ طلبوا منه المغادرة وألا يعود.
وتقول الصحيفة، وفقًا لما ترجمت «شبكة رصد»، إن «طارق» صوّر فيلمًا عن ضابط شرطة فاسد، يكشف النقاب عن شبكة واسعة من الفساد تتخلل جهاز الشرطة والقضاء وأعلى مستويات في المجتمع المصري، وعلى الرغم من أنّ الفيلم حاز الموافقة المصرية في البداية؛ فالمشاهد التي رسمت صورة مؤسفة عن الشرطة في مصر جعلت أمن الدولة يقف في طريق خروجه للنور؛ ما اضطر صُنّاعه إلى الانتقال إلى المغرب.
وبعد أشهر من فوزه بجائزة أفضل فيلم في مهرجان «صندانس السينمائي الأميركي»، جذب أكثر من 400 ألف متفرج بعد عرضه في السويد، وكان أول عرض له الشهر الماضي في افتتاح مهرجان «مسكون» في بيروت، وهو أول مهرجان سينمائي في المنطقة لأفلام الخيال والرعب والإثارة.
الفيلم مستوحى من قصة مقتل المغنية اللبنانية «سوزان تميم»، التي قُتلت بتحريض من رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، الذي أدين في عام 2009 مع ضابط شرطة سابق في أمن الدولة كلّفه بتنفيذ المهمة، وأُطلق سراح طلعت قبل أربعة أشهر.
أدّى دور ضابط الشرطة الممثل اللبناني فارس فارس، الذي يتولى التحقيق في القضية، بينما يعرض مسار القصة صورة بانورامية لحسني مبارك أثناء عرضه مشاهد الفساد والفقر والدعارة، متناولًا أيضًا إساءة استخدام الطبقة الحاكمة للسلطة. ويتناقض الفيلم بشكل واضح مع نوعية الأفلام في مصر حاليًا، التي تجسّد الشرطة بعكس ذلك؛ مثل فيلم «الخلية» ومسلسل التلفزيوني «كلابش»، الذي يبدو أنّه موجّه كدعاية للشرطة المصرية.
موقف من الثورة
ولد «طارق» في ستكهولم عام 1972 لأب مصري وأم سويدية، وزار مصر للمرة الأولى عندما كان عمره عشرة أعوام. وفي عام 19991 انتقل إلى الإسكندرية لدراسة الفنون التمثيلية بأكاديمية الفنون. وقال طارق لـ«المونيتور» من لوس أنجلوس: «قبل العمل على الفيلم قررت العودة إلى الوراء، ما قبل الأحداث بعد ثورة يناير، وكيف كانت تجري الأمور حينها؛ ومع الانقلاب العسكري واستيلاء الجيش على السلطة مرة أخرى عادت ولاية الشرطة من جديد وتقلّصت حرية الصحافة، وأصيب كثيرون بخيبة أمل».
وأضاف: «شعروا بخيبة أمل، لكنني لم أشعر بها؛ فالناس يريدون نتائج مباشرة. لكنني أرى الثورة لا تختلف عن سقوط جدار برلين؛ إذ كانت له عواقب وخيمة، واستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل إزالة الفوضى التي خلّفها، وما زلت متفائلًا؛ إذ حدث تغيير ولا يمكن أن نتراجع عنه أبدًا».
فكرة الفيلم
تضيف الصحيفة أنّ فكرة «هيلتون النيل» لم تنشأ بسبب سوزان تميم، بل غير ذلك؛ فعندما أراد والد طارق بناء متحف للعلوم للأطفال في دلتا النيل تدخّل أمن الدولة والفساد والبيروقراطية وفشل المشروع. وكانت قصة مقتل سوزان التجسيد الأفضل لما يحدث: الابتزاز والفساد، وكان ينوي البدء فيه قبل ثورة يناير؛ لكنّ اندلاعها أجبره على التوقف. وفي عام 2015 حصل طارق على الموافقة بتصوير الفيلم، وبدأ الكشف عن المواقع التي ينوي التصوير فيها.
وبعد اكتمال التصوير، طالبت الرقابة بحذف مشاهد من الفيلم، بما في ذلك مشهد فتح الشرطة النار من أعلى سطح بناية على متظاهرين في نهايته وهم يهتفون «حرية»، وطلبوا حذف نكتة عن صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني.
ومن دون الدخول في التفاصيل، أكّد طارق أنّ قوات الأمن دفعته في النهاية إلى المغادرة خارج مصر. يقول: «أخبروني بأنني إذا لم أرحل سيتخذون إجراء ضدي. ومع ذلك، هذه القصة لم تؤثر على علاقتي بمصر».
مشاكل أكبر
ونتيجة لذلك؛ انتقل طارق بالإنتاج إلى الدار البيضاء. لكنّ الاختلاف في المواقع بين القاهرة والدار البيضاء جعل إخراج مشاهد صعبًا، واُستُخدمت صورٌ كثيرة مركبة للقاهرة، واستعان بأشرطة فيديو من اليوتيوب تصوّر تعذيب الشرطة المصرية.
وبعد نجاح الفيلم في مهرجان «صندانس»، رفض الموزع المصري عرض الفيلم في مصر؛ بالرغم من تعبيره عن إعجابه به، لكنه قال إنّ عرضه في مصر أمر مستحيل. وقال طارق: «أريد للمصريين مشاهدة الفيلم؛ لكني أعتقد أنهم سيشاهدونه في نهاية المطاف، الأمر مجرد مسألة وقت فقط».
لم يعد طارق إلى مصر منذ عام 2015، ليس خوفًا على سلامته الشخصية؛ بل احترامًا لرغبة أسرته في مصر: «أعتقد أنّ مصر تواجه مشاكل أكبر مني كنصف مخرج حصل على جائزة ما، لا أدري لماذا يهتمون بي، لا أعرف أنّ هناك أشخاصًا منعدمي الذكاء في أمن الدولة من الممكن أن يستهدفوني؛ لكنهم استهدفوا بالفعل الأبرياء ولأسباب سخيفة. أريد أن أعود إلى مصر وما زلت أحلم بالتصوير في القاهرة؛ لكني يجب أن أحترم مخاوف أسرتي في الوقت الحالي».
واختتم طارق حديثه بأنّ «فيلمه ليس عن الشرطة تحديدًا؛ بل عن عصابة قتلت امرأة، والتحقيق في جريمة قتلها كان تحقيقًا في المجتمع ذاته وتشريحًا له. وفي هذه القصة تحديدًا، غياب العدالة القانونية يعني غياب العدالة من أصله. وفي النهاية، يمكنك أن تبتعد عن القتل في الحياة الحقيقية؛ لكنك لا يمكن أن تثق في مثل هذا النظام».