شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

هاف بوست: مثل العراق وسوريا.. العنف يتصاعد في سيناء بسبب القوة العسكرية والتهميش

دورية للجيش المصري في سيناء

نشرت صحيفة «هاف بوست» مقالًا للكاتب دانيال ويليامز عن التطوّرات الأخيرة في سيناء وخطط السيسي لمكافحة «الإرهاب» فيها، قائلًا إنه يعتمد في الأصل على تهميش المنطقة، ويقود حملات قمع ضد سكانها المحليين هناك؛ مما يصعّب عليه مكافحة المعارضة.

وقال الكاتب، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، إنّ ما يحدث هناك نموذج مشابه لما يحدث في مناطق أخرى في الشرق الأوسط، كالعراق وسوريا؛ إذ يُفضّل القادة السياسيون هناك مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن، وتغليب المكاسب على الحلول الفعالة.

ويُصنّف الهجوم على مسجد الروضة في منطقة بئر العبد بشمال سيناء على عنف طائفي، كما قال المراقبون؛ إذ هاجم «إرهابيون سلفيون» مسلمين من طائفة أخرى «الصوفية».

لكنّ الطائفية ليست الدافع الكافي والوحيد وراء المذبحة؛ فهي من ضمن حلقات العنف المتصاعد هناك بين «ولاية سيناء»، الجماعة الأصولية، وقبيلتين رئيستين في شمال سيناء تتعاونان مع قوات الجيش في هجماتها ضد المعارضة المسلحة هناك.

ضحايا الهجوم على مسجد الروضة شمال سيناء

وتعد شبه جزيرة سيناء منطقة بدوية فيها قبائل تمتد أنسابها عبر الحدود بين مصر وغزة و«إسرائيل» والأردن.

ودأبت الحكومة المصرية طيلة السنوات الماضية على تهميشهم من الحياة الوطنية، وشكّلت هذه المنطقة صراعًا مثّلثًا في النزاعات بين «إسرائيل» والفلسطينيين ومصر، وعُرف عنها أنها مرتع للتهريب والزراعات الصغرى على مدى العقود الماضية.

وبالرغم من هذا التاريخ من الاغتراب، تحالفت كبرى قبيلتين هناك «الترابين والسوراكة» مع عبدالفتاح السيسي في صراعه بسيناء. وقرية الروضة التي وقع فيها الهجوم، وتوفي أكثر من 300 مُصلٍّ، معظمها من قبيلة السواركة المشار إليها.

وبينما لم يعلن أحد مسؤوليته عن الحادثة حتى الآن، تشير طريقة تنفيذ الهجوم والتكتيك المتّبع فيه إلى أنّ الواقف وراءه تنظيم «ولاية سيناء»، وهي جماعة جهادية تسعى إلى جعل الجزء الأكبر من سكان سيناء البدو محايديين في معركتها ضد الحكومة المركزية.

صورة لأفراد من تنظيم الدولة في سيناء حسبما نشرها الموقع الرسمي التابع له

ويساعد البدو غير المتمردين هناك الدولة في صراعها، ويقفون جنبًا إلى جنب مع جنود الجيش في الكمائن ونقاط التفتيش، ويساعدونهم على التنقل عبر الدروب الصحراوية، كما يتجسسون على المسلحين داخل سيناء أو المشتبه فيهم. وفي مايو الماضي، انضمت قبيلة السواركة في تحالف رسمي مع قبيلة الترابين لمحاربة «ولاية سيناء».

وهذا التحالف خلفًا للتعاون الأمني البدوي المتقطع مع القاهرة الذي بدأ في وقت مبكر من العام 2012 بعد سقوط الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وتدخّل شيوخ القبائل هناك مرات لتخفيف الحملة القمعية التي تقودها الحكومة ضد السكان المحليين؛ بعد تزايد المعارضة وتسلل «الإرهابيين» عبر الأنفاق من قطاع غزة أو تهريب الأسلحة من ليبيا، واغتيل ما لا يقل عن ثمانية من كبار شيوخ القبائل في السنوات القليلة التي تلت سقوط مبارك؛ بزعم تعاونهم مع الأمن.

وبعد انقلاب السيسي على الرئيس محمد مرسي، العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين، في 2013؛ غيّر تنظيم «أنصار بيت المقدس» اسمه ليصبح «ولاية سيناء»، وغير أهدافه أيضًا وكرّس نفسه لمحاولة إحياء الإسلام عبر العالم، تحت راية تنظيم الدولة، وبايعت أبا بكر البغدادي على الخلافة.

وقبل هجوم مسجد الروضة، تمكّنت الجماعة من القيام بأشدّ الهجمات فتكًا؛ عندما فجّرت الطائرة الروسية في 2015 وقتل 224 شخصًا، كما كثفوا من حملاتهم لقتل أعضاء القبائل الذين تعاونوا مع الحكومة المركزية في القاهرة، وكان هدفهم الرئيس «الترابين»، القبيلة الوحيدة الأكثر صراحة في معاداتهم والتعاون مع الدولة.

وردًا على هجوم مسجد الروضة، الذي اُستخدمت فيه الأسلحة الرشاشة والعبوات الناسفة؛ قادت القوات الجوية المصرية غارات وحملات أمنية برية، ومن المفترض أن تسعى قبيلتا «السواركة والترابين» إلى الانتقام الخاص بهما؛ بالرغم من القمع الذي شملهما في الماضي. لكنّ الاعتداء الأخير أساء إليهما بشكل كبير. وعلى أيّ حال يشير الهجوم إلى فشل السيسي في سحق المسلحين في شمال سيناء.

صورة لاستهداف طيران الجيش مواقع داخل سيناء يدعي تبعيتها لـ«إرهابيين»

وبعد أكثر من أربع سنوات على حكمه، فشلت استراتيجية السيسي العسكرية هناك، مثل نماذج أخرى في منطقة الشرق الأوسط اندلعت فيها حروب أهلية وأعمال إرهابية؛ ما من شأنه أن يستخدمه السيسي في محاولة إقناع بدو سيناء بأن التعاون الأمني سيؤدي إلى التنمية والازدهار وآلية للديمقراطية.

والواقع أنّ السيسي وعد بمبادرة تنمية سيناء بملايين الدولارات، ولسوء الحظ لم تتحقق هذه الخطط؛ لأنّ مشاكل مصر امتدت لما بعد شمال سيناء؛ إذ لم تُحقق مشاريعه في المحافظات الأخرى أيّ رخاء أو ديمقراطية كما تعهد من قبل، بل زادت من تراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، يعيش ربع المصريين في فقر مدقع، وهي نسبة أعلى بكثير مما كانت عليه أيام مبارك، وغالبية الشباب عاطلون عن العمل، وشرع في توسيع الجهاز الإداري للدولة، الذي يعاني من التضخم أصلًا. كما اتخذ السيسي إجراءات اقتصادية تقليدية بهدف الحصول على قرض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وما تبع ذلك من رفع قيمة ضريبة القيمة المضافة، والحد من زيادات الرواتب الحكومية، وتخفيض دعم الوقود، وتعويم الجنيه المصري؛ لكنّ هذه التدابير جاءت بنتائج عكسية، فوصل معدل التضخم لما يقارب 20%، دون أي بوادر انفراجة في الأفق.

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي

ويبدو أنّ فكرة نظام السيسي عن التنمية الاقتصادية هي التوسّع في إنشاء المصانع التي تديرها القوات المسلحة فقط، كما يشرف جنرالات الجيش على المشاريع الضخمة؛ مثل توسيع قناة السويس وخطط إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة.

وشملت حملاته لمكافحة الإرهاب أيضًا تقييد المجال العام وخنق الحريات بمعدل أسرع مما فعله مبارك، كما ملأ السجون بمختلف فئات المعارضين «إسلاميين وعلمانيين وغيرهم».

وما يحدث في سيناء يتماشى بالضبط مع ما يحدث بالشرق الأوسط؛ إذ يُقابل الصراع المدني برد عسكري قوي، ووجود نقص في التواصل السياسي والاقتصادي يساهم في إنهاء الأعمال العدائية، وذلك إلى جانب  تهميش الأقليات، مثلما فعل السنة ضد الشيعة في العراق، وما فعله بشار الأسد في سوريا من تركه البلاد تخوض غمار حرب لأجل مصالحه شخصية فقط؛ فهل سيستطيع السيسي أن يفعل الأفضل في سيناء؟ في بئر العبد دفع حلفاؤه الثمن الأبرز لرهانهم عليه!



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023