سلّطت مجلة «أوبن ديموكراسي» الضوء على حالة الفشل الأمني الذريع، بشقيه القوات المسلحة والشرطة، في مصر منذ تولي عبدالفتاح السيسي السلطة؛ موضحة أنّ هناك عوامل مهمة تسببت في وصول الوضع إلى ما هو عليه، غير الأيديولوجية المتطرفة للجماعات الراديكالية وغير حملات العنف الممنهجة.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ كل هذه العوامل أيضًا تصبّ في النهاية في مسؤولية نظام الحكم الحالي، المسؤول الأول والأخير عنها؛ كحالة السجون وتحوّلها إلى مصنع للمتطرفين، وانتشار العنف والطائفية والتعصب لدى نسيج المجتمع المصري، وهو ما ساهم فيه الأمن أيضًا.
وكانت المناقشات المتعلقة بسياسات مصر في مكافحة الإرهاب بعد حادثة الروضة فعالة إلى حد ما؛ لكنّ الهجوم الذي وقع قبلها وأسفر عن مقتل 54 من قوات الشرطة في كمين نصبه مسلحون بمنطقة الوحات على بعد 135 كيلو جنوب غرب القاهرة يوضح أنّ هذه السياسات «فاشلة».
واستنادًا إلى هذه السياسات الفاشلة، توقّع المحللون مزيدًا من التدهور الأمني في مصر على مدى الوقت القصير، وحاولت دول إخبار مصر أنّ سياستها فاشلة عقب الهجوم الأخير؛ لكنّ هذه النصائح أُغلقت في وقت قصير، فمصر لم تبدِ أي استجابة لها.
والتأكيد الآخر على أنها فشلت: طلب السيسي من القوات المسلحة والشرطة استخدام «القوة الغاشمة» لإنهاء النشاط المتطرف في سيناء، ومعنى طلبه هذا أنّه لن يستجيب إلى أي مشورة سياسية لإنهاء الوضع القائم.
وغير ذلك، هناك أسئلة متعلقة بالحادثة الأخيرة لم يُجب عنها أو تُحلّ بشكل نهائي.
القمع مقابل الأيديولوجيا
يتركز أحد أكثر الأسئلة أهمية في مصر والشرق الأوسط فيما إذا كان التطرف نتيجة مباشرة للتدابير القمعية التي تمارسها الدولة بشكل روتيني أو هو موجة طبيعية لا مفر منها داخل نسيج أيديولوجية الإسلام.
فبعد هجوم الروضة، ذهب البعض إلى إلقاء اللوم على الأيديولوجية؛ مدّعين أنّ هذه الأعمال مستمدة من تفسيرات وآيات قرآنية في الدين الإسلامي، وأنّ الأيديولوجية المسؤول الأول والأخير عن التطرف وليس القمع الذي تمارسه الدولة المصرية.
أما النقاش بشأن القمع وما يمكن أن يسببه فتركّز في جودة العنف وشكله الناتج عنه، مستندين في ذلك إلى أنّ المقموعين في جميع أنحاء العالم ينخرطون في أنشطة معادية مماثلة لما تحدث في مصر والشرق الأوسط.
وإلقاء اللوم على الفكر الإسلامي وحده في انتشار العنف ليس منصفًا، وما أشير إليه دليل على ذلك؛ فالعنف رد فعل مباشر على القمع، كما إنّ الأيديولوجية لا تتطور أبدًا من فراغ؛ إذ تعتمد على السياق المحيط بها إلى حدٍ كبير. أو يمكن القول بطريقة أخرى إنّ «القمع أقصر طريق نحو التطرف».
وبجانب ذلك، تعدّ مصر بيئة خصبة لتفشي الفكر المتطرف واستقطاب المجندين الجدد. وفيها مشكلة أخرى بعيدة عن القمع والتطرف، وهي الطائفية والتعصب والدعم غير المحدود للسلطة القمعية.
ففي الوقت الذي نلقي فيه باللوم على المتطرفين لأعمالهم العنيفة نتناسى لوم من تسبب في أن تصبح مصر بيئة خصبة لهم؛ ما يعني لوم الدولة تساويًا مع ثقافة العنف المتفشية وإغلاق النقاش المجتمعي الحقيقي.
مسؤولية الدول
والسؤال الآخر الناتج عن مذبحة الروضة: هل الدولة مسؤولة عن الحادثة على وجه الخصوص؟ ثمّة من يدفع بأنّ المساجد موجودة في جميع أرجاء الدولة، فكيف يمكن للأمن توفير حماية لها جميعها، وهي الحجة نفسها المطروحة بعد الهجوم على حافلة للأقباط في رحلة إلى دير جنوب مصر وقُتل جميع ركابها في مايو الماضي.
ونتيجة لذلك؛ لا نستطيع لوم الدولة على كل حادثة، وهو التصريح الذي أثاره شخصية بارزة في مجال حقوق الإنسان، وهو ما يطرح سؤالين آخرين: «متى نقبل السياسات الفاشلة للدولة؟ ومتى نبدأ في مساءلتها؟»، وهو السؤال الذي لا بد للإجابة عنه أن يتوفر سياق.
ففي حادثة مسجد الروضة -على سبيل المثال- كان سكان القرية يتلقون تهديدات بصفة مستمرة من «الإرهابيين»، ووجب على الدولة توفير الحماية لهم، وهو ما لم يحدث. وغير ذلك، قبلها بأيام، انشغل الأمن بالقبض على الناشطين وتتبع حساباتهم الشخصية على تويتر.
وكان ينبغي على الدولة تخصيص هذه الموارد لإحباط الهجمات الإرهابية بدلًا من الهجمات الأمنية على النشطاء والمعارضين السلميين.
ولا تزال المناقشات في مصر مستمرة بشأن السياسات الفاشلة في التصدي للإرهاب وتوفير الدولة أرضًا خصبة للتطرف وحوادث الثأر والانتقام.
وبجانب ذلك، تعد التنمية عاملًا مهمًا لما يحدث في سيناء. فعلى مدار السنوات الماضية تجاهلت الحكومة المركزية في القاهرة شمال سيناء، ولم توفّر للمواطنين هناك أيّ فرصة تنمية أسوة بباقي المواطنين في المحافظات الأخرى، إضافة إلى الهجمات الأمنية الشرسة التي يتعرّضون إليها هناك بصفة مستمرة، والإخلاء القسري.
وفي الوقت نفسه، تحدّ الطبيعة الجغرافية لسيناء من قدرات الأجهزة الأمنية في السيطرة عليها.
وبناءً على ما سبق؛ لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل ما يحدث في سيناء عما تفعله السلطات المصرية على المستويات كافة.
فشل مقصود أم انعدام كفاءة؟
هل الفشل الذي أصاب الدولة مصرية مقصود ومتعمّد أم أنه نتيجة لانعدام الكفاءة؟ سؤال آخر تطرحه الحوادث الإرهابية الأخيرة على مائدة الحوار. فمن الواضح أنّ الممارسات الحالية تضر أكثر مما تنفع. إضافة إلى ذلك، حُجّة «عدم الكفاءة» قوية؛ لأنّ قوات الأمن المصري غير مدربة جيدًا، وكثيرًا ما يلجأ خبراء الأمن فيها إلى نظريات مثل «المؤامرة» و«حروب الجيل الرابع» كبش فداء لفشلهم.
ومن المعروف أنّ قطاعات الدولة المصرية المدنية كافة لا تتمتع بالكفاءة المطلوبة. وفي كل ذلك، لايجب إغفال أنّ من مصلحة الدولة المصرية الإبقاء على أزمات؛ فتولّي السيسي منصبه أصلًا انطلق من مبدأ مكافحته للإرهاب. وبجانب ذلك، كان الإرهاب منتشرًا في جميع أرجاء العالم، والجميع على استعداد للتخلي عن مفهوم حقوق الإنسان للقضاء عليه.
ومع ضعف الأداء السياسي والاقتصادي والتهديد المستمر للإرهاب تمكّن السيسي من الصعود إلى سدة الحكم.
وكان يفهم جيدًا أنّ سياسات العنف التي يتّبعها نظامه ستؤدي حتمًا إلى زيادة العنف، وهو الذي قال أثناء الإخلاء القسري لسكان شمال سيناء: «إننا نفهم أنّها والاستهداف ستتسببان في موجة عنف».
إضافة إلى ذلك، تعدّ السجون المصرية مصنعًا للإرهاب، وأوردت صحيفة الجارديان قبل ذلك أنّ المعتقل الأيرلندي إبراهيم حلاوة شهد على كيفية تحوّل المعتقلين داخل سجون السيسي إلى متطرفين وإرهابيين بالرغم من أنهم لم يسمعوا أثناء دخولهم السجن عن تنظيم الدولة أو غيره.
وفي النهاية، تعدّ السياقات المحيطة بالتطرف والعنف في مصر مهمة للغاية للوقوف على حقيقة ما يحدث؛ حتى يلزم الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الأوضاع؛ وإلا فإنها ستعاني من عواقب وخيمة لسياساتها الحالية.