نشرت «شبكة الجزيرة» مقالًا للكاتب الروسي «رومان دوبروخوتوف» يتحدّث فيه عن الطبقة «الأوليغارشية»، وهي النخبة الروسية التي تتحكم في الاقتصاد الروسي، وكيف أصبح بوتين يشكّل خطرًا داهمًا عليها؛ خاصة بعد وقوع نصفهم تحت طائلة العقوبات الغربية بسبب ظهورهم في الصورة مع بوتين.
وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ معظمهم يتجنب الظهور معه في الصورة حاليًا؛ خاصة قبل إقرار عقوبات أميركية جديدة على روسيا في فبراير المقبل، مؤكدًا أنّ اجتماعات بوتين معهم بكثرة هذا العام لها صلة وثيقة بهذا الموضوع وتمثّل إحراجًا لهم؛ لعجزهم عن الرفض.
والتقى الرئيس الروسي في 21 ديسمبر مع «النخبة الاقتصادية الأوليغارشية»، وهي القلة التي تتحكم في الاقتصاد وتبلغ ثروتهم مجتمعة 213 مليار دولار، أي ما يعادل تقريبًا ميزانية الاتحاد الروسي؛ لضمان ولائهم له، خاصة قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
وحتى وقت قريب، كانت الاجتماعات معهم تحدث مرة واحدة في العام؛ لكن هذا العام وحده اجتمع بهم ثلاث مرات. فلماذا هذا الحماس للاجتماع بهم في الكرملين؟
التخمين لمن كانوا يتابعون الاجتماعات السابقة معهم ليس صعبًا؛ ففي 22 نوفمبر الماضي قُبض على السيناتور سليمان كريموف، عضو الاتحاد الروسي، في فرنسا بتهمة غسيل الأموال، وهو أحد هؤلاء القلة ويمتلك 6.3 مليارات دولار.
وفي 13 ديسمبر الجاري، فُتّش مبنى الفرع الهولندي لبنك ألفا الروسي وجُمّدت أصوله، وهو مملوك لمايكل فريدمان وبيوتر أفن والملياردير الروسي أليكسي كوزميشيف.
وكشفت دراسة لصحيفة «ديلي بيست» في 13 ديسمبر الجاري أنّ ميخائيل بروخوروف كان يمتلك 23 حساسًا في مصرف فمبي القبرصي، الذي أغلق بتهم تتعلق بغسيل الأموال وجهتها له الولايات المتحدة، ويملك بروخوروف 8.9 مليارات دولار.
أما غينادي تيمشينكو، الصديق المقرب لبوتين ويملك 16 مليار دولار، تخضع شركته «نوفاتيك» للعقوبات الأميركية، وهو أغنى رجل في روسيا.
كما أدرجت شركة «لوكويل» الروسية، كبرى شركة نفط في روسيا، إلى قائمة العقوبات الأميركية، وهي مملوكة لفاجيت أليكبيروف وليونيد فيدون، ويملك الأول 15.5 مليار دولار والآخر 6.3 مليارات دولار. كما أنّ هناك قبارصة روسًا خاضعون لهذه العقوبات، بمن فيهم ريبلوفيلف الذي يمتلك 7.3 مليارات دولار وفيكتور فيكسلبرغ الذي يمتلك 12.4 مليار دولار.
أو بعبارة أخرى: نصف الطائفة «الأوليغارشية الروسية» تواجه مشاكل في الخارج، والنصف الآخر مهدد بالدخول ضمن نطاق العقوبات الأميركية المقرر إطلاقها في فبراير 2018، وتعد تلك الطائفة هي الأقرب إلى الكرملين، فيما يتعاون عدد من أعضاء المعارضة الروسية مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمسائل الخاصة بهم.
وأصبح القرب من بوتين، الذي كان مهمًا في نمو رأس المال وتزايده، الآن خطرًا كبيرًا عليهم؛ إذ ذكرت «رويترز» أنّ أعضاء الأوليغارتشي الروس يتجنبون التقرب من بوتين في الوقت الحالي حتى لا تطالهم عقوبات الولايات المتحدة، ومن المقرر أن تقرّ أميركا عقوبات أخرى في فبراير المقبل؛ ما جعلهم يختفون أو يحاولون الاختفاء مدة من الوقت.
وتعتمد أوليغارشية روسيا اعتمادًا كبيرًا على الغرب؛ لذلك فالمخاوف بشأن العقوبات ليست مفاجئة، بينما يتمتّع بوتين بالإفلات من العقوبات على الساحة الدولية، بالرغم من استعداد الكرملين لخوض حروب على جبهات، وإرساله قواته إلى أوكرانيا وسوريا، وتدخله في الانتخابات الأميركية، ومحاولة تنظيم انقلاب في البلقان، وكان رد فعل الغرب بطيئًا وضعيفًا للغاية.
لكنّ هناك تقدمًا محرزًا من ناحيتهم فيما يتعلق بروسيا؛ إذ يُحرز الفريق المكلف بالتحقيق في سقوط الطائرة الجوية الماليزية MH17 فوق أوكرانيا تقدمًا، ومن المتوقع اتّهام جنرال روسي قريبا، كما أنّ مستقبل مشروع خط أنابيب الغاز الروسي إلى أوروبا «نوردستريم 2»، المزمع إقامته عبر بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا، أيضًا موضع تساؤل.
وعلى بوتين أن يلاحظ أنّ الوضع الدولي تغيّر، ومع الركود الاقتصادي واستعدادات روسيا لاستقبال كأس العالم في 2018 عليه أن يصلح من علاقته مع الغرب ولو قليلًا، والخبر الجيد أنه على استعداد أن يتخذ خطوة إلى الوراء؛ إذ أعلن بالفعل انسحاب قواته من سوريا، وبدأ مفاوضات مع الأمم المتحدة لوضع قوات حفظ سلام في منطقة دونباس التى مزقتها الحرب في أوكرانيا وتبادل الأسرى مع كييف.
ومع قرب الانتخابات الروسية، لم يقدّم بوتين أيّ خطط او استراتيجيات؛ ويبدو أنه يتجنب الدخول في مرحلة الدعاية كما هو معروف دائمًا، وخفّف من حدة تصريحاته العدوانية إلى حدٍ كبير، ولا يستبعد أن يكون هذا التراجع تكتيكًا يطبّقه.
ومن دون وجود عدو في الغرب ستتراجع شعبية بوتين، وهذا لا يعني أنّ الشعب الروسي لا يريد مواجهته. على العكس، يظهر استطلاع رأي أنّ 75% من الروس يعتقدون أنّ عليه تحسين علاقاته مع الولايات المتحدة والدول الغربية.
غير أنّ هناك تناقضًا فيما يتعلق بهذه الجزئية؛ فبوتين بالفعل يريد تحسين علاقاته مع الغرب، المتخوف من قوة روسيا المتنامية ويحاول وقفها بأيّ شكل. ويبرز تناقض آخر متمثل في أنّ تعويض التدهور الاقتصادي في روسيا ومعاناة الروس يتم عن طريق تكثيف الدعاية المناهضة للغرب، وكما قلنا: «بوتين يعتقد أنّ شرعيته تعتمد على وجود عدو في الغرب يجب مواجهته».
وبالرغم من ذلك، يواجه تحديًا كبيرًا وصعوبة في تعبئة الشعب ضد العدو الخارجي. وسيبدو تراجع بوتين صعبًا إلا إذا أجبره الغرب على ذلك، غير أنّ مسألة الضغط على الكرملين ليست مؤكدة، والمعايير التي ستُدرج بها الأسماء الروسية على قائمة العقوبات الأميركية غير واضحة، ومن المفارقات أنّ هذا الجو من الشك يجعل الجزاءات سلاحًا قويًا.
وبوتين نفسه يحب استخدام حالة الشك للسيطرة على النخبة الروسية، لكنّ الغرب هو من يلعب هذه اللعبة الآن، ومستوى شدة العقوبات يقلق رجال الأعمال المقربين من بوتين؛ فأيّ شخص يظهر في الصورة معه معرض للوقوع تحت طائلتها.
ولعل ذلك السببُ في كثرة الاجتماعات مع الأوليغارتش الروس في الكرملين هذا العام؛ فبوتين يحاول ترتيب الأوراق، لكنّ الأمر محرج لهذه الطائفة التي تحاول قدر الإمكان تجنب الظهور معه أو بالقرب منه.