هاجمت شبكة «سي إن بي سي» الأميركية الرئيس دونالد ترامب بعد عامه الأول في رئاسة الولايات المتحدة، مؤكدة أنّه أكثر رئيس تسبّب في عزلة أميركا عالميًا، وتسبّب في اضطرابات بين حلفائها الرئيسين، وفتح الباب أمام القوى العالمية المنافسة لأن تحتل مكانًا، مؤكدة أيضًا أنّه أكثر رئيس تسبّب في سقوط قتلى مدنيين أثناء حربه ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ ترامب تخلّى أيضًا عن الصفقة التجارية عبر المحيط الهادئ «اتفاقية التجارة الحرة»، وانسحب من اتفاقية المناخ العالمية؛ ما أدى إلى «عزل» أميركا، لكنه يصف نفسه بأنه من ألقى حجرًا في المياه الراكدة للسياسة الأميركية.
ولم يبدأ ترامب حربًا في أيّ مكان؛ لكنه قضى عامه الأول في البيت الأبيض وسط حرب، وأسقط جيشه عددًا قياسيًا من القنابل على الشرق الأوسط. وخلافًا لعديد من أسلافه، كانت رؤية ترامب للسياسة الخارجية الأميركية واضحة وضوح الشمس، وتلخّصت في كلمتين: «أميركا أولا».
قوة أميركا تضاءلت
ونتيجة لذلك؛ تقف الولايات المتحدة وحدها في قضايا عالمية رئيسة أكثر من أي وقت مضى، وتضاءلت قدرتها في الحصول على ما تريده بواسطة نفوذها؛ وكانت إحدى السياسات المتسببة في ذلك أنّ ترامب أشاد مرة بروسيا والصين، المنافسان الرئيسان للولايات المتحدة، بينما انتقد حلفاءه الأساسيين مثل بريطانيا وألمانيا، كما زرع شكوكًا بشأن التزامات أميركا في الناتو.
ومن السابق لآوانه الحكم على سياسته الخارجية بأنها ناجحة أو فاشلة؛ لكنّ هناك أمورًا واضحة.
وإحدى أهم الإيجابيات التي حققها ترامب «هزيمة تنظيم الدولة»، غير أنّ انتكاسة هزيمته قد تشكّل تهديدًا للولايات المتحدة وأوروبا فيما بعد؛ بعد أن يجمّع التنظيم نفسه مرة أخرى، ومن المؤكد أنّه سيركّز هجماته على الغرب.
قتلى من المدنيين غير مسبوق
لكنّ هزيمة التنظيم في النهاية لم تأتِ دون تكلفة؛ إذ أسقط ترامب عددًا قياسيًا من القنابل الأميركية فوق الشرق الأوسط: قرابة 40 ألف قنبلة فوق سوريا والعراق. ونتيجة لذلك؛ بلغت الخسائر في صفوف المدنيين أعلى مستوى لها في عهد ترامب، وفقًا لـ««آير وارز Airwars» التي تتعقب الضربات الجوية الدولية ضد التنظيم باستخدام إحصاءات رسمية.
كما اضطر ترامب إلى نشر أكثر من ألفي جندي من القوات البرية داخل الأراضي السورية والعراقية.
ولم يستطع أيّ رئيس سابق أن يتخذ القرار الذي اتخذه ترامب: الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، وهو القرار الذي تسبب في إدانته على جميع المستويات من الحلفاء والأعداء، من روسيا والصين إلى إيران والفاتيكان.
فشل «السلام»
لم يحرز «السلام» في الشرق الأوسط، الذي يسعى إليه صهره جاريد كوشنر، أيّ تقدّم. وتفاخر ترامب من قبل بأنّ السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليس صعبًا كما يعتقد الجميع؛ لكنّ قراره بخصوص القدس أثبت عكس ذلك.
وغير القدس وسوريا والعراق، نشر ترامب أربعة آلاف جندي أميركي في أفغانستان لمحاربة تنظيم الدولة، بجانب 11 ألف جندي هناك بالفعل، وأسقط عليها قرابة أربعة آلاف قنبلة، بما في ذلك كبرى قنبلة غير نووية على الإطلاق.
إيران
وفي أولى رحلة له إلى خارج أميركا عقب فوزه بالرئاسة، أرسل ترامب إشارة إلى منطقة الشرق الأوسط؛ إذ بعث برسالة تضامن مع العالم السني ضد إيران الشيعية، وإذا رأت طهران عدوًا أكبر من واشنطن فإنّه حاليًا «الرياض».
ووعد ترامب أثناء حملته الانتخابية بدعم «إسرائيل» في مواجهة إيران، والتملّص من حروب الآخرين في الشرق الأوسط، وبالرغم من وعده بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، الذي قال عنه إنه أسوأ صفقة تفاوض عليها مؤخرًا؛ فإنه لم ينفّذ وعده حتى الآن بسحبها. لكنّه أكّد في أكتوبر الماضي أنه سيشهد في الكونجرس بأنّ إيران لم تلتزم بجانبها في الاتفاق، وتؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنّ إيران بالفعل ملتزمة بجانبها في الاتفاق.
كما ادّعى أنّ إيران قدّمت مساعدات إلى تنظيم القاعدة، وهو تاكيد أثار الجدل مدة من الوقت.
ولدى ترامب «صقور» في إدارته يعتقدون أنّ الطريق نحو حل مشاكل الشرق الأوسط يمر عبر طهران. ووصف وزير دفاعه «جيمس ماتيس» أنّ التهديدات الثلاثة الكبرى التي تواجه أميركا هي «إيران وإيران وإيران» باللفظ نفسه. وحدّدها ترامب مركزًا للاضطراب في الشرق الوسط، وما زال الاتفاق النووي قائمًا حتى الآن؛ فترامب يمتنع عن مواجهته في الوقت الحالي.
الصين
القوة العالمية تتغير الآن لصالح الصين، الشريك الاقتصادي العالمي الكبير والآخذ في التصاعد بقوة، لتنضم إلى أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي؛ وجميعهم يتصارعون من أجل التأثير والنفوذ العالمي.
وفى خطابه للأمن القومي في ديسمبر الماضي، ذكر ترامب أنّ الصين وروسيا منافسان يرغبان في إعادة تنظيم القوة العالمية لصالحهما؛ ما قد يهدد الولايات المتحدة، وقال: «إذا قبلنا ذلك أم لا؛ فإننا لا نتشارك في حقبة جديدة من المنافسة».
وانتقد المحللون ترامب لقوله هذا؛ إذ يقول «ريتشارد هاس»، من مجلس العلاقات الخارجية، إنّ ترامب بتصريحه هذا فتح ممرًا آمنًا للنفوذ الصيني عبر العالم. وفي صحيفة «نيويورك تايمز»، يقول توماس فريدمان: على مدار 30 عامًا من التغطية السياسية لم أشهد رئيسًا قط يتخلى عن هذا الكم من المصالح لأجل الصين و«إسرائيل» ويسميها «فن الهبة».
وفي ثانية جولة له خارج أميركا، زار ترامب بكين؛ وكما هو الحال مع الشرق الأوسط، لم يتمكّن من حل قضايا دبلوماسية عالقة. وكانت جولة آسيا جديرة بالملاحظة؛ ففي مقابلته مع الرئيس الصيني «شي جين بينغ» قال ترامب: من يمكن أن يلوم بلدًا ما على قدرته من الاستفادة من بلد آخر لأجل مصلحته. ووصف المحللون التصريح بأنه أكثر معبّر عن سياسة أميركا في عهد ترامب.
ويرى محللون أنّ خطاب ترامب العالمي لم يكن على قدر من مكانة أميركا ومسؤوليتها، وأنّه تخلى عن كثير بواسطة كلامه فقط. وتسارع الصين حاليًا وروسيا إلى ملء الفراغ الذي تتركه أميركا. وفي يومه الأول، سعى ترامب إلى إنهاء اتفاقية التجارة الحرة للشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي كبرى اتفاقية في تاريخ أميركا، تضمّ 12 حليفًا؛ بينهم أستراليا وكندا واليابان.
وكان التحالف يسيطر على 40% من حجم التجارة العالمية، وترأستها الولايات المتحدة لسنوات، وضغطت على الصين لفتح أسواقها.
كوريا الشمالية
كانت العبارة الأكثر إثارة للقلق التي أطلقها ترامب فيما يتعلق بكوريا الشمالية هي: «الرد بالنار والغضب». ولأنّ الرؤساء السابقين تشكّكوا في قدرتهم على إثارة أزمة نووية معها، سارع ترامب في إثارتها؛ وهو ما حاز على انتقادات كثيرين داخليًا وخارجيًا.
واندلعت حرب كلامية بين الرئيسين الكوري الشمالي والأميركي، وأثارت حربهما المخاوف من اندلاع حرب نووية مدمّرة بين الجانبين. وأعلن وزير الخارجية «كيم إن» في سبتمبر الماضي أنّ ترامب أعلن الحرب على كوريا الشمالية، ورفض البيت الأبيض وصف هذا الاقتراح بأنه «سخيف».
وهدد ترامب أيضًا بأنّ كوريا الشمالية دولة راعية للإرهاب وينبغي تدميرها. وعلى كلّ، لن تشتعل الحرب؛ لكنّ أميركا تسعى منذ سنوات إلى جعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من الأسلحة النووية. لكن، يبدو أنّها بعيدة عن تحقيق هذا الهدف.
اتفاقية تغيير المناخ
ومن أبرز القضايا التي ساهمت في عزلة أميركا: انسحاب ترامب من اتفاقية باريس بشأن تغيّر المناخ لعام 2015، وبذلك أصبحت أميركا الدولة الوحيدة التي لم توقّع على الاتفاقية. وانضمت كوريا إليها في نوفمبر قبل الماضي.
وأعلن ترامب انسحاب أميركا من الاتفاقية؛ لاعتبارها تهدّد الأمن القومي الأميركي، ووضعها في استراتيجيته الوطنية الأمنية لعام 2017.
روسيا
وفي روسيا ظهرت آمال بأنّ ترامب سيحسّن العلاقات مع موسكو، وأعلن عن ترحيبه بمدة جديدة من التعاون بين روسيا وأميركا؛ لكنّ الروس المؤثرين يعتقدون أنّ الدولة العميقة في أميركا تجعل من المستحيل على ترامب إعادة العلاقات بينهما؛ ففي استراتيجيته الجديدة حدّد روسيا مرة أخرى منافسًا رئيسًا، ولا يوجد أيّ دليل على أنه مستعد حاليًا لرفع العقوبات الاقتصادية عن موسكو. لكنّ الجانبين ليسا عدوين كما كان في السابق أيام الحرب الباردة.
حلفاء أميركا
سعى ترامب إلى هدم العلاقات مع حلفائه الرئيسين في أوروبا؛ إذ اتّهم ترامب المملكة المتحدة بارتكاب اعتداءات ضد المسلمين والمهاجرين. وفي تغريدة أخرى، انتقد تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، وانتقد عمدة لندن صادق خان لوقوع هجمات إرهابية في مدينته.
ولم يُحكم على زيارته إلى أوروبا بالنجاح، ووصفتها صحيفة «فايننشيال تايمز» بأنها كارثية، ورفض ترامب زملاءه في منظمة حلف شمال الأطلسي، وقال عن الناتو إنّه تحالف عفا عليه الزمن.