نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالًا لـ«إدمون إليت»، الرئيس السابق لفريق التحقيقات في استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية ضد المتظاهرين، عن كيفية فشل مجلس الأمن في إدانة النظام السوري بارتكاب جرائم حرب؛ بعدما ثبت تورّطه بالأدلة القاطعة وارتكابه لها، بجانب تنظيم الدولة. موضحًا أنّ هناك دولًا تدخّلت، على رأسها روسيا؛ لمنع توقيع أيّ عقوبات.
وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّه في 21 أغسطس 2013 تعرّضت منطقة الغوطة في دمشق إلى هجوم بغاز السارين، وقتل مئات المدنيين؛ وحذر الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما من أنّ الولايات المتحدة ستتخذ إجراء عسكريًا ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد إذا ثبت أنه استخدم أسلحة كيميائية ضد المدنيين السوريين.
وقال أوباما إنّ الهجوم بالأسلحة الكيميائية على الغوطة «خط أحمر»، لكنه اختار الهجوم الدبلوماسي ضد بشار بدلًا من العمل العسكري.
واعترفت سوريا بأنّها تمتلك أسلحة كيميائية، وتوصّلت الولايات المتحدة ورورسيا إلى اتفاق في منتصف سبتمبر 2013 بموجبه تدمّر سوريا ما لديها من أسلحة كيميائية. ووافقت الحكومة السورية على ذلك وسلّمت ما لديها من أسلحة كيميائية إلى فريق من الخبراء التابعين للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية؛ وبموجب ذلك دُمّرت، وفي منتصف أغسطس 2014 أعلنت المنظمة أنّ الأسلحة دُمّرت.
لكن، بالرغم ذلك، استمرّت الحكومة السورية في استخدام الأسلحة على أراضيها؛ إذ سجّلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية استخدام النظام السوري بين ديسمبر ونوفمبر 2015 قرابة 121 حادثة، وفي أواخر 2016 تؤكّد من 23 حادثة بسببها؛ بعد تحقيقات لمجلس الأمن بالتعاون بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
ومنذ أغسطس 2015 إلى أكتوبر 2016 نظر فريق من المحققين في ثماني حالات لاستخدام الكلور سلاحًا كيميائيًا، وحالة واحدة تتعلق باستخدام خردل الكبريت. وعُزيت ثلاث هجمات إلى النظام السوري وواحدة إلى تنظيم الدولة، بينما فشل مجلس الأمن الدولي في اتخاذ أيّ إجراءات تضمن محاسبة النظام السوري بناء على نتائج هذه التحقيقات.
وفشل مجلس الأمن في التوصّل إلى اتفاق بشأن معاقبة النظام السوري على الجرائم التي ارتكبها وإخلاله بالاتفاق السابق القاضي بحذرها. وبعد أسابيع من الهجوم على «خان شيخون» بغاز السارين، ومقتل مائة وإصابة مائتين؛ بدأ هذا التحقيق.
لكن، ظهرت إشكالية تعيق التحقيقات في الحوادث المستخدمة فيها أسلحة مُجرّمة؛ كالوضع السياسي، كما إنّ معرفة المورّدين أمر صعب للغاية؛ لأنّ غاز السارين عديم اللون والرائحة، ويؤثر على الأعصاب بقوة، ويتطلب صنعه واستخدامه خبرات فنية متقدمة، والتعرّض إليه يقتل في غضون دقائق.
وكان للطب الشرعي والكيمياء دور محوري في التحقيقات؛ إذ أفادا بأنّ طائرة حكومية سورية كانت تحلق فوق «خان شيخون» في المنطقة نفسها التي وقع فيها هجوم بغاز السارين، وكانت مكوناته مطابقة لما تستخدمه الحكومة السورية، التي لم تعلن حينها أنّ هناك غازًا لديها مفقودًا أو مسروقًا؛ وهو ما يؤكّد أنّها من دبّرت الحادثة التي أسفرت عن مقتل العشرات دفعة واحدة.
كما جمع المحقّقون عيّنات طبية وبيئية قدمتها الحكومة السورية والجماعات المحلية، وكان العمل صارمًا حينها في معمل المختبر؛ الذي أثبت تطابق المكونات مع ما لدى الحكومة السورية. وفي حادثة أخرى في سبتمبر 2016، أطلق مسلحون تابعون لتنظيم الدولة قذيفة هاون تحتوي على نفط الكبريت، وأصيبت امرأتان من قرية «أم حوش» بجروح خطيرة أثناء محاولتهما تنظيف السائل من بيوتهما، وأوضحت الحادثة حينها أنّ التنظيم لديه قدرة على استخدام الأسلحة الكيميائية.
وفي 7 نوفمبر، أُبلغ مجلس الأمن الدولي بأنّ المحققين وجدوا ما يكفي من الأدلة التي تدين النظام السوري وتحمّله مسؤولية استخدام هجمات كيميائية في «خان شيخون»، كما أُخبر بأنهم وجدوا دليلًا أيضًا على أنّ تنظيم الدولة استخدم هذه الأسلحة.
وحينها أعرب معظم أعضاء مجلس الأمن الدولي تأييدهم القوي للتحقيقات الجارية في هذا الشأن، وتساءلت دول بوليفيا وروسيا والصين ومصر وكازخستان عن منهجية التحقيقات ونتائجها.
لكن، في 16 نوفمبر صوّتت روسيا وبوليفيا ضد اقتراح الولايات المتحدة الذي أيّد استنتاجات مجلس الأمن وفريق التحقيقات. وفي اليوم التالي، طالبت اليابان بتمديد لمدة 30 يومًا؛ لإيجاد آلية لضمان استمرارية التحقيقات. وبالرغم من الأصوات المؤيدة والمعارضة؛ وافق مجلس الأمن في النهاية على تمديد تفويض فريق الخبراء بشأن التحقيقات وتوسيعها أكثر.
وفي اليوم التالي (17 نوفمبر)، استخدمت روسيا حق الفيتو على هذا القرار، واتهمت فريق التحقيق، الذي كان من بينهم كاتب هذا المقال، بأنه أداة تابعة للغرب؛ وطالبت الفريق بزيارة مسرح الجريمة، الخاضع إلى سيطرة تنظيم القاعدة، وأرادت أيضًا جمع عينات من قاعدة شيرات الجوية في سوريا التي أقلعت منها الطائرة السورية، غير أنّ فريق المحققين فوجئ بأنّ الطائرة ليست موجودة، ولم يستطع أحد العثور على أيّ أثر آخر للأسلحة الكميائية منذ حينها.
وعلى الرغم من العمل الصارم والفني المتقدم لفريق التحقيقات، انتهت آلية العمل في يوم 17 نوفمبر بعد فشل مجلس الأمن في تمديد مهلة إجراء التحقيقات. غير أنّ ما توصلت إليه التحقيقات حتى حينه كافية لإدانة المسؤولين السوريين على استخدام الأسلحة الكيميائية واتهامهم بجرائم حرب.
نحن مدينون للضحايا الذين لم يروا العدالة بعد والمساعدة في مواجهة عواقب هذه الأسلحة المحظورة، ومسؤوليتها الأخلاقية تقع على عاتق المجتمع الدولي، الذي يجب أن يعمل لضمان وقفها إلى الأبد.