شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تحليل بـ«تي آر تي وورلد»: النقطة التي حوّلت الثورة السورية لتتخذ مسار الحرب الأهلية

جانب من الحرب في قرية حسن الشامي السورية - أرشيفية

بالرغم من بدء الثورة السورية «سلمية» أكثر من غيرها، واقترابها من تحقيق النصر على نظام بشار الأسد؛ انقلبت الأمور رأسًا على عقب بعد التدخل الروسي الإيراني، ويمكن إرجاع السبب الأساسي لفشلها إلى «فشل العالم كله في سماع أصواتهم»، إضافة إلى الأسباب الأخرى التي سنتناولها.

بهذا يتناول المحلل السياسي المصري «سام حماد»، المقيم بأدنبرة، الأوضاع في سوريا، في تحليله بصحيفة «تي آر تي وورلد» وترجمته «شبكة رصد»؛ ويرى أنّه بالرغم من المجازر والإبادات الجماعية التي وقعت في سوريا، فثورتها الأولى كانت أكثر اعتدالًا في أهدافها من نظيراتها في الدول العربية التي اندلعت في الوقت نفسه.

وبالنظر إلى المجازر التي وقعت في حمص وحتى حلب إلى الغوطة، نتساءل: هل كان يستحق الأمر كل هذا العناء؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نأخذ في الاعتبار أنّ «الثورات ضرورة أكثر من كونها اختيارًا»، ومن المفارقات المريرة في كل ما يحدث في سوريا أنّ كمّ المجازر والإبادات التي وقعت بدعم خارجي من روسيا وإيران، على غير رغبة الثوار.

رغبة الثوار في البداية كانت إجراء إصلاحات ديمقراطية يشرف عليها بشار. لكن، منذ اختطاف حمزة الخطيب (13 عامًا) وتعذيبه وتشويهه وقتله في محافظة درعا؛ بدأت الأمور تتغير: «الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد إسقاط النظام».

ومثّلت محافظة درعا، التي قتل فيها حمزة، نقطة الصفر لانطلاق الثورة، التي قابلها النظام بقسوة وعنف؛ فاتحًا النار عليهم، وتكرر المشهد نفسه في أنحاء بالبلاد، ولم يمض وقت طويل قبل أن يرفض أعضاء الجيش السوري إطلاق النار على المدنيين، وأعلن عدد منهم الانشقاق وتكوين «الجيش السوري الحر».

تحوّل الهدف

كانت هذه بداية الحرب الثورية المسلحة، التي تحوّلت إلى حرب أهلية بعد حمل الثوار السلاح؛ لكنها لم تكن معركة مسلّحة بين بشار والمعارضة بقدر ما كانت معرقة «البقاء للأقوى»، بعدما أصرّ المسلحون على الإطاحة به باستخدام السلاح.

وفي 2014، ادّعى الرئيس الأميركي باراك أوباما أنّ حمل الثوار السلاح مشروع، لا لمحاربة النظام؛ بل مقاومة لتنظيم الدولة، الذي أخذ نجمه في التصاعد آنذاك. ولم يكن مخطئًا تمامًا في ذلك؛ إذ اتضحت أمام بشار حقيقة مفادها أنّ «معظم الجيش السوري الحر مكون من ضباط ومجندين منشقين، واستمراره في تعنّته سيؤدي لمزيد من الانشقاقات والانهزامات».

ولإصلاح ذلك، بدأ بشار تسريح معظم الضباط والمجندين بنفسه، وتجنيد جيش يعتمد على الطائفية والنخبوية العلوية، التي تديرها عائلات الجيش السوري، ومعظمهم جنود محترفون، لكنهم طائفيون؛ مستغلًا في ذلك أنّ هناك عددًا كثيرًا من المنضمين للجيش السوري كانوا متطوعين غير مدربين وتنقصهم الخبرات، وهو ما حاول اللعب عليه بعد تشكيل جيش طائفي.

والآن، دخل دور «الإسلاموية» في الثورة السورية، وهو الأكثر إثارة للجدل؛ بل والأكثر غموضًا منذ بدء الانتفاضة السورية، وجعل السرد على النحو التالي: «الجهاديون والمسلحون يشكّلون معظم المعارضة؛ لذا مقاومتهم من كل دول العالم واجبة».

لكنّ الحقيقة أنّ الإسلاموية أو الجهاد الإسلامي كان مناوئين للثورة الأصلية، وتمكّنت من الدخول إليها لأسباب لا حصر لها.

كما ساهمت روسيا وإيران في إشعال فتيل الطائفية أيضًا، واستخدمتا قوات طائفية لمهاجمة المدنيين والقوى المؤيدة للثورة السنية، كما أطلق بشار جهاديين من السجون؛ ما رآه محللون ومراقبون بمثابة زرع للانقسام بين الثوار وإقناع السوريين من جميع العقائد والملل بأن مهاجمي الأسد ليسوا سوريين أرادوا العيش بكرامة وحرية، بل ثيوقراطيون ينوون إبادتهم جماعيًا.

كما افتقرت المعارضة للموارد والخبرة، واعتمدت في بدايتها على السلفية الجهادية، وعديدون منهم كانوا جهاديين قدامى تخرجوا من حرب العراق أو مقاتلين ذوي خبرة ومسلحين بشكل جيد مثل تنظيم الدولة، وأطلق عليهم في البداية «القاعدة»، وهي جماعات استشعرت الفرصة واستغلتها وعبروا الحدود إلى داخل سوريا وقاتلوا بجانب المعارضة؛ وأحدثوا فارقًا بتكتيكاتهم وخبراتهم في ميدان المعركة.

وهؤلاء شكّلوا قوة أطلق عليها «جبهة النصرة»، بالرغم من وجود مجنّدين وضباط محليين أرادوا بالفعل مواجهة بشار؛ لكنّ المنضمين إليهم أرادوا استغلالهم في تشكيل دولتهم الخاصة «الخلافة الإسلامية في العراق والشام»، وكانت خطتهم الوقوف بجانب الآخرين لمساعدتهم في البداية ومن ثم الانقضاض عليهم.

وبذلك تشكّل «تنظيم الدولة»، وقاتل المعارضين الذين قاتلوا بجانبهم ضد بشار؛ ما شكّل ضربة قوية للثورة السورية ذات الأهداف النبيلة، وبذلك تحقق حلم بشار وحلفائه، ولاقت روايتهما بأنّ المعارضة «مسلحون متطرفون» رواجًا وقبولًا داخليًا وخارجيًا؛ وتحوّل انتباه العالم بعيدًا عن جرائم بشار إلى جرائم الإرهابيين وتنظيم الدولة.

التلاعب بالروايات

لكن، في كل الأحوال، وخارج نطاق السلفية الجهادية، فقد استخدام كلمة «الإسلاموية» معناه أصلًا؛ وأصبح في أوساط مرادفًا لـ«المسلم»، حتى بين داعمي الثورة، ونُظر إلى الإسلاموية على أنها أمر غريب، وتتناقض بطريقة ما مع مدنية الثورة، التي صورت في بدايتها على أنها ليبرالية، قبل أن ينضم إليها أصحاب اللحى، الذين ينظر إليهم على أنهم أسوأ من بشار.

لكنّ الموقف في مجمله جاء من الاعتماد الكبير على الأساطير التي تروّجها الطبقات الاجتماعية، خاصة بين كثير من المغتربين السوريين، لا سيما وأنّ القوى اليسارية والليبرالية السورية كانت مهمّشة للغاية منذ أمد بعيد؛ بالرغم من أنّ بعضهم كان له تأثير خاص على الثورة السورية، ولهم دور فعّال في تشكيل لجان للتنسيق، من شأنها السماح للسوريين بالتنظيم بشكل مستقل بعيدًا عن بشار، مثل إخوانهم في مصر وليبيا، لم تجمعهم أيديولوجية؛ بل إيمانهم بالقضية.

كما تشكّلت معظم القوات التي واجهت الثورة والمعارضة من قوى أجنبية خارجية بنسبة 80%، مثل إيران وروسيا، بعكس معظم الثوار الذين شكلوا أغلبية ساحقة من السوريين المحليين. وفي الغوطة حاليًا، يعتبر معظم المدفاعين عنها من المدينة نفسها، والأمر نفسه في حلب وحمص، بعيدًا عن تنظيم الدولة.

وشكّلت «جبهة النصرة» رحلة الإسلاميين الفعلية، التي يمكن القول إنها أكبر مجموعة متشددة يجب على السوريين أن يفرحوا بها؛ إذ انتقلت من الطائفية بشكل مباشر في خطابها، إلى جانب كونها قريبة جدًا من «القاعدة» في سوريا آنذاك، لتبني شكلًا أكثر شمولًا للإسلاموية، والإسلام السياسي مشابه إلى حد بعيد لحركة حماس. إضافة إلى ذلك، كان «الجيش السوري الحر» أولى قوة حملت السلاح ضد تنظيم الدولة في 2014.

فالبعد الإسلامي للثورة السورية، بالرغم من أنّه مهم بالطبع، لكنه شكل نقطة تحول للثورة أيضًا؛ خاصة بعد اعتماده على السلاح، لكنّ الإسلاموية في كل الأحوال لم تكن عائقًا أمام الثورة السورية النبيلة، بل من يقف وراءها؛ مثل أميركا والسعودية، التي رفضت تسليح قوات معينة اعتبرتها تهديدًا لها، أما أميركا فحاصرت المتمردين؛ لتعجيزهم عن الحصول على منظومات دفاع جوي تحميهم وتحمي المدنيين من بشار والطائرات الحربية الروسية.

لذا؛ لم تفعل السعودية ولا أميركا شيئًا لمساعدتهم، وبالتالي تدهورت أوضاعهم؛ والنتيجة كانت تحمّل الشعب السوري معاناة لا قبل له بها.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023