أمضى الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» مدة طويلة من ولايته السابقة، المستمرة لست سنوات، محاولًا زيادة نفوذ بلاده في منطقة الشرق الأوسط، باستراتيجية وصفها خبراء ومحللون بأنها «دبلوماسية ناجحة». وحتى الآن، يتمتّع بوتين بشعبية في الداخل الروسي، ويضمن الفوز في الانتخابات المقرر عقدها غدًا (18 مارس) ويُمنح ولاية رابعة؛ وبذلك أكثر حاكم في البلاد مدة.
وعلى الساحة الدولية، فالتصورات عن بوتين مختلطة؛ فبينما ينظر إليه الغرب على أنه شرير، خاصة بعد ضم جزيرة القرم ودعمه القوي للديكتاتور السوري بشار الأسد، تنظر إليه دول شرق أوسطية، بما فيها تركيا ومصر وإيران، بإجلال.
وتحدّثت «فرانس 24» إلى «أرنو ديبيان»، الأستاذ المشارك في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية إيريس، عن الاستراتيجية الدبلوماسية الروسية في الشرق الأوسط؛ وجاءت ردوده كالتالي:
ما هي أفكارك عن سياسات بوتين في الشرق الأوسط؛ خاصة بعد أن أصبحت روسيا فاعلًا رئيسًا؟
كانت دبلوماسية بوتين تجاه الشرق الأوسط ناجحة إلى حد بعيد؛ إذ تمتلك روسيا الآن مصالح اقتصادية وقوة عسكرية، وتؤدي دورًا رئيسًا في أكبر مستنقع سياسي في العالم؛ خاصة الأزمة السورية، وتنظر إليه جميع الأطراف على أنه فاعل رئيس، وهو دور لم تقم به روسيا منذ عقود.
وعزّزت روسيا في السنوات الماضية من نفوذها ومواقفها في المنطقة، من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب؛ ومن المهم ملاحظة التحسّن الهائل في علاقتها مع تركيا، وبالرغم من أنّها عضو في الناتو فإنها تشتري منها الأسلحة.
كما عادت روسيا إلى مصر، البوابة التاريخية إلى المنطقة للاتحاد السوفييتي السابق، كما لم يمنع التقارب الروسي الإيراني من تطوير علاقات روسية سعودية.
هل يعني هذا أنّ المنطقة حاليًا هشّة؟
هناك عوامل وراء النجاح الروسي في المنطقة؛ فبوتين لم يبدأ من الصفر في المنطقة، بل جنى بذور زرعها رئيس الوزراء الروسي السابق يفجيني بريماكوف، أحد أكبر العرّابين في روسيا، وتمكّن بريماكوف منذ منتصف التسيعينيات أثناء عمله وزيرًا للخارجية من الحفاظ على علاقات تاريخية وتطويرها. والآن يستمتع بوتين بثمار ما زرعه خلفه السابق، وهو إنجاز تحقق في وقت كانت فيه روسيا ضعيفة للغاية على الصعيد الدولي.
كما اعتمد بوتين أيضًا على مهارات الدبلوماسيين النادرة جدًا في المنطقة وخبراتهم، وقبل كل شيء تحدّث بوتين إلى الجميع، وهذه كانت سمة دبلوماسيته الرئيسة: أن يجلس مع جميع الأطراف؛ إذ يمكنه مناقشة أي شيء بكل صراحة، حتى جلس مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه حافظ على علاقات جيدة مع حزب الله اللبناني وإيران.
ما هي العوامل الأخرى التي ساعدته؟
استفاد الروس أيضًا بشكل خاص من تردد أميركا واختياراتها الصارمة للغاية تجاه منطقة الشرق الأوسط، التي أبعدتها عن غيرها من الدول المهمة في المنطقة، وقدّم بوتين نفسه طواعية حاميًا للمسيحيين في الشرق الأوسط، ولم يراهن على الشيعة ضد السنة، ولم يفعل العكس؛ وأثبت بوتين أنه ذكي للغاية. لكنّه في الوقت نفسه لديه عيوب؛ خاصة فيما يتعلق بالأوضاع في سوريا، فالجهات الفاعلة الإقليمية والدولية في روسيا عرّتها أمام متناقضاتها.
هل يملك بوتين الموارد اللازمة لطموحاته في المنطقة؟
من وجهة نظر الاقتصاد الروسي، فالمكاسب السياسية مهمة للغاية فيما يتعلق بهذا الجانب؛ خاصة إذا قورنت بالأموال والموارد في المنطقة. وبالرغم من أنّ تكاليف تدخلها في سوريا لم تعلن؛ فإنها تتراوح بين ثلاثة ملايين يورو وخمسة تقريبًا.
لكنّ روسيا تستطيع تغطية هذه التكاليف بسهولة حاليًا، وهو أقل بكثير من الإنفاق الأميركي في أفغانستان؛ سواء عن طريق توقيع صفقات نووية مع مصر وتركيا، أو عبر عقود مبيعات الأسلحة والعقود التجارية، وفيها فرص اسثمارية جذابة للغاية ماليًا لروسيا، ولا يوجد ما يمنعها حاليًا عن الاستمرار في هذه السياسة؛ خاصة وأنها استراتيجية محسومة ورابحة، والتحدي المقبل لروسيا في المنطقة هو تعزيز هذه الإنجازات والبقاء في المنطقة.
كيف تبدو السياسة الروسية في المنطقة، خاصة وأن الغرب ينظر إليها على أنها مختلفة عن رؤيته؟
المواطن الروسي العادي أكثر اهتمامًا بالأوضاع في أوكرانيا، بدلًا من الاهتمام بالصراعات البعيدة في الشرق الأوسط. وبوتين معروف بين مواطنيه ومعارضيه بأنه ثابت جدًا ومؤمن في تحالفاته، ولا يتزعزع في دعمه لبشار؛ على عكس الأميركان الذين تخلوا في لحظة عن دعم الديكتاتور الأسبق محمد حسني مبارك في 2011، الذي كان أحد حلفاء روسيا القلائل المخلصين في المنطقة أيضًا.
كما لم تقبل روسيا بالإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي، الحليف السابق للاتحاد السوفيتي، والإطاحة به لا تزال تشكّل حدثًا رئيسًا في الدبلوماسية الروسية اليوم؛ ومن المستحيل فهم موقف بوتين الثابت والمتقلب تجاه سوريا، لا سيما أنّ طريقة الإطاحة بمعمر القذافي أثّرت على رؤيته للأمور، خاصة الطريقة التي ينظر بها إلى أميركا على أنها مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.