صادف يومُ الاثنينِ التاسعَ من أبريل ذكرى الغزو الأميركي الباطل للعراق. في هذا اليوم قبل 15 عامًا، بلغ الاجتياح ذروته بتدمير نظام صدام حسين؛ وهو ما مثّلته اللحظة الرمزية لإسقاط تمثال الطاغية وسط بغداد، وفي كل ذكرى يدخل الجميع في الجدال والأسئلة الساذجة المستحيل الإجابة عليها نفسها: هل كان العراق أفضل حالًا في عهد صدام ونظامه؟ هل كان الغزو فكرة جيدة؟ هل استحقّ هذه الكلفة البشرية؟ هل العراق كان أفضل قبل 2003؟
يتناول الباحث بمعهد الشرق الأوسط «فنار حداد» الأزمة بمنظور جديد، في مقاله بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ ما يحدث نقاش فارغ لا جدوى منه، ولا يصح بأي حال من الأحوال أن نقارن بين ترتيبين مختلفين جوهريًا، اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا؛ وبمعنى آخر: نتعامل الآن مع حالتين مختلفتين تمامًا.
كما إنّ تفضيل حقبة على غيرها طبيعيّ ذاتيّ يمارس نفسه بنفسه، وهو ما يحدث على سبيل المثال لهؤلاء العراقيين الذين عاصروا صدام وبعد الغزو. لكن، هذه ليست الطريقة الأنسب للحكم على مجريات الأمور.
واعتمادًا على الأحكام الشخصية، يمكن لأي شخص أن يقارن في رأسه بين العراق في الـ15 سنة الماضية والسنوات التي سبقتها، ويمكن أن يصل لنتيجة مفادها أنّ العراق شهد انفتاحًا سياسيًا وحريات سياسية أكبر من التي تمتع بها قبل 2003؛ وهي نظرة إيجابية تشكّلت لدى أولئك الممنوعين من زيارة العراق أو الإقامة فيه قبل 2003، وتختلف في الوقت نفسه عن نظرة أولئك المجبرين على مغادرة البلد بعد 2003. وعلى هذا النحو تختلف الرؤى؛ لذا لا يمكن أن نتخذها معيارًا.
ولا يمكن لمعارضي النظام أن يفهموا كيف يمكن لأي شخص أن يفضّل الوضع الحالي على السابق، ويبدو أنهم معرضون عن حقيقة أنّ عراقيين خسروا بعد 2003.
دائرة المقارنة
مرة أخرى، الثنائية السابقة لا يمكن الاعتماد عليها؛ فدائرة المقارنات مسيّسة بشكل ميؤوس منه، وغالبًا ما تقود الحجج بمزايا الحقبتين وعيوبهما إلى 2003 نفسه، والإدلاء بآراء عن الغزو بدلًا من الإدلاء بنظرة ثاقبة للتحولات التي طرأت على العراق في الـ15 عامًا الماضية.
وعجز الابتعاد عن 2003 أدخل العراق في دوامة من النقاش لا تنتهي عن الغزو وما قبله وما بعده. ولنتأمل الطريقة التي تحوّلت بها معارضة الغزو إلى معارضة العراق نفسه؛ إذ شجّعت قوى وجهات فاعلة، عراقية وغيرها، على إفشال البلد في مرحلة ما بعد 2003 لإفشال الرؤية الأميركية لمستقبل العراق.
وهو ما عبّرت عنه كتابات اليساريين الغربيين وفي العالم العربي، وشكّلت آراؤهم إحراجًا؛ لأن معارضتهم تجاوزت معارضة الغزو لمعارضة العراق والعراقيين أنفسهم، والأمر يتشابه نوعًا ما مع الجدال الذي دار بشأن سوريا في السنوات السبع الماضية.
وبدلًا من إجراء مقارنات غير ضرورية بين الحقبتين، بضرورة الاعتراف بأنّ هناك أمورًا تحسّنت ولم يتحسّن البعض الآخر؛ ففي النهاية لا يجوز الحكم على أيّ عصر إلا من منظور عيوبه ومزاياه مجتمعة.
باختصار، ليست مسألة أسوأ أو أفضل بقدر ما هي حكم موضوعي على الأمور؛ فهوس الحديث عن الغزو سيطر على مخيلة معظم الكتاب والمحللين بعد 2003 بدلًا من الوقوف على المشكلات والتحديات على مدار هذه السنوات.
التحديات الكبرى
تسبّب الغزو الأميركي للعراق في معاناته بشكل شبه دائم من صراعات وعنف، لكن السؤال الأهم: هل يمكن تفادي هذه الصراعات؟
زاد الإهمال الإجرامي والاحتلال والفشل والتجاهل القاسي للعراقيين من سوء الوضع. لكن، في سياق 2003، واجه الغزو الأميركي معوّقات؛ تمثلت في الرفض الواسع للغزو من دول المنطقة، وكذلك واجه تحدي إرث نظام صدام المنتشر في العراق، الذي لم يكن اجتثاثه بقدر سهولة الغزو، سواء كانت مظالم جماعية أو على المستوى السياسي، وآثار 13 سنة من العقوبات الاقتصادية.
كما واجه الاحتلال إشكالية التعامل مع الطبقات السياسية المختلفة داخل الدولة، وفي سبيل ذلك شرع في تفكيك مؤسساتها، ومحاولة تأسيسها من جديد؛ لكنّ ما حدث أنّه بدلًا من وجود صدام واحد أصبح لدى العراق مائة صدام آخر، ولم ينته التاريخ عند 2003؛ بل مرّ العراق بتحوّلات قاسية على مدار السنوات الـ15 الماضية.
عراق جديد
يبدو أنّ الأوضاع تحسّنت كثيرًا عما قبل صدام، وأصبح العراق إطارًا مفتوحًا يتجاوز فكرة صدام وتقييم مدته الزمنية. ووفقًا للشواهد، فالعراق في 2006 لم يكن العراق في 2012؛ ويلاحظ أنّ الأوضاع تحسّنت نوعًا ما، سياسيًا على الأقل.
وهنا يكمن صميم الموضوع: فدائرة المقارنات تضرّ بالعراق والعراقيين أكثر مما تفيده؛ لأنها تجبر الناس على النظر إلى الوراء والاختيار بين نظام استبدادي أو 15 عامًا من العنف، بينما يستحق العراقيون نظامًا سياسيًا أفضل؛ وهو ما يجب أن يركّز عليه الجميع، وينظروا إلى المستقبل لا إلى الماضي.