شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

العبد المأمور

العبد المأمور
يسأل الكثير من الناس لماذا قامت الشعوب العربية الآن و في هذا الوقت بالتحديد بالثورات ضد الأنظمة الحاكمة في...
يسأل الكثير من الناس لماذا قامت الشعوب العربية الآن و في هذا الوقت بالتحديد بالثورات ضد الأنظمة الحاكمة في بلادها؟ سؤال يبدو عادياً عند كثير من الناس ولا مانع من أن يطرح. ولكننا لو بحثنا في السؤال لوجدنا أنه يحتوي على شعور عميق عند السائل باليأس و التشكيك، لأن السائل غاب عن ذهنه حقيقة صارخة، وهي أن ثورة الشعوب أمر طبيعي جداً و متوقع جداً و غير مرتبط بتوقيت أو زمن بقدر ما هو مرتبط بمعطيات و أحداث و تفاعلات داخل البلدان التي قامت فيها هذه الثورات. فالسؤال الحقيقي يجب أن يكون لماذا لم تثر الشعوب في السابق و ما الذي عاق تحركها للتغيير منذ عقود طويلة ؟ 
 
إن المراقب للوضع في تلك الدول يدرك أن التحرك الشعبي للتغيير أمر طبيعي، بل هو حتمي في ظل ما عانت منه تلك الشعوب من الظلم و القهر و الفساد و الفقر و الجهل. ويكفي لكون الجهل والتجهيل وحده سبباً لكل ما عانت منه تلك الشعوب. ففي بعض الأحيان يكون الجهل عائقاً أمام الإنسان كي يدرك أن هناك ظلم واقع عليه، وجهله بهذا الظلم يدفعه للقبول بالقليل أو الفتات التي تلقي به بعض الأنظمة العربية لشعوبها، كي تسكت و ترضى عن الواقع و تقبل بالنظام، و قد تصل درجة الرضى بالدعاء للحاكم و القائمين على النظام من على منابر المساجد و وصفهم بأنهم ولاة الأمر، وطاعتهم واجبة والخروج عليهم ومحاسبتهم جريمة شرعية.
 
وبسبب هذا الجهل؛ يقوم المواطن في تلك الدول بمقارنة نفسه وواقعه الاقتصادي و السياسي بواقع الآخرين المعدومين في بلدان أخرى، ويكون هذا دافعاً عنده للقبول بما هو موجود، ويشكر ويثني بالشكر على حاكمه و نظامه على هذه النعمة التي هو فيها. و بهذا القبول والرضى عن الواقع يسقط عنده المبرر للمحاسبة والملاحقة والمتابعة لسلوك القائمين على الحكم والنظام من رجال الدولة وأصحاب القرار فيها و هذا ما يدفع الآخرين للفساد والاستمرار به دون رقيب أو محاسب فتذهب ثروات البلاد إلى جيوب فئة من الناس و يعيش الباقين على الفتات .
 
وبسبب الجهل لا يستطيع الإنسان العربي أن يدرك سبب الفساد و نهب الثروات ولا يستطيع أن يدرك الفرق بين السبب الأساسي وأصل القضية و بين النتائج المترتبة على هذا السبب.
فعند حديثه عن الفساد في مؤسسات الدولة، وفي المؤسسات الإدارية، و يرى الرشوة والمحسوبية والسرقة المقننة، ويرى الإهمال والإبتزاز، فيحمل المسؤولية الكاملة للموظف أو للرجل الإداري دون أن يفكر أو يعقل السبب الذي دفع تلك الشريحة العريضة من موظفي الدولة لهذا السلوك.وهذا ليس تبريراً لسلوك المرتشين في الدوائر الحكومية بل هو تشخيص لأسباب المشكلة الحقيقية.
 
وقد يصدق تصريحات النظام عن سبب المشكلة عندما يقول أن السبب هو زيادة النمو السكاني وارتفاع نسبة الإنجاب في بعض الدول، فيحمل الأسرة الفقيرة أعباء هذه القضية. وبذلك يصدق الجاهل قول النظام فما يدفع الإنسان المرتشي لهذا السلوك هو عدد أفراد أسرته .
 
لذلك يعتبر الجهل سلاح فتاك اعتمدت عليه الأنظمة العربية على مدار العقود السابقة. وهذا هو السبب الذي أطال في عمر هذه الأنظمة وهو ما أعاق الشعوب للتحرك السريع للتغيير منذ زمن طويل. لقد أدركت الأنظمة العربية أنه سوف يأتي يوم و ينتفض الشعب و تقوم الثورات لتغير تلك الأنظمة. فكان لابد أن يكون الحكم بوليسياً قمعياً بالحديد والنار. وحتى يتم هذا كان لابد أن يكون الجهل سائداً على المؤسسات الأمنية داخل كل بلد. لأن من يقبل بهذا الدور الحقير من قمع وقتل وتنكيل شعبه وأهله، لابد أن يكون جاهلاً من الطراز الأول ويكون عبداً لسيده مغيب العقل و التفكير . 
 
وكان للمؤسسات الأمنية في مصر نصيب كبير من هذه الفئة من الجهلة المضللين المنتمين للأجهزة الامنية في الدولة. فكان جهاز أمن الدولة السابق المكلف بنشر الرعب في قلوب المواطنين. وكانت وزارة الداخلية تمثل عصابة كبيرة من القتلة والمجرمين تقود مجموعة كبيرة من الجهلة المضللين. تتوسطهم طبقة من المتعلمين الذين وجدوا في مراكزهم وسيلة للاستفادة والظهور وممارسة سلطاتهم على المواطن العادي كي ينال وصف أو لقب باشا .
 
فليس غريباً ما شاهده العالم كله من سلوكيات لرجال الأمن في مصر على سبيل المثال و ما تم نشره من جرائم و انتهاكات لحقوق الانسان. سلوكيات تخالف جميع الشرائع في العالم من إهدار للكرامة والضرب والتعذيب والتنكيل والاهانة حتى أصبحت فكرة دخول قسم الشرطة كابوس بشع في عقلية المواطن يفضل أن يموت مستيقظا على أن يراه .
 
واستمر هذا السلوك حتى خلال الثورة إلى يومنا هذا، لأن عبد المأمور مازال موجوداً ومستعد للقيام بهذا الدور، وسيده مازال موجود رغم تغير الأشخاص في بعض المناصب. ولقد شاهد العالم كله عبر محطات التلفزيون ووسائل الأعلام الأخرى ما حدث في ميدان التحرير خلال الثورة من أعمال لا إنسانية ولا أخلاقية في حق الثوار من قتل و تعذيب وتنكيل وإهانة طالت الذكور والاناث دون أي رادع أخلاقي أو إنساني أو ديني. وقد مارست أجهزة الأمن جميع الجرائم من قتل بالقنص أو باطلاق النار الحي أو الخرطوش و المطاط في العين و بقصد القتل و تسبب في إعاقة مستديمة إلى جانب دهس المواطنين بالعربات المصفحة واستخدام جميع أنواع الغاز المسيل للدموع . 
 
و كي يقوم رجل أمن بهذا الدور فلابد أن يكون على قدر كبير من الجهل أو مغيب فكرياً. وعنده الاستعداد أن يلغي عقله و يعطي جميع حواسه فقط لسيده الذي يتلقى منه الأوامر التي يستقبلها دون التفكير فيها. فيتحول من إنسان آلي عبد سيده فيتعامل مع الثورة والثوار حسب الأوامر. و بذلك ينظر هذا الانسان إلى أخيه أو أخته أو صديقه أو جاره المتواجد في الميدان على أنه خطر على أمن الدولة رغم أنه يعلم جيداً أن هذا الثائر يعيش معه في نفس البيت أو نفس الحي .
 
ومع الاستمرارية في هذا السلوك مع المواطن و بعد أن تتجذر العبودية في رجل الأمن لسيده يصبح من الصعب جداً عليه الرجوع فيموت الضمير. فيكون قد سار في طريق خط  اللاعودة و انغمس في مستنقع الظلم و البطش. و تصبح عمليه إعادة التأهيل صعبة. وإن كانت هناك عملية إعادة تأهيل وبناء لشخصية رجل الأمن فيجب أن تكون بعيدة عن المؤسسة الأمنية القائمة.
 
و لم تخل المؤسسة العسكرية من هؤلاء فكان لها نصيب من وجود هذه الفئة في صفوفها التي تتمثل بالجنود الذين تم صياغة عقليتهم على أساس واحد فقط هي العقلية الانهزامية . فهو لا يعرف عدوه و ان عرف من هو العدو ينظر اليه نظرة ريبة و خوف من استفزازه . فلا يفكر في ملاقاته و لا يتمنى ذلك أبدا . حتى تحول الجندي من حامي للحدود المرابط على الثغر الي حارس أمين لحدود العدو المتربص و المشارك في ضرب حصار على اخوانه في قطاع غزة و منهم من وكل له أمر حراسة أنبوب الغاز الذي يمد اسرائيل بالغاز و الذي يمر في سيناء .
و لان العقلية العسكرية تختلف عن العقلية الامنية لم يظهر سلوك رجل الامن في تصرفات الجندي خلال الثورة . لان الجندي عقليته مبنية على ملاقاه العدو بالسلاح فهو غير مدرب على ملاقاة شباب أعزل يتظاهر او يعتصم سلاحه الوحيد الكلمة . و علاوة على ذلك فان الجنود في القوات المسلحة جزء أصيل من الشعب فمن الصعب على أي قيادة أن تغير من عقلية من أقسم اليمين للدفاع عن الشعب أن يرفع سلاحه و يقتل أبناء شعبه . 
فليس غريبا لأن نجد أفرادا من القوات المسلحة انضموا الي الثوار و منهم من حول الي محكمة عسكرية و حكم عليه لم لا الم يكن البطل أيمن حسن منهم و البطل سليمان خاطر و غيرهم من هؤلاء ؟ 
 
الاول غار على كرامة شعبه و و بلده و درب عمليه بطولية بعد مجزرة الاقصى عام 1990 فقتل 21 عسركيا اسرائيليا و الأخر الذي قتل 7 اسرائيلين حاولوا دخول الاراضي المصرية 
مستهترين بكل قيد أو حاجز امامهم متعالين على الجندي سليمان خاطر الذي ثار فاطلق النار عليهم . 
فهؤلاء من جنود القوات المسلحة و ليسوا حالة شاذة كما حاول البعض ان يظهرها فكان خوف كل من البطلين يوم محاكمته أن تكون المحكمة سببا عند زملائهم فلا يقومون بنفس الفعل و لم يكن خوفهم من المحكمة سواء كان السجن المؤبد أو حتى الاعدام من قبل النظام فمن عاش بطلا لا يقبل الا ان يموت بطلا .
و يبقى السؤال : متى سوف يتحرر هذا العبد متى يختفي عنا العبد المأمور ؟
 
 
 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023