نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا أعده كل من دانيال بنيم ومايكل وحيد حنا، يشيران فيه إلى آثار الخلاف المتبادل بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة العظيم.
ويقول الكاتبان إن سد النهضة، الذي تضع الحكومة الإثيوبية الرتوش الأخيرة لإكماله، يعد من أكبر مشاريع السدود في القارة الأفريقية كلها لتوليد الطاقة الكهربائية، وسيعمل السد في حال الانتهاء منه على إحداث ثورة في القطاع الزراعي في إثيوبيا وفي الجزء الشمالي الغربي من جارتها السودان، إلا أن الكثيرين في مصر، التي يعتمد فيها نسبة 95% من السكان على مياه النيل، يرون في السد تهديدا لطريقة حياتهم، ومع تحضير إثيوبيا لبدء عمل السد وبدء عملية ملئه الضخمة، من خلال تحويل مياه النيل له، فإن الخلاف حوله وصل إلى لحظة حاسمة.
ويجد الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته “عربي21“، أن كلا من مصر وإثيوبيا تحتاجان الجلوس في العام المقبل، ووضع خلافاتهما جانبا، لافتين إلى أن التوصل لتعاون يمكن تحقيقه من الناحية التقنية، لكنه محفوف بالمخاطر من الناحية السياسية، أو مواجهة احتمال تدهور العلاقات.
ويرى الكاتبان أن “هذا الخلاف ليس منفصلا عن (اللعبة الكبرى) المتزايدة، التي تتكشف في شرق أفريقيا، حيث تحاول تركيا وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر التنافس على التأثير، فانتقلت الخلافات الجيوسياسية من البحر الأحمر إلى القرن الأفريقي، وقامت بعسكرة وبناء حالة استقطاب فيه، وتقوم الدول الشرقية الأوسطية بشراء الأملاك لبناء قواعد بحرية عليها، ومناطق صالحة للزراعة، وإنشاء جماعات وكيلة؛ حتى تقوم بالضغط على منافسيها”.
ويقول الكاتبان إن “تأثير الدول الخليجية المتزايد في المنطقة كان عاملا إيجابيا، مثل الوساطة الإماراتية في الأزمة الطويلة بين إريتريا وإثيوبيا، لكنه كان عاملا سلبيا في مناطق أخرى مثل الصومال، فقد كان تدخل الدول الخليجية مساعدا على تأجيج الخلافات من خلال تصدير المشكلات الجيوسياسية”.
ويعتقد الكاتبان أن “الطريقين -تصعيد النزاع أو التعاون الإيجابي- ممكنان في مسألة سد النهضة والنزاع حوله والمنطقة بشكل عام، ومن هنا فإن المخاوف من عودة العنف إلى شرق أفريقيا، وزعزعة استقرار مصر، والتهديد للمعابر الرئيسية في البحر الأحمر، تعني أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي لديها مصلحة في التأكد من أهمية اختيار الأطراف الفاعلة على الأرض وفي الشرق الأوسط القرارات الحكيمة”.
ويشير الكاتبان إلى أنه منذ الاستعمار البريطاني، فإنه تم ترتيب استخدام دول حوض النيل من خلال اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان، التي منحت مصر نصيب الأسد، واستبعدت دول المنبع، رغم احتجاجها على التوزيع، وضرورة المساواة في الحصص.
ويستدرك الكاتبان بأنه “رغم الخلافات، فإن إثيوبيا بدأت في عملية البناء عام 2010، حيث كان قرار السد استراتيجيا لتحويل البلاد ونقلها وتعبيرا عن طموحها الوطني، وهو بطول 500 قدم وعرض 6.135 قدم، ومزود بسد داعم وحوض مساحته 800 ميل مربع، وبعد إكماله فإنه سيتم تخزين 74 مليار متر مكعب، وهو أكثر مما يمكن لمصر استيعابه على مدار عام، وستزيد المولدات الكهربائية الستة عشر المثبتتة به من توليد الطاقة الكهربائية، بل السماح بتصديرها لدول الجوار أيضا، وكانت عملية بناء السد طويلة وشاقة، إلا أن العمال يتوقعون البدء في ملء الحوض في العام المقبل، ولأن عملية إنشائه تمت من خلال السندات المحلية والتمويل الوطني، ومشاركة الإثيوبيين في المنفى، فإن الضغوط لتشغيله وتحصيل الموارد المالية منه كبيرة”.
ويلفت الكاتبان إلى أن “السودان وقفت في البداية إلى جانب مصر، وعارضت دولة المنبع، لكن موقفها تغير عندما ظهرت منافع السد على المزارعين، خاصة أنها تواجه فيضانات عدة تمنعها من استخدام نسبة 20% من أراضيها الزراعية، وتأمل السودان أن يؤدي سد النهضة العظيم لزراعة ثلاثة مواسم في منطقة الجزيرة، وتوليد الطاقة الكهربائية من سدوده، والتحول بالتالي إلى سلة غذاء أفريقيا والعالم العربي”.
ويرى الكاتبان أن “تغير الموقف السوداني ربما ارتبط بعلاقاتها المتطورة مع تركيا وقطر، بالإضافة إلى أن السد أنشئ على بعد 20 ميلا من الحدود السودانية، بشكل طمأن القيادة السودانية بأنه لن يتم حرف مسار المياه عبر السودان”.
ويجد الكاتبان أنه “مع أن منافع السد للسودان وإثيوبيا واضحة، إلا أن آثاره على مصر، التي تفتقر للمياه، خطيرة، وتمر نسبة 85% من المياه التي تصل إلى مصر عبر إثيوبيا، فلو ملأت إثيوبيا حوض السد في مدة لا تزيد على عقد فإن مصادر المياه القادمة ستنقص، إلا أن مصر وعلى المدى البعيد تواجه مخاطر أكبر عندما يبدأ السد بتنظيم وصول المياه للأراضي الزراعية السودانية، وقدمت إثيوبيا تطمينات عامة بأنها لن تملأ السد بسرعة وبطريقة تؤثر على احتياجات مصر، والأمر يعود للقاهرة لتقبل أو تثق بهذا الكلام، ويأتي السد في وقت تبخرت فيه جهود الدولة المصرية للتحكم بالنسل وبدء الاقتصاد بالتعافي وببطء”.
وتورد المجلة نقلا عن أحد المهندسين، قوله مازحا إن السد سيولد الطاقة الكهربائية لمصر، وستزرع السودان المحاصيل، أما مصر فستشرب المياه.
ويعلق الكاتبان قائلين إن “هذه الصيغة ليست مقبولة لمصر، التي لا تزال قلقة من أي تغير في الوضع القائم”.
وينوه الكاتبان إلى أن “وتيرة الخلاف المصري الإثيوبي تراوحت من التهديد والوعيد إلى اللقاءات الدافئة، التي كانت آخرها زيارة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، التي تم فيها التأكيد على رؤية مستقبلية للسد بين البلدين، وقد يكون هذا توجها نحو الحل، إلا أن التبارز في التعبير عن الوطنية، ومخاوف عدم الاستقرار المحلية، يظلان يقيدان الطرفين، ولم تقدم إثيوبيا خطة مفصلة عن المدة التي تحتاجها لملء السد، وعادة ما تقدم الطرفان للأمام ليعودا مرة أخرى لتبادل الاتهامات”.
ويذهب الكاتبان إلى أنه “رغم التهديد العسكري، إلا أن الحرب الشاملة بين البلدين لا تزال بعيدة، بل هي أبعد بعد حالة الدفء في العلاقات، وعلى العموم فإن الباحثين يرون أن حروب المياه لا تحدث لأن تيار المياه العابر للحدود يؤدي إلى حالة من التبعية، فضرب دولة منبع يمكنه تحويل مسار المياه أمر غير حكيم، بالإضافة إلى أن مصر، التي حاولت الابتعاد عن المغامرات الدولية، سيواجه جيشها صعوبة في توجيه ضربة مباشرة للسد”.
ويستدرك الكاتبان بأن “الوضع لا يزال خطيرا أكثر من احتمال الحرب الشاملة؛ نظرا للدور المزعزع الذي يؤديه المشاركون، ومحاولة كل طرف الاعتماد على وكلاء له لمفاقمة وضع منافسه، فاتهمت مصر بتدريب قوات في إريتريا، ويمكن لمصر الضغط على الخرطوم من خلال الجماعات المتمردة في جنوب دارفور وغربها، ومن هنا فإن شبكة الوكلاء أصبحت جاهزة وفي مكانها”.
ويرى الكاتبان أن “ما يعقد الوضع هو الاكتشاف المتأخر لدول الخليج لشرق أفريقيا، وما يمكن أن يتركه التنافس بينها على مصير السد، وبدأ اهتمام الخليج في منطقة القرن منذ أن أخذت دوله تستثمر في الأراضي الزراعية، بعد ارتفاع اسعار المحاصيل عام 2007، ولأنها تستورد معظم احتياجاتها من الخارج فإنها بدأت بشراء أراض خصبة في دول شرق أفريقيا، ومنذ ذلك الوقت زادت السعودية وقطر والإمارات، بل تركيا أيضا، من نشاطاتها الاستثمارية”.
ويبين الكاتبان أنه “مع تغير التحالفات وتدفق المال فإن ما يجري، بحسب دبلوماسي غربي هو (تكالب واضح)، ويعرف اللاعبون الخارجيون أن (قليلا من المال يوزع، ويمكن منح 50 مليون دولار لشخص يقود جماعة فإنك ستغير اللعبة بالكامل) فيما ترى الخبيرة في الشؤون الأفريقية أنيت ويبر أن الطبيعة الخطرة للتنافس هي بمثابة (تجربة) تعمل على زيادة اشتعال فتيل النار”.
ويفيد الكاتبان بأن التنافس الخليجي زاد بعد حرب اليمن 2015، وحصار قطر عام 2017، بشكل أصبح فيه القرن الأفريقي ساحة عسكرية، ما يهدد بزيادة التنافس بين اللاعبين المحليين.
ويقول الكاتبان إن دول الخليج ليست وحدها في التنافس، فهناك قواعد عسكرية فرنسية وأمريكية وصينية في شرق أفريقيا، إلا أن المنطقة تأخذ قسطا كبيرا من التخطيط العسكري والاستراتيجي لدول الخليج، مشيرين إلى أنه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 أعلنت السعودية عن قاعدة بحرية في جيبوتي والإمارات في عصب الإريترية.
وبحسب المجلة، فإن قطر وتركيا وقعتا عقودا مع حكومة السودان بقيمة 5 مليارات دولار العام الماضي، وتضم تعمير ميناء سواكن، بالإضافة إلى أن البلدين استثمرا في الحكومة المركزية الصومالية.
ويختم الكاتبان مقالهما بالإشارة إلى غياب الدور الغربي والأمريكي عن الساحة في القرن الأفريقي، رغم ما تمثله المنطقة من أهمية استراتيجية.