نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للزميل الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ستيفن كوك، يقول فيه إن “العلاقة الخاصة” بين تركيا وأميركا لم تعد موجودة.
ويؤكد الكاتب في مقاله، الذي ترجمته “عربي21“، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب هي الأولى التي تفهم تركيا ومواقفها، وتقرر في هذه الحالة التصرف بناء على ذلك، مشيرا إلى أن نهاية الحرب الباردة، ومسألة القس أندرو برونسون، وهبوط العملة التركية أمام الدولار، هي علامات على اختلاف في الأولويات وتباين في المصالح.
ويشير كوك إلى ما كتبه الرئيس رجب طيب أردوغان في صحيفة “نيويورك تايمز”، وعدد المظالم التركية تجاه الولايات المتحدة، لافتا إلى أنه “مع أن هذه مظاهر قلق مشروعة، إلا أن أردوغان لم يقل الحقيقة كلها، وحاول تصوير بلاده بالضحية لسياسات الإدارة الأمريكية”.
ويلفت الكاتب في المقابل إلى انزعاج أمريكا من ناحية شراء تركيا منظومة الدفاع الصاروخية الروسية “أس- 400” في الوقت الذي ستقوم فيه بإدارة مقاتلات “أف-35″، وتعتمد على روسيا لتوفير قطع الغيار، والحفاظ على نظام “أس- 400″، “وستكون موسكو في موضع جيد للحصول على التكنولوجيا الأمريكية”.
ويقول كوك إن “تركيا عقدت من القتال ضد تنظيم الدولة عندما أجبرت أمريكا على التفاوض معها لمدة عام لاستخدام القاعدة الجوية (إنجرليك)، ومن ثم قامت بالتوغل في شمال سوريا لمواجهة الأكراد”.
ويزعم الكاتب أن تركيا بعملها هذا هددت القوات الأمريكية في سوريا، متهما تركيا بإضعاف السياسة الأمريكية تجاه إيران، من خلال التفاوض معها حول اتفاقية مستقلة، أو مساعدتها على الهروب من الحصار.
وينوه كوك إلى “اعتقال القس برونسون منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2016، الذي أصبحت قضيته نقطة توتر بين البلدين، خاصة بعد تراجع أنقرة عن الإفراج عنه، بالإضافة إلى اعتقالها 15- 20 شخصا من حملة الجنسية المزدوجة، من ضمنهم باحث في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، بتهم لا أساس لها، بالإضافة إلى اعتقال موظفي السفارة الأمريكية في أنقرة، وتم استخدامهم ورقة مقايضة لإجبار أمريكا على تسليم رجل الدين فتح الله غولن، الذي تتهمه تركيا بتدبير الانقلاب الفاشل عام 2016، أو لتأمين الإفراج عن مصرفي تركي متهم بمساعدة إيران على تجاوز الحصار”.
ويفيد الكاتب بأن تدهور العلاقات الأمريكية التركية يعد واحدة من الأزمات التي تواجه تركيا اليوم، والأزمة الثانية هي تراجع قيمة الليرة.
ويقول كوك إن “الكثيرين في واشنطن يحاولون تطوير أفكار لإنقاذ الاقتصاد التركي والعلاقات مع أنقرة، وهؤلاء يضيعون وقتهم، فلا شيء يمكن للولايات المتحدة تقديمه، طبعا لدى أمريكا مصلحة لمنع انهيار الليرة وانتشار أثرها على عملات الدولة الناشئة”.
ويرى الكاتب أن “المخاوف في الوقت الحالي قليلة؛ نظرا لقضاء المستثمرين عطلاتهم، لكن بعد آب/ أغسطس سيأتي أيلول/ سبتمبر، ولمنع المشكلات الاقتصادية، فعلى الأتراك البحث عن طرق لمساعدة أنفسهم، ولا يوجد ما يشير إلى أن أردوغان يريد المساعدة”.
ويستدرك كوك بأن “صهر الرئيس بيرات البيرق قدم خطة اقتصادية مسؤولة، وبحسب (بلومبيرغ) فهو يريد اتباع سياسة مالية منضبطة، ومساعدة الشركات التي تضررت بسبب تراجع الليرة، وعلى خلاف الشائعات، فلن تقوم تركيا بمصادرة الودائع الأجنبية، لكن الوزير أنحى باللائمة على (هجوم يقوم به لاعب كبير في النظام المالي العالمي) أي أمريكا”.
ويقول الكاتب: “يجب أن لا يندهش أحد من هذا الكلام؛ لأن أردوغان ومنذ عام 2013 يخبر الأتراك أن مشكلات اقتصاد تركيا، إن حدثت، فإنها ستكون من مسؤولية طرف آخر، فلو عانى الأتراك فلن تكون الحكومة التي يقودها رجل يؤمن بأن سعر الفائدة يقود إلى التضخم، لكن بسبب جماعات الفائدة الخبيثة”.
ويرى كوك أنه “كون أردوغان جعل الاقتصاد مسألة قومية فإن طلب المساعدة في هذه الحالة من صندوق النقد الدولي هو مخاطرة، ولهذا تمسك أردوغان بموقفه، وحمل واشنطن المسؤولية، وطلب من مواطنيه استبدال اليورو والدولار بالليرة، والاعتماد على الله، ومن هنا فلماذا يصدق أحد أن البيرق يريد إنقاذ العملة؟”.
ويذهب الكاتب إلى أن “إعلان أردوغان عن شن أمريكا حربا اقتصادية يعكس المدى الذي تدهورت فيه العلاقات الأمريكية التركية خلال السنوات الخمس الماضية، مع أن هناك شعورا بالقلق في مكاتب الخارجية والبنتاغون والعدد المتناقص من محللي السياسة الخارجية، الذين يحاولون إنقاذ الشراكة”.
ويتساءل كوك: “لكن لماذا؟ يجب أن يكون واضحا أنه لا توجد هناك شراكة استراتيجية، فالولايات المتحدة وتركيا لديهما مجموعة من الأولويات والمصالح المختلفة، وقائمة المظالم المتبادلة تعكس هذا الأمر، والانهيار ليس من عمل شخصيات ذات رؤية استثنائية في واشنطن وأنقرة، بل نتيجة لغياب التهديد المشترك الذي يجمع البلدين”.
ويعتقد الكاتب أن “عقوبات ترامب على تركيا أسهمت في تراجع الليرة، وهي خطوات مرحب بها؛ لأن الإدارات السابقة حاولت دائما التقرب لتركيا؛ أملا في الحصول على دعمها، أو أنها غضت الطرف عن أفعالها بشكل أعطى رسالة لأنقرة بأنها حليف مهم”.
ويختم كوك مقاله بالقول إن “الضغط على تركيا قد لا ينجح، مع أن الرهانات لم تعد عالية، فأهميتها لأمريكا في تراجع مستمر، وحتى أهمية قاعدة إنجرليك تراجعت في الوقت ذاته”.