شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

سباق التسليح بين الدول الكبرى.. «درون» التركية تتفوق على الطائرات الأميركية

تشكل الطائرات بدون طيار المسيرة «درون» واحدة من أكثر الأسلحة المثيرة للجدل في العالم بعد أن ازدادت وتيرة استخدامها في السنوات الأخيرة وأصبحت السلاح الأكثر فعالية بسبب قدرتها العالية على الوصول الى الأهداف مع توفير الحماية الكاملة للجنود والضباط الذين يقومون بتنفيذ العمليات العسكرية، فيما أشعل هذا السلاح سباقا للتسلح بين الدول الكبرى في العالم، إلا أن اللافت أن تركيا دخلت هذا السباق واستطاعت أن تحتل فيه مركزا متقدما وبشكل مفاجئ.

وبدخول تركيا في عملية عسكرية واسعة داخل الأراضي السورية مؤخراً أعيد تسليط الضوء على ترسانتها العسكرية، خاصة أنها الدولة الوحيدة في المنطقة العضو في حلف «الناتو»، كما أنها تعتبر واحدة من أكبر القوى العسكرية في الشرق الأوسط ويتوقع أن تلعب دوراً مهما في مستقبل المنطقة.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة «ذا إنترسبت» الأميركية العام الماضي وترجمته «عربي21»، فإن تركيا استطاعت أن تحتل مركزا متقدماً في صناعة الطائرات العسكرية المسيرة، وأنتجت طائرات «درون» تتفوق في قدراتها على تلك التي تمتلكها الولايات المتحدة والتي انفردت باستخدام هذا السلاح المتفوق على مستوى العالم في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

وبحسب دراسة أعدتها صحيفة «ذي إنترسبت» فإن تركيا تنافس الآن الولايات المتحدة وبريطانيا على موقع أكثر الدول في العالم استخداماً للطائرات المسيرة القاتلة، وتستخدم تركيا هذه التقنية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) داخل سوريا وكذلك على امتداد حدود تركيا مع كل من العراق وإيران، حيث أدى الحضور الدائم للطائرات التركية المسيرة إلى تغيير ميزان القوة لصالح الحكومة التركية في مواجهة حزب العمال الكردستاني بعد عقود من الصراع.

ويقول التقرير الأميركي إنه «بينما كانت الولايات المتحدة في طليعة الدول التي تستخدم الطائرات المسيرة المسلحة بدون طيار على مستوى العالم لما يزيد على عقد من الزمن، وكانت قد شنت أول هجوم بالطائرات المسيرة في عام 2001، فقد باتت هذه التقنية متاحة اليوم لدى ما يزيد على عشر دول، منها بريطانيا وإسرائيل وباكستان والسعودية والإمارات ومصر ونيجيريا وتركيا، وجميع هذه الدول استخدمت طائرات مسيرة مسلحة لقتل أهداف معادية منذ عام 2015».

ويضيف: «لقد أخفقت جهود واشنطن للحيلولة دون انتشار هذا السلاح، وذلك من خلال فرض قيود على صادرات الطائرات المسيرة، في تهدئة التنافس العالمي المحموم على تقنيات تصنيع هذه الطائرات. وفي نفس الوقت كانت الولايات المتحدة سباقة في شن مئات الهجمات التي راح ضحيتها كثير من المدنيين خلال العقد المنصرم».

ويقول كريس وودز، وهو صحفي عمل على مدى ما يزيد على العقد من الزمن في تتبع استخدام الطائرات المسيرة ويشغل منصب مدير مؤسسة «إيرويز» لرصد الصراعات: «لقد تجاوزنا الزمن الذي كان يمكن فيه التحكم بانتشار الطائرات المسيرة المسلحة. فالعديد من الدول، وحتى الجهات الفاعلة خارج إطار الدولة، باتت تملك قدرات عسكرية من ضمنها الطائرات المسيرة المسلحة – والتي تُستخدم عبر الحدود وداخلها – ما يعني أننا بتنا داخل العصر الثاني للطائرات المسيرة، ألا وهو عصر انتشارها».

ويخضع خبراء الطائرات المسيرة المسلحة في الولايات المتحدة للرقابة من قبل الكونغرس ومن قبل المؤسسة العسكرية، وبذلك تبقى إجراءات الحصول عليها طويلة ومعقدة، ولذلك اختار بعض المشترين ابتياع الطائرات المسيرة المسلحة من الصين والتي باعت لما يزيد على عشر دول طائرتها المسيرة من طراز (CH-4) والتي لا تقل قدراتها عن قدرات الطراز المعروف باسم بريداتور، ولكن حتى لو قررت الدول الأكثر تطويراً لهذه الطائرات، مثل الولايات المتحدة والصين، تقييد بيع الطائرات المسيرة المسلحة، فقد خرج المارد من القارورة – وصار بالإمكان إعادة إنتاج التكنولوجيا، وذلك بالضبط ما فعلته تركيا.

تبرز تركيا الآن ليس فقط بوصفها الدولة الأكثر تقدماً في تطوير الطائرات المسيرة وإنما أيضاً بوصفها البلد الوحيد الذي يستخدمها بشكل منتظم.

مخترع الــ«درون» التركي

 يقول تقرير «ذا إنترسبت» الأميركية إن الفضل في برنامج الطائرات المسيرة الفتاكة في تركيا يعود لرجل اسمه سلجوك بيرقتار.

ففي عام 2005 -بحسب التقرير- أقنع بيرقتار مجموعة من المسؤولين الأتراك بحضور عرض صغير لطائرة مسيرة من صناعة محلية كان هو من طورها. وكان الشاب البالغ من العمر 26 عاماً قد درس الهندسة الكهربائية في أرقى جامعة تركية وحصل على شهادة الماجستير من جامعة بنسلفانيا وسجل لدراسة الدكتوراه في إم آي تي (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا).

كان بيرقتار مهتماً بتقنية عصرية أدرك أنها ستصبح ذات بال كبير في مجال التصنيع الحربي. ولكنه كان ينتابه قلق إزاء ما الذي سيفعله بعد الانتهاء من دراسته وقد حانت لحظة العودة إلى تركيا.

وتوجه بيرقتار نحو المسؤولين الأتراك الذين وقفوا بجانب طائرته المسيرة ليقول لهم: «يعمل العديد من أصدقائي المبتعثين في تطوير مشاريع عسكرية أمريكية. وههنا ترون هذا الشيء العجيب – ولكن ما الذي سيعملون فيه، وما الذي سأعمل فيه، بعد العودة إلى تركيا؟».

شاهد المسؤولون الطائرة المسيرة وهي تقلع بنفسها، وقفوا مكتوفي الأيدي يراقبونها وهي تهبط ثم تقفز برشاقة على الأرض وتنساب نحو ذراعي بيرقتار المنتظر لها.

مضى بيرقتار ليقول: «إن بوينغ ولوكهيد شركات كبيرة، أليس كذلك؟ نحن نصنع نفس تلك الأنظمة. إذا دعمت تركيا هذا المشروع، هذه الطائرات المسيرة، فقد تكون تركيا خلال خمسة أعوام في صدارة العالم، بكل سهولة».

كانت تلك خطوة جريئة لكنها لم تفلح مباشرة في كسب المسؤولين. قبل ذلك اليوم كان بيرقتار شخصاً مغموراً إلى حد كبير لا يعرفه أحد داخل أروقة السلطة في أنقرة.

وأثناء دراسته الجامعية في الولايات المتحدة كان زملاء بيرقتار في المجال الأكاديمي ينحدرون من كل أصقاع العالم. أثبت من خلال بحثه لدرجة الماجستير في «إم آي تي» أنه بالإمكان من خلال خوارزميات محددة إتمام عملية هبوط لطائرة عمودية غير مأهولة في بيئة صعبة للغاية، وحتى بشكل عمودي على جدار. وكان قد استهل بحثه بحمد الله تعالى ثم بشكر المشرف عليه وأخيراً بشكر بضعة من أصدقائه المقربين وفرع رابطة الطلبة المسلمين داخل الجامعة.

داخل تركيا، كانت عائلته تملك شركة اسمها «آليات بيرقتار»، والتي أسسها والده المهندس في عام 1984 لإنتاج قطع السيارات كجزء من مسعى تركيا لتصنيع السيارات محلياً. ولكن في مطلع الألفية الجديدة بدأت الشركة تركز اهتمامها على العربات الجوية غير المأهولة.

وبحلول عام 2007 تخلى بيرقتار عن دراساته العليا في «إم آي تي» وعاد لكي يتفرغ للعمل في تطوير الطائرات المسيرة داخل تركيا. استغرق الأمر بضعة سنين بالإضافة إلى عدد من التغيرات غير المتوقعة في العلاقات الدولية حتى يجد بيرقتار طريقه نحو الصدارة في برنامج تركيا لإنتاج الطائرات المسيرة الفتاكة.

وحينما استعرض بيرقتار طائرته المسيرة المصنوعة محلياً كان يوجد لدى تركيا برنامج لتصنيع الطائرات المسيرة طورته مؤسسة الصناعات الجوية والفضائية التركية “تي إيه آي” والتي تعتبر محطة توليد التصنيع الدفاعي في البلاد. إلا أن البيروقراطيين في أنقرة، وبشكل خاص داخل المؤسسة العسكرية المتنفذة، ظنوا أن الحكمة تقتضي شراء تلك التقنية من الولايات المتحدة بدلاً من الاستمرار في تطويرها بأنفسهم، وذلك على الرغم من عدة عقود من خيبة الأمل منيت بها تركيا من قبل هؤلاء الحلفاء.

ومنذ عام 1975 فرضت الولايات المتحدة قيوداً على تصدير الأسلحة بعد غزو تركيا لجزيرة قبرص، وصارت علاقة تركيا بواشنطن علاقة قلقة، الأمر الذي حفز تركيا على تطوير صناعة دفاعية خاصة بها.

وتأسست على مدى العقد التالي مجموعة من المؤسسات المحلية التي تعمل في مجال التصنيع الدفاعي مثل تي إيه آي، ولكنها كانت على الأغلب تركز على الأساسيات مثل الذخيرة والأسلحة الخفيفة ولكنها عملت أيضاً في عدد صغير من المشاريع الأكبر حجماً مثل الصواريخ الموجهة والطائرات.

العصر الأول

 وتقول «ذا إنترسبت» إن تركيا دخلت العصر الأول للطائرات المسيرة بالأسلوب التقليدي القديم، حيث اشترت ست طائرات مسيرة غير مسلحة من مؤسسة أميركية اسمها جنرال أتوميكس في عام 1996.

كانت تلك الطائرات المسيرة من طراز غانت 750، طائرات بسيطة تقوم بمهمة التصوير ونقل مقاطع الفيديو، تم استخدامها في مناطق جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية حيث كان مقاتلو حزب العمال الكردستاني – المجموعة الكردية الانفصالية – يحاربون الحكومة التركية ويعتمدون على ما توفره لهم الممرات الجبلية الوعرة من غطاء يلوذون به من ملاحقة قوات الأمن التركية لهم.

في تلك المناطق التي تتداخل فيها حدود تركيا مع كل من العراق وسوريا، بدأت طائرات الغانت المسيرة بتزويد الأتراك بمقاطع فيديو تكشف تحركات عناصر حزب العمال الكردستاني، ولكن كانت القوات التركية في الميدان تستغرق وقتاً طويلاً لتتجاوب مع المعلومات التي توفرها لها تلك الأفلام المصورة، كما يقول نجدت أوزجيليك، الضابط السابق في قيادة القوات الخاصة التركية، والذي تقاعد في عام 2014 بعد أن خدم في مناطق الجنوب الشرقي.

يقول أوزجيليك: «كانت الطائرات المسيرة تحصل على المقاطع المصورة من الميدان ثم ترسل تلك البيانات إلى مركز للعمليات، وبعد تقييم المقاطع المصورة، من المفروض توفير معلومات استخباراتية تُزود بها القوات العاملة في الميدان. كان ذلك يؤدي إلى تأخير مدته عشرين دقيقة، وكما تعلم فإن عشرين دقيقة وقت طويل في البيئة القتالية».

المؤامرة «الإسرائيلية»

 في عام 2006 طلبت تركيا شراء عشر طائرات مسيرة من طراز هيرون من إسرائيل التي كانت تستخدم الطائرات العسكرية غير المأهولة منذ السبعينيات. استغرق تزويد إسرائيل لتركيا بتلك الطائرات المسيرة خمسة أعوام. ثم اتهمت أنقرة الإسرائيليين بالقيام عمداً بتخريب المحرك وأنظمة التصوير، وأعادت الطائرات إلى إسرائيل للتصليح. استغرق إصلاح الخلل في الطائرات عدة سنوات أخرى. في البداية كانت طائرات هيرون التي حصلت عليها تركيا أخيراً يتم تشغيلها من قبل موظفين «إسرائيليين»، فشك المسؤولون الأتراك بأن المقاطع المصورة الواردة من تلك الطائرات كانت تسرب سراً إلى المخابرات الإسرائيلية. ولذلك ما كانت طائرات الهيرون لتلبي رغبات تركيا من الطائرات المسيرة.

وفي عام 2010 قطعت تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع «إسرائيل» بشكل تام بعد أن قتل هجوم «إسرائيلي» تسعة مواطنين أتراك كانوا على متن «أسطول الحرية» الذي يضم عدة سفن حاولت الوصول إلى قطاع غزة بحراً لكسر الحصار. وفي وقت لاحق من ذلك العام، كشفت تركيا عن ما زعمت إنه طائرة مسيرة تم تطويرها محلياً لتحل محل طائرة الهيرون. كانت تلك طائرة العنقاء، أو الفينكس، التي طورتها شركة تي إيه آي، والتي بلغت المسافة ما بين طرفي جناحيها ستة وخمسين قدماً وكان بإمكانها التحليق لمدة أربع وعشرين ساعة متواصلة على ارتفاع عشرة آلاف متر تقريباً. ولكنها مثلها في ذلك مثل طائرة الهيرون كانت غير مسلحة، ما يعني أن حلقة حيوية مازالت مفقودة في «سلسلة القتل»، كما يقول أوزجيليك.

وفي عام 2011 على سبيل المثال، شن مئات المقاتلين من حزب العمال الكردستاني هجمات متزامنة على قواعد تركية في إقليم هكاري الواقع في جنوب شرق البلاد. حينها، وفرت طائرات الهيرون المسيرة تصويراً حياً ومباشراً من أعلى لأشد هجوم قاتل يشنه مقاتلو حزب العمال الكردستاني منذ عقود. يقول أوزجيليك: «خلال تلك الهجمات، كل ما زودت به طائرات الهيرون المسيرة تركيا كان مقاطع مصورة، ولم يكن لدى الأتراك قدرات على التجاوب أو على الرد السريع ضمن منظومات طائرات الهيرون المسيرة». فلم يكن في جعبة تركيا رداً على تلك الهجمات سوى أن تنشر الآلاف من قواتها وتشن عمليات عسكرية مضادة على امتداد الحدود مع العراق.

وفي تلك الأثناء، كانت تركيا أيضاً تحصل على مقاطع فيديو وإشارات استخباراتية من الولايات المتحدة، بما في ذلك من بضع طائرات مسيرة من طراز بريداتور (المفترس) والتي يطيرها الأمريكان أنفسهم. إلا أن واشنطن، وبالإشارة إلى هواجس من أن حليفتها في الناتو قد تشكل تهديداً أمنياً لإسرائيل، فقد رفضت بيع تركيا طائرات مسيرة مسلحة. وبحلول عام 2016 تحولت تركيا بعيداً عن الاعتماد على حليفتها القديمة التي رغم ذلك لا يمكن الاعتماد عليها أو الوثوق بها وألقت بثقلها في خضم سباق تسلحي مع واشنطن ومع بلدان الناتو الأخرى. وبذلك أصبح تطوير طائرة مسيرة قاتلة خاصة بها على رأس سلم أولوياتها، وهي الفرصة التي سنحت لبيرقتار.

فقط قبل سنوات قليلة لم يكن بيرقتار قادراً حتى على الحصول على إذن من المؤسسة العسكرية في تركيا لاختبار طائراته المسيرة وهي تستخدم الذخيرة الحية. يذكر في هذا الصدد أن ضباط الجيش، الذين يحصلون في العادة على ترقيات ليس بسبب استحقاقهم لها وإنما بسبب ما يبدونه من ازدراء للشعائر الإسلامية، كانت تنتابهم ريبة شديدة حينما يتعلق الأمر بعائلات مثل عائلة بيرقتار المعروفة بتدينها والتزامها الإسلامي.

إلا أن المهندس الشاب، الذي اكتسب شهرة بسبب نقده الصريح لاعتماد تركيا على إسرائيل، كان ينال اهتمام الجهات المناسبة. ففي عام 2006 فاز بيرقتار في منافسة طرحها الجيش التركي لطائرات مسيرة صغيرة، ما لبثت أنقرة أن طلبت منه تزويدها بتسع عشرة طائرة منها تم نشرها في المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد.

اشتغل آل بيرقتار على الرتب الدنيا داخل الجيش فأقنعوا الجنود على السماح لهم بمرافقتهم في الميدان حيث تسنى لهم تدوين ملاحظات تفصيلية حول نوع التكنولوجيا المطلوبة. أثمرت جهودهم تلك في عام 2015 عندما قدموا استعراضاً مثيراً للإعجاب لأكثر طائراتهم المسيرة تقدماً، وهي طائرة  TB2، التي جذبت انتباه المؤسسة العسكرية في تركيا.

ومن على ارتفاع يصل إلى أربعة كيلومترات، ضربت الطائرة المسيرة هدفاً على مسافة تبعد ثمانية كيلومترات منها باستخدام صاروخ موجه من صناعة تركية. وفي نفس تلك السنة، حقق بيرقتار اختراقاً عبر طريق أخرى – حيث تزوج من البنت الصغرى للرئيس رجب طيب أردوغان، ومنذ ذلك الحين باتت شركته الصانع المفضل للطائرات المسيرة بالنسبة لتركيا.

طائرة (TB2)

وتشكل طائرة (TB2) الآن العمود الفقري لعمليات أنقرة الجوية. بإمكان هذه الطائرة التحليق على ارتفاع أربعة وعشرين ألف قدم لمدة تصل إلى أربع وعشرين ساعة ولكنها تعتمد على محطات تحكم أرضية للاتصال. بإمكانها أن تحمل وزناً يصل إلى 120 رطلاً لمسافة تصل إلى 150 كيلومتراً. تحلق طائرات TB2 والتي تستخدمها الآن القوات التركية ما مجموعه ستة آلاف ساعة في الشهر وغدت عاملاً مهماً في تغيير قواعد اللعبة في حملة تركيا المضادة لتمرد حزب العمال الكردستاني في الجنوب الشرقي. ولم يعد الآن بإمكان عناصر حزب العمال الكردستاني التحرك في مجموعات كبيرة كما كانوا يفعلون في عام 2011.

يقول أوزجيليك: «بالنسبة لتركيا، تعتبر تقنية الطائرات المسيرة المسلحة هي أهم شيء يتيح لتركيا التفوق في عملياتها ضد الإرهابيين. بات كل شيء يدور حول تقنيات الطائرات المسيرة المسلحة».

انتشر كالنار في الهشيم مقطع الفيديو الذي ظهر فيه بيرقتار لأول مرة وهو يستعرض طائرته المسيرة في تركيا، بل لقد أصبح الرجل نفسه ذائع الصيت بوصفه بطل الطائرات المسيرة.

لا يمكنك الاستسلام لطائرة مسيرة

 في أميركا، يقتصر النقاش حول الطائرات المسيرة القاتلة بشكل عام على الطائرات المسيرة القاتلة ضمن ترسانة الأسلحة الأمريكية. ولكن بفضل انتشار التكنولوجيا الأمريكية، وبسبب انعدام الإدراك لدى الأمريكيين بما يجري خارج حدود بلادهم، فقد باتت تركيا الآن من أكثر المستخدمين لهذا النوع من السلاح.

ويكاد حضور الطائرات المسيرة التركية في أجواء المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد يكون حضوراً دائماً، فلا يكاد يمر يوم دون أن تقوم طائرة مسيرة تركية، في العادة من طراز TB2، إما بإطلاق صاروخ على هدف ما أو توفر معلومات حول موقع هدف ما تقوم بالتالي طائرة من طراز F-16 أو طائرة عمودية هجومية بقصفه. خلال العامين الماضيين، وبينما تتعقب القوات التركية عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الشمال السوري وداخل العراق، مكنت الطائرات المسيرة أنقرة من تصفية أعضاء تلك المجموعة المحظورة من الجو، ما أكسبها هيام الشعب الذي يحلق فوق موجة من المشاعر الوطنية.

وبحسب المصادر الرسمية، نفذت طائرات TB2 التركية عمليات استخدمت فيها قنابل موجهة من صناعة تركية أسفرت عن قتل 499 شخصاً في شمال غرب سوريا ما بين يناير وإبريل من عام 2018. كما قتل عشرات آخرون في شمال العراق بما في ذلك بعض قيادات حزب العمال الكردستاني الذين ما فتئت أنقرة تتعقبهم على مدى عقود. وأما داخل تركيا، في المناطق ذات الأغلبية الكردية، فقد قتل ما لا يقل عن أربعمائة شخص في هجمات نفذتها طائرات مسيرة منذ عام 2016.

وأثبتت هذه الهجمات أنها تتمتع بشعبية كبيرة داخل البلاد، ما حول الطائرات المسيرة إلى نوع غريب من الأيقونة الثقافية، لدرجة أن الرئيس أردوغان نفسه رسم بيده توقيعه على بضع طائرات مسيرة من طراز TB2. كما يقوم حكام الولايات التركية التي تعاني من التمرد في جنوب شرق البلاد بزيارات منتظمة إلى حظائر الطائرات التي تستودع فيها الطائرات المسيرة ليشيدوا بالوحدات المكلفة بتشغيلها ولكي يدعو لعناصرها بالتوفيق والسداد.

إلا أن تبني تركيا لعمليات القتل عن بعد يواجه بنفس الانتقادات من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان كتلك التي بدأت توجه نحو حملة واشنطن باستخدام الطائرات المسيرة قبل ما يزيد على عقد من الزمن. هناك ما يثبت أن بعض من يتم قتلهم بهجمات الطائرات المسيرة التركية هم مدنيون. إلا أنه في أجواء الحماسة القومية التي تجتاح البلاد، تُركت مهمة تحديد من ينبغي أن يُستهدف من قبل الطائرات المسيرة لحكومة تتمتع بتفويض واسع للقيام بكل ما يلزم من أجل القضاء على المجموعات الإرهابية، وهذا يعني أن القليل من الاهتمام يوجه نحو الأخطاء القاتلة التي ترتكب أثناء العمليات.

ويقول كريس وودز من مؤسسة إيروارز: «ليس من الممكن أن يُلقى عليه القبض من قبل طائرة مسيرة. ثمة نتيجة واحدة عندما تنطلق الأسلحة، وتلك قوة فتاكة.. وهذا مصدر قلق كبير، وخاصة عندما تستخدم الطائرات المسيرة محلياً».

هجوم مثير

 لا تتردد الحكومة التركية في نشر تفاصيل عمليات القتل التي تنفذ بواسطة الطائرات المسيرة، بل هي تفتخر بها.

كان أحد أكثر تلك الهجمات إثارة ذلك الذي وقع في الخامس عشر من أغسطس 2018. في ذلك اليوم، كان إسماعيل أوزدن، وهو مواطن تركي تقول السلطات إنه مسؤول عن عمليات حزب العمال الكردستاني في سنجار شمال العراق، كان يحضر احتفالاً بالقرب من قرية كوتشو. وعندما غادر الحفل كانت المخابرات التركية ترصد هواتف الستالايت التي يحملها مرافقوه وتمكنت من معرفة أنه ينتقل في شاحنة صغيرة بيضاء تشكل جزءاً من موكب تابع لحزب العمال الكردستاني.

وكانت الحكومة التركية قد نشرت مقطع فيديو يصور الهجوم. وذلك أن طائرة مسيرة من طراز TB2 كانت تراقب أوزدن من أعلى وتتعقب موكبه، بينما انطلقت قنبلة موجهة باتجاه شاحنته الصغيرة فأصابتها. ظلت الطائرة المسيرة تراقب بينما اندفع العشرات من زملاء أوزدن نحو الطريق لينقلوه إلى عربة أخرى، وما إن انطلقت العربة الثانية باتجاه الطريق المؤدي إلى قاعدة محصنة تابعة لحزب العمال الكردستاني حتى عاجلتها الطائرة المسيرة بضربة فتكت بأوزدن وقتلت عشرة آخرين. بعد أيام من ذلك، بثت القنوات الإخبارية والصحف التركية أخباراً تشيد عناوينها بالعملية التي نفذتها الطائرة المسيرة.

في هجوم واحد فقط – تم تنفيذه ضد أهداف كردية في محافظة عفرين السورية – شاركت الطائرات المسيرة من طراز TB2 في قتل ما لا يقل عن خُمس عدد من زعمت تركيا تصفيتهم في ذلك الهجوم. لقد قتلت الطائرات بشكل مباشر 449 عنصراً بينما وفرت معلومات لاستهداف 680 آخرين على مدى ثلاثة أشهر. واستخدمت طائرة مسيرة من طراز TB2 لتدمير صورة ضخمة لمؤسس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان كانت منصوبة على سفح جبل داخل سوريا (نشرت الحكومة مقطع فيديو يصور هذه العملية). وبعد أن ادعت مجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان أن الهجمات التركية استهدفت مستشفى في عفرين، فقد نشرت تركيا مقطع فيديو صورته الطائرة المسيرة يثبت أن أضراراً طفيفة فقط لحقت بالمستشفى.

لقد ذاعت شهرة هجمات عفرين لدرجة أنه بإمكانك اليوم ممارسة لعبة على الهواتف الذكية صممها طلاب الجامعات التركية حيث تقوم بقيادة طائرة مسيرة مسلحة في عفرين. وقال بن علي يلدرم، رئيس الوزراء التركي حينذاك: «لقد غيرت هذه العربات غير المأهولة – الحربية منها وغير الحربية – مصير عملية عفرين ومكنت تركيا من أن تكون لها اليد العليا».

ومع ذلك، فإنه حينما يتعلق الأمر بمن هم أولئك الذين تقتلهم الطائرات المسيرة، فليست كل عملية من هذه العمليات على نفس الدرجة من الشفافية كتلك العملية التي أنهت حياة أوزدن في شمال العراق.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023