نشرت مجلة «ايكونوميست» تقريرا ترجمته «عربي21»، قالت فيه إن العديد من العرب كانوا يعتقدون قبل عام 2011، أن الإسلاميين، إذا أتيحت لهم فرصة عادلة، فسيكونون قوة لا يمكن إيقافها في السياسة الديمقراطية.
وقالت المجلة إن هذا الرأي شاطره المؤيدون والمعارضون على حد سواء، حيث كان المؤيدون يرون في الإسلاميين أنهم طاهرون، ولا تفسدهم السلطة، وماهرون في تقديم الخدمات الاجتماعية، وفي وضع جيد لإدارة الحملات.
بينما اعتقد المعارضون أنهم سيستخدمون الديمقراطية للانقضاض على السلطة ثم إلغائها: «رجل واحد، صوت واحد، مرة واحدة»، كما كانو يقولون.
ولعقود لم يتمكن سوى القليل من اختبار هذه الفرضية، فرضية اختبار نوايا الإسلاميين في الحكم، وكان التوجه الإسلامي يشكل التحدي الأيديولوجي الرئيسي للقومية العربية، لكنه تعرض للقمع في جميع أنحاء المنطقة من قبل أنظمة ناصرية وبعثية ويسارية، وكانت جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في مصر عام 1928، «محظورة ولكن تم التسامح معها» رسميا، وسمح لها بالقيام بأعمال خيرية، لكنها في الغالب أبعدت عن السياسة.
وعانت الجزائر من حرب أهلية طاحنة في التسعينيات بعد أن رفضت الحكومة فوز الإسلاميين في الانتخابات، وقام حافظ الأسد بتدمير جزء كبير من حماة في عام 1982، ما أسفر عن مقتل الآلاف، لسحق ما قيل إنه تمرد إسلامي.
وساهمت هذه التجارب كثيرا في تشكيل الإسلاميين الذين يتنافسون عبر صناديق الاقتراع على السلطة بعد الربيع العربي، ما خلف قمعا وحشيا بحقهم.
عندما أجرت مصر أول انتخابات برلمانية حرة بين عامي 2011 و2012، انتصر الإخوان المسلمون في عدة جولات انتخابية هامة، حيث فاز حزب الحرية والعدالة التابع لهم بـ44% من المقاعد، ثم فازوا بالرئاسة.
بعد فوات الأوان، يتمنى بعض أنصار الإخوان أن يتمكنوا من عكس قرار المشاركة في انتخابات الرئاسة، التي أتت بمحمد مرسي الرئيس الراحل الوحيد المنتخب بحرية في تاريخ مصر والذي تم اعتقاله وإيداعه وقيادات أخرى بالجماعة السجن، حتى وفاته بعد عملية انقلاب قادها عبد الفتاح السيسي.
في سوريا ساعدت الصبغة الإسلامية للعديد من الثوار السوريين في دفع الأقليات للتحالف مع نظام الأسد.
واشتهر حزب النهضة التونسي بتنازله عن السلطة في عام 2014 بعد سلسلة من الاغتيالات، وإنقاذ «ربما لفترة وجيزة» الديمقراطية الوليدة في تونس.
وبعد عقد من الزمن سعى فيه الإسلاميون إلى النفوذ في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن الأماكن الوحيدة التي باتوا يسيطرون عليها ليست دولا على الإطلاق: حماس في غزة، وهيئة تحرير الشام، وهي جماعة جهادية تسيطر على جزء من شمال غرب سوريا.. وفي أماكن أخرى، يقفون مرة أخرى في موقف دفاعي، قد لا يعاودون الظهور كقوة مهيمنة، فيما تشير التجارب القصيرة التي أجراها الإسلاميون في الحكم إلى أن لديهم أفكارا قليلة عما يجب عليهم فعله.
النموذج التركي
بحلول عام 2011، كانت تركيا قد استجمعت الكثير من القوة الناعمة في العالم العربي. كانت مقصدا سياحيا شهيرا ومصدرا للمسلسلات التلفزيونية المحببة المدبلجة إلى العربية.
كانت لديها حكومة إسلامية معتدلة ذات اقتصاد مزدهر وسمعة إيجابية – نموذج لما يأمل بعض النشطاء العرب في بنائه، كانت تركيا واحدة من الدول القليلة التي عارضت الانقلاب في مصر علنا. ومع تنامي الثورة العربية المضادة، فإنها أصبحت ملاذا آمنا للإسلاميين الذين تطاردهم الأنظمة القمعية.
عندما وصل الإسلاميون إلى السلطة، يبدو أنهم لم يفكروا في كيفية استخدامها. في خريف عام 2012، أشرفت الحكومة المصرية بقيادة الإخوان على محاولة صياغة دستور جديد. تناولت إحدى أكثر المقالات إثارة للجدل: دور الشريعة «القانون الإسلامي» في المحاكم المصرية.
مالت الفروق الدقيقة في النقاش حينها نحو التخصص، غير المفهوم لأي شخص ليس لديه خلفية في القانون والدين.
كان الليبراليون غاضبين من أن اقتراح الإخوان ذهب أبعد مما ينبغي، واستشاط السلفيون المتشددون غضبا من أنه لم يذهب بعيدا بما فيه الكفاية. شغل هذا السؤال الحكومة لأسابيع، في وقت كان ينبغي أن تركز فيه على قضايا أكثر إلحاحا، مثل الاقتصاد.
الحالة التونسية
يقدم حزب النهضة مثالا معبرا، حتى لو كان ذلك فقط لأن التحول الديمقراطي في تونس منحه عقدا من الزمن لممارسة السياسة.
وقد تجنب الحزب في الغالب محاولة فرض الدين على بلد به سكان علمانيون مؤثرون استوحوا من المفاهيم الفرنسية للعلمانية.
وكثيرا ما كانت سياساته الاقتصادية لا يمكن تمييزها عن سياسات النظام القديم. وأبرم صفقة مع صندوق النقد الدولي، وفرض تقشفا واشتبك مع النقابات العمالية القوية في البلاد.
يستحق الغنوشي الثناء على استقالته عام 2014 وشراكته مع الباجي قايد السبسي، رئيس التحالف المناهض للإسلاميين. وقال: «لقد وضعنا كل رهاناتنا على تحالف مع خصوم الأمس»، لكن الناخبين عاقبوه: انخفضت حصة حزب النهضة في التصويت من 28% في 2014 إلى 20% في 2019.
ثم جاء قيس سعيد، الدخيل السياسي الذي انتخب رئيسا في عام 2019. في يوليو، قام بنوع من الانقلاب، ووسع الدستور لتفعيل سلطات الطوارئ، وإقالة رئيس الوزراء، وتعليق عمل البرلمان.
لقد كانت خطوة غير ديمقراطية لكن العديد من التونسيين، الذين سئموا من عقد من الشلل السياسي والألم الاقتصادي، أيدوها أو كانوا غير مبالين.
في البداية، وصف حزب النهضة تحركه بأنه انقلاب واضح، وهو وصف لا يحظى بشعبية حتى مع بعض مؤيديه: حثت الكوادر الشابة القيادة على الاستقالة، ومنذ ذلك الحين خففت من حدة لغتها وقبلت الحاجة إلى «النقد الذاتي».
بعد عقود من التحضير المفترض للسلطة، وجد الإسلاميون أنفسهم غير مستعدين للمهمة – ويواجهون جدارا من المعارضة من الدول العربية الأخرى، التي ترى الإسلام السياسي تهديدا مميتا.