شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

انقلابات تركيا.. حرب الهوية أفشلتها إرادة الشعب

انقلابات تركيا.. حرب الهوية أفشلتها إرادة الشعب
  الانقلابات العسكرية ليست حدثًا عفويًا أو ردود أفعال وقتية، بل هي مخططات مرسومة لإجهاض إيمان الشعوب في أن خلاصهم...
 
الانقلابات العسكرية ليست حدثًا عفويًا أو ردود أفعال وقتية، بل هي مخططات مرسومة لإجهاض إيمان الشعوب في أن خلاصهم السياسي في استكمال مسيرتهم نحو سقف لا محدود من الديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، من خلال فرض وصاية غير شرعية بنكهة عسكرية على الإرادة الشعبية. البرجماتية العسكرية هي التي تبرر هذا الوثوب اللاأخلاقي على إرادة الشعوب، ومصادرة اختياراتها، وهي شارع طويل المدى، شاحح الملامح، صامت المعاني.
 
وفي تركيا وبالرغم من مرور أكثر من ثلاثين عاماً، بدأت في أنقرة محاكمة الجنرال المتقاعد "كنعان ايفرن"، الرئيس التركي الأسبق، وقائد انقلاب 1980م العسكري الدموي، ورفيقه تحسين شاهينكايا، في قضية تاريخية تمثل محاكمة لحكم العسكر الذي استمر لثلاثة عقود وشكل ملامح تركيا الحديثة.
 
 
انقلاب 1980  وحجته "القضاء على الأرهاب"
 
ويعود انقلاب كنعان إلى عام 1980 حيث كان يحظى باحترام كبير من قادة الجيش، والضباط، الذين نشؤوا على فكرة واحدة، وهي حماية المبادئ الأساسية لتركيا والتي وضعها "كمال أتاتورك"، ولاعتقادهم الجازم بأن سبب تدهور الامبراطورية العثمانية واندحارها عسكرياً كان لارتباطها بالأقطار العربية مع الحالة الإسلامية المؤمنة بالقضاء والقدر.
 
وكان من أهم أسباب الانقلاب هو فشل حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات، وهكذا دأْبُ الفاشلين سياسيًا في كل زمان ومكان يبحثون عن ظهر دبابة يعتلونها لاقتحام المشهد السياسي، فبعد الفشل الذي جناه حزب الشعب لم يبقَ أمامه سوى التآمر مع العسكر لقلب نظام الحكم، وقاموا بالانقلاب 1980 .
 
وكما هو في أغلب البلدان التي قام فيها العسكريون بانقلابات على رؤساء شرعيين، كانت بحجة "محاربة الإرهاب" كذلك كان انقلاب تركيا عام 1980، حيث جاء في البيان العسكري الأول الذي أذيع في الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 12 أيلول 1980 من الإذاعة والتلفزيون من قبل "كنعان ايفرين"، أسباب هذا الانقلاب العسكري وطبيعته وأهدافه، ودعا فيه إلى التمسك بمبادئ أتاتورك وأن يشنوا  ما أسماه نضالاً ضد  "الفوضى والإرهاب"، وضد الشيوعيين والفاشيين و"العقائد الدينية المتزمتة".
 
واختتم البيان قائلاً: "أيها المواطنون الأعزاء، لكل هذه الأسباب اضطرت القوات المسلحة لانتزاع الـسلطة بهدف حماية وحدة البلد والأمة، وحقوق الشعب وحرياته وضمان أمن الناس وحياتهم وممتلكاتهم وسعادتهم ورخائهم، ولضمان تطبيق القانون والنظام.. وبتعبير اخر استعادة سيادة الدولة بشكل نزيه".
 
وتضمن البيان الثاني للانقلاب حلّ حكومة "سليمان ديميريل" والمجلس الوطني التركي الكبير ، ورفع الحصانة البرلمانية عن اعضائه، في حين جاء البيان الثالث متضمناً اعتقال زعماء الأحزاب السياسية؛ "بولنت اجاويد" و"سليمان ديميريل"، و"نجم الدين أربكان"، و"ألب أرسلان توركيش"، إضافة إلى عدد من البرلمانيين والزعماء النقابيين. وشكل كنعان ايفرين وقادة الانقلاب العسكري الأربعة، مجـلس الأمن القومي، وهو الهيئة التي حكمت تركيا لحين الانتخابات العامة في تشرين الثاني 1973.
 
وقام "كنعان" بعد خطابه الذي أعلن فيه الانقلاب وحربه على الإرهاب بتعليق الدستور، وأعلن الأحكام العرفية في تركيا، وحكم البلاد مباشرة دون غطاء مدني، وأصدرت المؤسسة العسكرية قراراً بتعليق نشاط الأحزاب ثم حلها، كما أصدرت دستورًا جديدًا في 12/9/1982 مُنح بموجبه رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة لم يتمتع بها أي رئيس جمهورية تركية قبل ذلك، وتضمن دستور 1982 نصًا صريحًا في المادة 13 على حظر الأحزاب الدينية والفاشية والاشتراكية، وبذلك تم حظر الأحزاب المناوئة لحزب الشعب والعلمانية، وحاول العسكر بهذه الإجراءات إعادة ترسيم الخريطة التركية جغرافيًا وسكانيًا ودينيًا ومذهبيًا وحزبيًا، وفي المقابل سُرّت أوروبا بهذه الخطوات وكافأت الانقلابيين بدعم لا محدود وقبول تركيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي.
 
 
العسكر حامي حمى "اللادينية"
 
ولم يكن انقلاب 1980 والذى قاده "كنعان ايفرن" هو الانقلاب الوحيد الذي مرت به تركيا، على مر تريخها، فابتداءً من سنة 247هـ أصبح القادة العسكريون الأتراك هم المسيطرون الفعليون على مقاليد الخلافة، يعيّنون من يشاؤون من الخلفاء ويعزلون من يشاؤون، فالعنصر التركي الذي استعانت به الدولة الإسلامية كانت إسهاماته الأولى في الجانب العسكري، وكانت نتيجة طبيعية أن يلعب الجانب العسكري دورًا فاعلًا عند السلاجقة أو العثمانيين الذين كانوا أصلًا يسمون سلاجقة الروم، وكانت دولتهم في تخوم الدولة البيزنطية والذين أعجبهم لقب "غازي" الذي خلعه عليهم السلاجقة لمواصلتهم الجهاد تجاه الدولة البيزنطية.
 
وكان العامل العسكري هو الأقوى في توحيد المنطقة ومن ثم مواصلة الغزو غربًا ليجتاحوا أوروبا الشرقية وينهوا الدولة البيزنطية ويُدخلوا الإسلام إلى ربوع أوروبا حتى أبواب فيينا.
وقد أثر نظام الجيش حتى في النظام الإداري المدني في الأماكن المفتوحة، فكانت الوحدة الإدارية الأساس والتي تسمى "السنجق" والتي تعني اللواء، هذا اللواء أو السنجق هو الذي يقوم على السلطة السياسية والعسكرية، وكان في الأغلب الأعم يتكون من الطبقة الإدارية من العسكريين، وفي الدولة العثمانية منذ بدايتها وحتى نهايتها نجد أن الجيش كان عنصرًا مهمًا في التغيرات السياسية التي طرأت عليها.
 
لذلك؛ كان من الطبيعي عندما سقطت  الخلافة العثمانية أن تحل مكانها دولة تركيا المعاصرة، حيث يكون الجيش هو حامل أختام الحكم والسلطة، وذلك بعد أن اخترقته المنظمات الماسونية والأفكار الطورانية والجماعات اليهودية، فصار الجيش التركي حامي حمى اللادينية والقومية والشعوبية.
 
ولم تشهد فترة حكم "أتاتورك" والتي استمرت أكثر من 15عاماً، أى انقلابات من الجيش لتغيير نظام حكمه، لأنه كان في ظل هيمنة حزب سياسي وحيد خرج من رحم العسكرية الأتاتوركية هو حزب الشعب الجمهوري.
 
 
انقلابٌ على الهوية الإسلامية
 
خلال الفترة الممتدة من سنة 1960 حتى سنة 1995 شهدت تركيا عدة انقلابات عسكرية، جميعها قام بها العسكر التركي لسبب واحد فقط، وهو قطع الطريق على أي محاولات للإحياء الإسلامي والحفاظ على مبادئ أتاتورك والعلمانية المتطرفة في تركيا.
 
فبدأت أولى الانقلابات عام 1960، حيث تدخل الجيش الذي أعلن قائده آنذاك ألب أرسلان تركش في يوم 27 مايو 1960م، أن الجيش قد سيطر على مقاليد إدارة البلاد، ونتيجة لذلك شكلت محاكمات قضت بإعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس بتهمة الانحراف عن مبادئ أتاتورك واعتناق الأفكار الرجعية؛ لأنه أعاد الأذان بالعربية، كما حكم على رئيس البلاد جمال بيار بالسجن مدى الحياة.
 
وفي عام 1971، انقلب الجيش بسبب خسارة حزب الشعب الانتخابات لصالح حزب العدالة الذي يميل لناحية المحافظين، فانقلب الجيش وألغى الانتخابات وسيطر على المشهد مع حزب الشعب، وتلاه انقلاب عام 1980 والذى قادة كنعان وتحدثنا عنه سابقاُ والذي يعتبر،حسب خبراء، الانقلاب الأكثر دموية على مستوى جميع الانقلابات التي شهدتها تركيا، واعتقل خلاله مئات الآلاف وأدين نحو 250 ألفاً منهم، في حين أعدم خمسون شخصاً وتوفي العشرات في السجون جراء التعذيب، كما اضطر عشرات الآلاف من الأتراك إلى الهجرة، والآن وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً، يتم تقديم قادته للمحاكمة.
 
وفي عام 1997 والذي انقلب العسكر خلاله على أول حكومة إسلامية بقيادة نجم الدين أربكان، زعيم حزب الرفاه الإسلامي، الذي فاز في الانتخابات في أواخر 1995، وشرع في إدخال إصلاحات سريعة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التركية، ما أغضب العلمانيين ودعاهم إلى تحريك الأذرع العسكرية ضد الحكومة المنتخبة، فلم يمهله الجيش سوى شهور قليلة وانقلب عليه في أواسط 1997، وباستخدام دستور 1982، وبتفسير مواده على أساس أن أربكان يسعى إلى تطبيق الشريعة وإعادة النظام الرجعي، حُظر الحزب، وأُدخل أربكان وكبار معاونيه السجن، وعُزل معظم قادة الحزب سياسيًا.
 
وبرزت في هذا الانقلاب حدة الصراع العلماني الإسلامي الذي دفع إلى تدخل الجيش مرة أخرى للسبب ذاته، لاسيما وأن أربكان قام خلال العام الذي تولى فيه رئاسة الحكومة بإجراءات لم يخف فيها رغبته بتغيير معالم أساسية في النظام العلماني التركي الذي يؤكد الجنرالات أنهم أصحابه وحماته باسم الأمة التركية وإلى الأبد.


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023