تساءل الكاتب الأمريكي إليوت إبرامز، في مقاله المنشور أمس الأول، على واشنطن بوست، إن كان بالإمكان، “أن يكون عبدالفتاح السيسي (قائد الانقلاب العسكري) نسخة من الزعيم التشيلي أوغستو بينوشيه؟ وإذا كان ذلك ممكنًا، فهل هذا شيء جيد أم سيئ؟”.
وقال إبرامز، إن “الكثيرين قارنوا بين بينوشيه والسيسي منذ وصول الأخير إلى الحكم في انقلاب يوليو 2013 الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي”، مشيرًا إلى أن صحيفة “وول ستريت جورنال”، كتبت وقتها أن “المصريين سيكونون محظوظين، إذا كان الحاكم العسكري الجديد مثل بيونشيه الذي استلم السلطة في وقت غرقت فيه تشيلي في الفوضى، إلا أنه تقرب من الإصلاحيين، ما ساهم في تحول بلاده نحو الديمقراطية”.
وذكر الكاتب الأمريكي، أنه في فبراير 2014، كتب روجر كوهين في نيويورك تايمز، مذكرًا بنجاح بينوشيه في إحداث نقلة بالاقتصاد التشيلي، تمكن أبناء البلد لاحقًا، من البناء عليها، لتصبح دولتهم، من أكثر دول المنطقة ثراءً، بحسب الكاتب، الذي تساءل عن احتمالية أن يصبح السيسي “مصلحا من عينة بينوشيه، فيترك من ورائه بلدًا قادرًا على سلوك مسار الديمقراطية والثبات عليها؟”.
واستطرد إليوت إبرامز، قائلًا: “بينوشيه ديكتاتور وحشي، لكنه ساهم في إصلاح الاقتصاد التشيلي، وقاد أمته إلى الديمقراطية. ويأمل البعض أن يحذو السيسي خطى بينوشيه حتى تستفيد مصر على المدى الطويل أو حتى المتوسط”.
لكن الكاتب الأمريكي، استدرك، بقول، إن وصف السيسي ببيونيشيه، صورة خاطئة، لأربعة أسباب:
أولًا: السيسي أكثر وحشية بكثير من بينوشيه. فخلال 17 عامًا حكم فيها بيونشيه، قٌتل في عهده نحو ثلاثة آلاف شخص، وسجن نحو 40 ألف سياسي وصاحب رأي. لكن في عهد السيسي وتحت حكم (العسكر)، حققا ما يقرب من هذه الأرقام في أقل من عامين، فهناك نحو 2500 قتيل وأكثر من 40 ألفًا وراء القضبان، حسبما قال إبرامز.
يضيف الكاتب: “تقلص القمع في تشيلي مع مرور الزمن، رغم أنه لم يحقق نصف الانتهاكات خلال عام واحد من الانقلاب، لكن يمكن للمرء أن يأمل في أن تتقلص الأرقام في مصر مع مرور الزمن أيضًا، ولكن حتى لو حصل ذلك، فإن أرقام ضحايا السيسي ستظل أكبر بكثير من أرقام ضحايا بينوشيه”.
ثانيًا: السيسي أقل بكثير في الإصلاح الاقتصادي من بيونشيه. فهو ليس اشتراكيًا، لكنه يخطط ويدور في فلك الرأسمالية، التي كانت في حقبة الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ويستطرد الكاتب: “إصلاحات السوق الحرة الأساسية، ليست واضحة بعد. صحيح يُحسب له اتخاذ خطوات جريئة لخفض الدعم للوقود. ولكن بينوشيه ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ قلل بشكل كبير من حجم موظفي الدولة، على سبيل المثال، في عهده تقلص عدد موظفي القطاع العام بنسبة 75%. بينما تحت حكم السيسي، أخذ القطاع العام في مصر ينمو”.
ثالثًا: بالنسبة لجميع جرائمه، كان الجيش التشيلي في عهد بينوشيه له سمعة طيبة ونزاهة مالية، ولم يحاول قط أن يصبح الطبقة الحاكمة دائمًا، لكن الجيش المصري هو الحاكم الحقيقي لمصر منذ تولى جمال عبد الناصر السلطة في عام 1956، وليس هناك مما فعله السيسي يوحي بأنه يخطط لتغيير ذلك.
وأحال الكاتب إلى تقارير نشرتها رويترز، على سبيل المثال، ما قاله مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، إن “الجيش يجب أن يساعد في إنشاء مركز صناعي وخدمات لوجستية ضخمة على طول القناة الجديدة التي يجري بناؤها”.
رابعًا: مَن يعتبرون أن بينوشيه هو الذي أوجد الديمقراطية التشيلية، ويرغبون في رؤية السيسي يسير على نهجه، إنما أخطؤوا في التشخيص والتوصيف.
وأوضح الكاتب الأمريكي، إليوت إبرامز، السبب: “بينوشيه حكم 15 عامًا وسعى لأن يحكم لثمانية أعوام أخرى، إلا أن الدستور الذي تم وضعه في عهده دعا إلى استفتاء في عام 1988، على أساس أنه لو قالت الأغلبية (نعم) لحظي بالأعوام الثمانية الإضافية، بينما إذا صوتت الأغلبية بـ(لا) فإن ذلك سيعني إجراء انتخابات جديدة”.
وبالفعل، “خسر بينوشيه في الاستفتاء، ولكنه حاول ليلة الانتخابات أن يلغي النتائج، ويعلن حالة الطوارئ ويفرض القانون العسكري. ولربما نجح في ذلك لولا الضغوط القوية التي مورست عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، هذا بالإضافة إلى وقوف أعضاء بالقيادة العسكرية في وجهه، ما منعه من استمرار تنفيذ مخططه”.
وختامًا لمقاله في واشنطن بوست، تمنى الكاتب الأمريكي، أن يبقى السيسي رئيسًا لمدتين فقط كم ينص الدستور، لا أن يبقى حتى 2029، ثم يسعى كـ”بينوشيه” لأن يبقى رئيسًا حتى 2037، مشيرًا إلى أن المقارنة بين السيسي وبينوشيه، تظل مفيدة من الناحية الثقافية، رغم أنها غير مشجعة. وحتى هذه اللحظة، فإنه يبدو أن السيسي يقوم بكل أعمال بينوشيه السيئة دون أن يقوم بأي أعمال جيدة، على حد تعبير الكاتب.