القوة معنى رغم وضوحه أختلف في تحديده الكثير من الناس كل ينظر له من منظور مختلف، ولكن القوة ببساطة تعرف بأنها: القدرة على التأثير على الآخرين وإخضاعهم لإرادة القوي الفاعل، لذلك فالأقوياء في أي موقف اجتماعي كان أم سياسي أم اقتصادي أم ثقافي هم الذين يفرضون إرادتهم ويسيرون الأمور كما يرونها ووفقاً لمصالحهم لذا فالقوة حلم الأمم لتحقيق عظمتها و أثبات وجودها و هويتها، وهي المفهوم الذي تتصارع عليه الدول في عصرنا لكن تحت مسميات ومؤسسات مخمليه تخفي بها أنيابها الزرقاء الماصة لدماء الشعوب الضعيفة .
وقد وردت القوة في القرآن الكريم في كثير من الآيات مختلفة المواقع والسياقات، وكلها حملت معنى الشدة والسيطرة أو التمكن والإحكام، فذكرت تارة بضرورة الحرص عليها والأخذ بها ، وتارة بيان أن القوة ملك لله وحده، وتارة للتهيئة والاستعداد للمقاومة، وتارة لوصف حال الأمم السابقة وقوتها وما آلت إليه حالها، فقد ذكرت القوة في القرآن أكثر من مرة لأهميتها وعظم شأنها في الدين وما لها من تأثير بمجريات الحياة.
وعلى سبيل المثال : وأعدوا لهم ما أستطعم من قوة :أي أعدوا لهم جميع أنواع القوة المادية والمعنوية
– خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ: أي بحـزم وعزم – لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد :أي لو كان لي قوة أستطيع أن أدفع أذاكم بها أو الجأ إلى عشيرة وأنصار تنصرني عليكم
– كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ- كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا
– وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ – يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا – قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ – إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ .
فقد علمنا الله عز وجل في كتابه الكريم مفهوم القوة وبينها لنا) بمعان كثيرة شملت كل جوانب الحياة ، الفكرية والعقدية المستمدة من شريعة الله، والتي ينطلق منها بناء كل قوة أخرى والتي يجب السعي للأخذ بأسباب تحقيقها كي تبقى الأمة أقوى الأمم، وتسود العزة والعدالة و الرحمة بعيدا عن سيادة الظلم والاستبداد والقهر، وبين القرآن جوانب التحذير والترهيب من اتخاذ بناء القوة بمقومات مادية أو جسدية فقط كما يحدث الآن بعيدا عن الأخذ بمبدأ شريعة السماء .
وقد قال رسولنا الكريم “اطلبوا الحوائج بعزةِ الأنفس فإن الأمور تجري بمقادير”، عزة الأنفس أن تبتعد عن الذل، فلا تذل نفسك لأحد، فكل شيء لا يكون إلا بقدرٍ من الله
واذا تأملنا كتاب الله لوجدناه يعلمنا أهمية المعرفة والتمسك بقوة بما أمرنا به ديننا، وأن نكون على قدر من الإتقان والشدة والحرص عليه وعدم التفريط أو النقصان ، وعدم العودة لما كنا عليه من جهل وضلال وفساد، فكلما زادت المعرفة زاد الحرص والخوف من التقصير أو الارتداد، وألا نكون كبني إسرائيل أكثر من وصفوا بصورة الارتداد وعدم التزام أمر طاعة الله ونبيه ، وعدم حرصهم الشديد على أوامره ونواهيه، بل كان التهاون الشديد والتخلي السريع عن الله ، فيشترون بآيات الله ثمنا قليلاً، فكان عقابهم التيه
ولأننا لا نتدبر ما نقرأ من كتاب الله كان جزاؤنا الضعف والتيه لأننا تخلينا (عن ما) عما أمرنا به فبعد القوة المستمدة من قوة التمسك بالدين، صار الضعف المماثل لضعف أيماننا. فإن أردنا أن نعود و أن نسود فلا سبيل إلا أن نعود أولا إلى الله ودين الله فدرع الباطل لا يقصمه إلا سيف الحق ، والإسلام لا يحتاج إلا لقوة عقيدة وقوة حجة وقوة سلاح فمن أين أورثتمونا الذل؟