شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

“رابعة”.. قصة صمود في وجه الاستبداد

“رابعة”.. قصة صمود في وجه الاستبداد
"مذابح توازي جرائم الحرب" هذا ما وصفه مدونون ومحللون لما حدث في ميدان رابعة العدوية ، وميدان النهضة،...

"مذابح توازي جرائم الحرب" هذا ما وصفه مدونون ومحللون لما حدث في ميدان رابعة العدوية ، وميدان النهضة، فلم يحدث في تاريخ مصر المعاصر أن تحدث مذبحة بهذا الشكل ضد معتصمين سلميين، حتى من استطاع الجيش المصري قتلة من اليهود في حرب 73 لا يتخطي 2500 جندي صهيوني، في حين قتل الجيش المصري أكثر من ذلك بكثير ضد مصريين سلميين قرروا أن يدافعوا عن شرعية الرئيس المنتخب فكان مصيرهم القتل.

البداية

مع شروق شمس يوم الأربعاء، 14 أغسطس، بدأت المذبحة؛ حيث حاصرت مدرعات الجيش والشرطة جميع مداخل الميدان، في مشهد أشبة بعملية عسكرية كبرى بدأت من بعد الفجر، وانتهت مع غروب الشمس.

وقد شارك في تنفيذها 80 تشكيلا ومجموعة قتالية من قوات مكافحة الشغب الشرطية، بجانب سلاحي المهندسين والمظلات بالجيش، ودعم ذلك نشر نقاط التفتيش الثابتة والمتحركة للشرطة والجيش بشكل مكثف بكافة أنحاء القاهرة، وعلى عدة طرق مؤدية للمحافظات المختلفة.

ورفعت معسكرات قوات مكافحة الشغب حالة الطوارئ قبل التنفيذ ببضع ساعات، كما أعلنت حالة الاستنفار القصوى بين وحدات الجيش.

وفي الخامسة صباحا شهدت الشوارع المحيطة برابعة العدوية توافد معدات وكاسحات تابعة للجيش، كما تم وضع أسلاك شائكة في شوارع الجيزة القريبة من ميدان النهضة.

وبدأت العملية -في السابعة صباح الأربعاء الموافق 14 أغسطس 2014- بتحريك معدات الجيش لإزالة المتاريس والحواجز الإسمنتية التي كانت تحيط بالاعتصامين، كما تم الدفع بـ8 عناصر من سلاح المظلات في محاولة لإحداث تشويش على أجهزة البث المباشر في منطقة "رابعة العدوية" حيث كان يعتبر بدء التشويش بمثابة إشارة لبدء الاقتحام.

وشددت تشكيلات الأمن محاصرة كافة مداخل الميدان لمنع أي مسيرات مؤيدة للدكتور محمد مرسي من دخوله.

المجزرة

وبدأت المجزرة؛ حيث أطلقت قوات أمن الانقلاب الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين، ولم يجد المعتصمين غير الاستغاثات من فوق منصة رابعة العدوية بالقاهرة.

فقال صلاح سلطان، من فوق منصة رابعة العدوية: "يا رب أنزل علينا المطر، يا رب أنزل الريح التي تنصرنا، يا رب ليس لنا سواك"، كما وجه نداءً للمجتمع الدولة باللغة الإنجليزية.

وانطلقت التكبيرات والاستغاثات من فوق منصة رابعة العدوية بقوة "حسبنا الله ونعم الوكيل"، و"الله أكبر"، و"لا إله إلا الله عليها نحيا وعليها نموت وعليها نلقى الله".

بدأت عمليات القتل بعد اقتحام قوات أمن الانقلاب الميدان، وأحرقت الخيام وبداخلها النساء والأطفال الذين دخلوها ليحتموا من غاز الشرطة فوجدوا النار تحرقهم.

ولم ينجُ مسجد رابعة العدوية من الهجوم، فأحرقت قوات الجيش والشرطة مسجد رابعة، ومنصة الاعتصام، والمستشفى الميداني، في مشهد وصفه نشطاء بـ "حرب إبادة".

فقال محمد عبد المنعم شاهد عيان أن الداخلية لم تستخدم خراطيم المياه كما كانت تزعم، بل استخدمت الرصاص الحي والضرب فى المليان للقضاء على المعتصمين.

الحصار

وفي شهادتها على هذا اليوم الدامي وبالعودة إلى ميدان "رابعة" تقول "منال خضر": تركت الميدان ليلة الفض في الثالثة صباحا، وبعد أن علمنا في الصباح ببدء المذبحة، عدنا إليه مهرولين أنا وزوجي، ولم يكن ثمة مكان يمكننا الدخول منه، ولذا تركنا السيارة، وكلما حاولنا السير في الطريق إلى الميدان نجد حرائق ونيرانا تندلع نتيجة قنابل غاز وأخرى قنابل حارقة، وذلك حتى تمكنّا من الدخول عبر إحدى الشوارع الجانبية خاصة أننا كنا في بداية المذبحة صباحا، وقد كانت كافة المداخل للميدان محاطة بمدرعات جيش ومدرعات شرطة، لكن الأكثر والأشد وضوحا هناك كانت قوات الجيش بحسب ما رأيت من قواتهم ومدرعاتهم بعيني".

وتتابع: "جلست خلف السيارات مع بعض أطفال وصبية، إلا أنه سرعان ما أصيب من حولي بإصابات خطيرة بعد إلقاء القنابل عليهم، فقد كانت قنابل الغاز والاختناقات تمهيدا لوابل كثيف آخر من الضرب بالأسلحة الحية في ظل هذا الاختناق الشديد وانعدام الرؤية، بخلاف الضرب الشديد من أعلي العمارات وبالطائرات".

مستشفي رابعة

وتكمل: "بعد ذلك بقليل دخلت إلى مستشفى رابعة -وهي التابعة لمركز رابعة نفسه وليست المستشفى الميداني- وهناك وجدت صراخا غير عادي يستنجد بكل من يعرف أن يعطي "حقنة" أو يربط جرحا، وقد كان ظني أني سأجد بضعة حالات أساعد في إسعافها؛ ولكن ورغم أن المستشفى خمسة أدوار إلا أنني اكتفيت بالوصول إلى الطابق الثالث، فقد كان بكل طابق ما يقرب من 50 إلى 60 جريحا ومصابا وشهيدا، وهذا كله والساعة لم تكن قد تعدت الثامنة صباحا، وهنا أخذت قرارا بالمساعدة رغم أني لست طبيبة، ولكن كان من مهماتي مثلا أن أعيد مخ إنسان متوفى إلى رأسه وربطه بـ"لاصق طبي" حتى لا ينفصل عن صاحبه عند الدفن، وكذلك ربط أمعاء منفجرة خرجت عن جسد صاحبها، وذلك تمهيدا ليخيطها الطبيب بشكل سريع حتى يرمم الجثامين المتهتكة".

 وتذكر خضر: "من أصعب ما رأيت يومها أن واحدة من بين اثنين ممرضات كانتا هما فقط المتواجدتان منذ ليلة أمس حيث استمرتا في العمل بعد "النبطشية" ومن شدة التعب والإرهاق والاستمرار في الوقوف طويلا، أصيبت إحداهما بنزيف شديد.

أيضا من أكثر ما كان يؤلمنا أن الأطباء كان عليهم الاختيار بين الحالات التي يقومون بإسعافها نتيجة قلة الأطباء والأماكن والأدوات، والأهم عدم وجود دم للنقل، ولذا كانت الكثير من الحالات تحتاج فقط إلى نقل دم وتعاني من نزيف شديد ومع ذلك لا يتم إسعافها.

كذلك كان الأطباء مضطرين لترك الحالات الحرجة والإصابات الخطيرة في المخ أو القلب أو الصدر، فكنا نرى بأعيننا المصابين وهم يموتون ببطء ولا نستطيع مداواتهم، فلم يكن مثلا بهذا الطابق سوى أربع غرف عمليات في حين أن الإصابات أكثر من كل توقع".

الدماء للركب

وتضيف "خضر" كان من الصعب علينا يومها التنقل في الطابق نظرا لكثرة الدماء، فقد كانت كل خطوة معناها الخوض في دم كثيف، يمتد حتى ما فوق القدم بشبر تقريبا، وكنا نضطر إلى نزحه بالمساحات ليسيل على درجات السلم، وكأننا في مذبح أو تعرضنا لسيل متدفق ولكنه من دماء البشر.

أتذكر أني ملأت يومها وحدي أكثر من ألف حقنة مضاد حيوي، بخلاف الآخرين الذين كانوا يعملون أيضا وبطاقة كبيرة.

ومن أصعب المواقف أن شابا كان مصابا بما يقرب من مائة رصاصة خرطوش موزعين على أنحاء جسمه كله، حتى أن ظهره كان يشبه المصفاة من كثرة ما به من طلقات، وظل يئن ويتألم بل ويبكي ولا يستطيع الحركة ومع ذلك فالأطباء مضطرون لأن تنظر إليه بتهاون وكأنه غير مصاب ويقولون له إن عليه أن ينتظر إلى نهاية اليوم، لأن إصابات الخرطوش حينها كانت تعد رفاهية أمام ما لديهم من إصابات من أسلحة فتاكة.

 وكل ما كنا نفعله له وهو جالس لا يستطيع الحركة أن نرش عليه بعض المياه من وقت لآخر.

رغبة في مذبحة مروعة

وتؤكد "خضر" أن ما شاهدته من إصابات لا يعني أبدا أن الهدف كان فض اعتصام بل رغبة أكيدة في مذبحة مروعة، فعلى سبيل المثال -تقول "خضر"- رأينا مثلا قدما بفخذ يحملها أحد الشباب ومن خلفها آخرون يحملون صاحبها، فقد أصيب الرجل بطلقة من قوتها وحجمها بحيث أطاحت بقدمه من أعلى الفخذ تماما.

 وآخر عينه بمخه ساقط، وثالث خرجت كليته من جنبه، ورابع خرج قلبه…وهكذا..

وأضافت: كان الضرب شديدا جدا على أبواب المستشفى، وكنا يومها إذا احتجنا شيئا من المستشفى الميداني، نرسل مثلا خمسة من الشباب، في حين لا يعود منهم سوى اثنين تقريبا أما البقية فيرتقوا شهداء على أبواب المستشفى.

 أيضا وأثناء وجودي داخل إحدى العمليات فوجئنا برصاصة ثقيلة اخترقت جدران المستشفى واضطرتنا إلى الارتماء على الأرض، في حين تركت ثقبا كبيرا يسهل أن نرى منه ما خلفه. وأغلب الظن أنها جاءت إما من طائرات أو من قناصة أعلى الأبنية المجاورة.

في حدود الخامسة والنصف تقريبا تم إلقاء قنبلتين على المستشفى أدت إلى تفجير شديد في الزجاج السميك المحيط بالمستشفى، واندفع هذا الزجاج في صدر وقلب حاملي وأهالي المصابين والمسعفين، حيث سقط الأهالي فجأة على ذويهم.

اقتحام المستشفي

بعد ذلك اقتحمت القوات المستشفى وأجبرونا على رفع أيدينا وعلى ترك المستشفى والخروج مع عدم النظر إلى الخلف وإلا قتلونا، ومن أصعب ما واجهت يومها أثناء مغادرتنا للمستشفى كان الكثير من المصابين يمسكوننا من ملابسنا ناظرين إلينا نظرة توسل أن نأخذهم معنا، الأمر الذي لم يكن ممكنا حينها.

 بل إن الأطباء قد أُجبروا حينها على ترك العمليات والخروج، بعد ذلك بقليل تم حرق تلك المستشفى بمن فيها، والكثير منهم بل والمئات هناك كانوا أحياء، بل إن الكثير من الإصابات كان من الممكن إسعافها، خاصة إذا توافر نقل الدم.

 وإذا كان الطابق الثالث وحده قد تركنا به ما يقرب من 60 إلى 70 مصابا على قيد الحياة، فبأقل التقديرات أن من تم حرقهم يومها أحياء في تلك المستشفى ما يقرب من 300 شهيد.

نقل الحقيقة

كان للدور الإعلامي العامل الأكبر لنقل حقيقة مجزرة رابعة العدوية فبعد إنسحاب كاميرات القنوات المصرية والمؤيدة للانقلاب من داخل الاعتصام، وغلق جميع القنوات المعارضة، كان لابد من نقل الاعتصام بث مباشر، في ظل إنعدام الامكانيات.

ووقف الشباب الثوري المنتفض أمام تحدٍ خطير بعد إغلاق 15 قناة فضائية إسلامية؛ كيف يمكن نقل الحدث للعالم الخارجي الذي لا يمكن أن يعرف الحقيقة إلا من خلال الصورة التي يراها، ورغم ضعف الامكانيات، نجح الشباب في نقل الإعتصام لجميع دول العالم بث مباشر.

ثمن الحقيقة.. الوحدة 19 رابعة العدوية

وكان ثمن نقل المجزرة باهضًا حيث تم إصابة وقتل وأسر العشرات من الشباب العاملين في هذا المجال، ومن نجا منهم فهو مطارد من قبل الأجهزة الامنية، أو جيش البلطجية الذي يعمل معها، وكان أخر هذا الحكم في قضية ماريوت بأحكام وصلت لعشر سنوات.

 

الوحدة ١٩ رابعة العدوية، قصة أبطال كسروا التعتيم الإعلامي وفضحوا مجزرة فض رابعة؛ كان البث المباشر من رابعة أكثر ما يقلق ويؤرق الإنقلاب، فكان منع نقل المذبحة بث مباشر هدف قوات الانقلاب التي اقتحمت الميدان، إذ كيف سيصنع السيسي مذبحة تحت سمع وبصر العالم، لذلك في بداية الهجوم يوم كان أول ما فعلته قوات الانقلاب هو ضرب طبق البث الخاص بسيارة البث عن طريق طائرات الهليوكوبتر، وكانوا يظنون أن البث قد توقف وأن الناس لن تشاهد ما سيحدث ولكن لم يكن يعلم الانقلاب أن هناك وحدة بث احتياطية جهزها فريق العمل لتلك اللحظة.

وفوجئ الانقلاب بعودة البث مرة أخري بعد أول انقطاع في بداية الهجوم؛  وبدأو بإطلاق الرصاص الحي على المصورين، واستطاع المصورون الصمود لأكثر من ساعتين من إطلاق الرصاص المباشر، استشهد فيها اثنان من فريق العمل وهما يحاولان حماية الكاميرات.

ثم كانت المرحلة الثانية بإطلاق الرصاص على الكاميرات نفسها، وتم إصابة الكاميرا الموضوعة على المأذنة، لأنها كانت تكشف الميدان بالكامل؛ ثم الكاميرا التي تنقل صورة المنصة.

وعند اكتشف أن هناك كاميرات أخرى لا زالت تنقل الصورة فتم قطع الكهرباء بأي شكل عن السيارة، فبدأو بقطع التيار الكهربائي عن رابعة العدوية، ثم بتعطيل بعض المولدات القريبة من المستشفي الميداني.

وانقطع البث للمرة الثانية، ولكن أصر الشباب علي نقل الحقيقة لأخر لحظة، فكونوا مجموعة من الفرق، كل فريق كانت معه مهمة محددة، الفريق الأول لتشغيل مولد آخر لتغذية السيارة بالكهرباء، والفريق الثاني لتغيير الكاميرات التي تم تعطيلها بكاميرات أخرى، والفريق الثالث لتوصيل كاميرا داخل المستشفى الميداني لنقل صور المصابين والشهداء.

كانت مهمة الفريق الأول والثاني في غاية الصعوبة، فهم يعملون تحت إطلاق نار كثيف وقناصة واستهداف مباشر.

وفي أقل من ربع ساعة كانت السيارة تعمل مرة أخرى، وعادت إشارة البث ليرى العالم المجازر التي حدثت ويرى صور الشهداء والمصابين ويسمع بكاء الأمهات وأنات المصابين.

وفوجئ الانقلاب بعودة البث مرة أخرى، فصدرت الأوامر بإطلاق النار على السيارة ومحيطها؛ فبدأت الطائرات بإطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز على محيط السيارة، وكان الدخول أو الخروج من السيارة بمثابة مهمة انتحارية.

وظل فريق العمل بكامل طاقته يعمل لآخر لحظة، لم يتركوا السيارة أو يخرجوا منها حتى اقتحمت قوات الجيش والأمن مسجد رابعة وبدأو بإطلاق النار على من في ساحة المسجد وحاصروا السيارة.

وكان هنا الدور لأفراد الأمن من الشباب، الذين كانوا يتطوعون لحماية السيارة، كانوا يعرفون أن مهمتهم هي حماية السيارة وفريق العمل، لذلك وقف الشباب كحائط صد بين قوات الانقلاب وبين فريق العمل، وطلبوا من فريق العمل الخروج والاندماج وسط المعتصمين ولم يتحركوا من أماكنهم حتى لم يأخذوا ساترا ليحتموا من الرصاص.

فتحت قوات الانقلاب بنادقهم الآلية وأطلقوا الرصاص عليهم بشكل عشوائي، وسقط كل منهم في مكانه دون أن يتحرك أو يهرب، كانت مجزرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023