شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

معركة الفضاء السيبراني

معركة الفضاء السيبراني
لا تزال الحرب النووية تشكل تهديداً حقيقياً ملحاً. ولكن التهديد السيبراني المنتشر على نحو متزايد هو أمر بالغ الأهمية بل وأكثر خطراً و صعوبة في فهمه وادراكه

 منذ نهاية الحرب الباردة وحتى أيامنا هذه ، والشبح السوفييتي لا يزال عالقاً ومطارد في صراع دائم مع العالم الغربي . ومنذ انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عام 2000، أًصبح هذا الصراع الجديد يختمر، ولكن هذه المرة في الفضاء السيبراني Cyber Space)). حيث ساحات المعارك التي تحتكرها الولايات المتحدة وروسيا من تهديدات تاريخية نووية، وطموحات للهيمنة العالمية , وتطلعات لاحتواء أعداء وأصدقاء بعضهم , فأصبح حينئذٍ وجود هذا الفضاء ضرورة مُلحه لترجيح الكفه لصالح أحدهما بالضغط على الأخر.

سلاح الدمار الشامل المخفي

لا تزال الحرب النووية تشكل تهديداً حقيقياً ملحاً. ولكن التهديد السيبراني المنتشر على نحو متزايد هو أمر بالغ الأهمية بل وأكثر خطراً و صعوبة في فهمه وادراكه . فقد أضفت الحرب السيبرانية على التوترات التي نشأت منذ خلال الحرب الباردة ، أبعاداً جديدة للتهديدات السياسية على الساحة الدولية ، وقابلية التوسع في التكتيكات ، واستراتيجيات الاحتواء، حيث أصبح كل ذلك ممكناً وموجهاً عن بعد من خلال سلاح فتاك جديد وهو “الكمبيوتر”. نذكر هنا أن أول من تطرق لهذا الموضوع الفيلم السياسي الأمريكي الشهير “ثلاثة أيام من كوندور”” Three Days of the Condor “،عام 1975م الذي قدم صورة أولية للتهديد السيبراني للحرب الباردة القديمة.

 ما زالت كلمات خطاب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل في الأربعينات نابضة بالحياة عن “الستار الحديدي” المنتشر حول الكتلة السوفيتية وعالقة معنا حتى يومنا هذا. ولكن بدلاً من هذه الستارة الحمراء الأنيقة السوفيتية التي تفصل الشرق عن الغرب ، أصبحت هذه الستارة الآن بصورة ثلاثية الأبعاد “رقمية” ، وهي حقيقة افتراضية وجدت لتوجيه منافسة الدول  على الساحة الدولية . وراء هذا الستاره الغير مرئية خصوم واضحين كـ ( أمريكا وروسيا , الصين )  وأخرين غير واضحين ، كجهات فاعلة مخفية سواء كانت حكومية أو غير حكومية  كـ دول المجموعات البترولية أو أصحاب الشؤون المتنفذة إقتصادياً أو المجرمين الإلكترونيين .

 في المحصلة جميعهم مسلحين ولديهم مجموعة من الأدوات الرقمية المصممة خصيصاً لتناسب طموحاتهم داخل دولهم أو لخلق صراع وحرب باردها خارج حدودهم .

 إن الحواجز التي تحول دون الدخول في صراع عالمي مزدهر أصبحت سهلة جداً : فكل ما تحتاجه هو دماغ ، ودافع، وجهاز كمبيوتر. فهذا هو ما تبدو عليه الحرب السيبرانية الجديدة، عصر تصبح فيه التصورات حقيقة واقعة. فإذا بحثنا عن مؤشر من اختراق روسيا العام الماضي” للجنة الأمريكية الوطنية الديمقراطية” ، فهذا المؤشر سيدًلنا على أنه من أقوى الأدوات في التخلص من كل أمة في المستقبل سيكون بالتشويش، والحرمان، والتوجيه الخاطئ.

أنماط الفضاء السيبراني

 تندرج هذه الأدوات ضمن نطاق عمليات المعلومات سرية ,  وهي عبارة عن بنية إدراكية فائقة الذكاء , يحدد من خلالها  كيف تلعب الحرب السيبرانية الباردة , وكيفية زعزعة الدول لأمن بعضها البعض بأبسط وأذكى الأساليب .

 فالفضاء أو الأمن السيبراني لا يقتصر فقط على الوسائل التقنية , إنما هو مجموعة من الوسائل التقنية والتنظيمية والادارية , كما يمكن الاستفادة من المشاعر الشعبية للدول وتأجيجها وتوجيهها لصالح وكالات استخبارات بدول أخرى  * على سبيل المثال :  في الحرب العالمية الثانية ، نفذت وكالة الاستخبارات البريطانية عملية إستخباراتية – تكتيكية سميت بعملية اللحم المفروم ” Operation Mincemeat ” عن طريق مخابراتها الحربية أو ما يسمى بقسم (المكتب الخامس) والذي قام على إختصار الحرب بشكل كبير عن طريق استخدام توجيه خاطئ لإخفاء طرق هجوم الحلفاء المخطط لها عبر البحر الأبيض المتوسط ​​لمجابهة النازيين.

  حيث جاءت هذه العملية من بعد خطأ جسيم إرتكبه ونستون تشرشل في خطابة من بعد أن جرفه الحماس , وأخبر عن سير المعركة القادمة بزلة لسان , فهتف في الناس بأن “صقلية Sicily” هي أرض المعركة الجديدة للحلفاء التي سيهزم فيها القوات النازية… بعد ذلك قامت الاستخبارات البريطانية بإرسال طُعم للنازيين على سواحل هولفا الاسبانية , حيث كان هذا الطعم جثة مزوره ومرتبة بعناية فائقة على أنها لضابط بريطاني برتبة رائد سُمي “وليام مارتن ” , وأرفقوا في جيوبه أوراق رسمية تثبت بأن تشرشل يكذب ويوهمهم بمواجهتهم في صقلية وإنما الحلفاء سيواجهون النازيون في اليونان وبالتحديد ساردينيا .

 استعد الألمان للقاء الحلفاء في اليونان , ولكن الهجوم حصل في صقلية بالفعل, مثلما قال تشرشل في خطابه , ووقعت صقلية في يد الحلفاء دون مقاومة تذكر.

 أيضاً خلال الحرب الباردة ، ساعدت وكالة المخابرات الأمريكية على تشجيع الاستهلاك الجماهيري لكتاب رواية (الدكتور جيفاغو) ، للكاتب  والشاعر الروسي “بوريس باسترناك” داخل الاتحاد السوفييتي ,  والتي كانت تنتقد الشيوعية وتعاملاتُها ,  ومع مرور الوقت ومن خارج الاتحاد السوفييتي تحديداً في إيطاليا , إستطاعت المخابرات الأمريكية مع الوقت  صناعة وتحفيز معارضه للنظام الشيوعي ومن ثم زجهم داخل الاتحاد السوفييتي , حيث خدمت هذه المعارضة  مصالح الولايات المتحدة الأمريكية .

المعارك الـسيبرانيـة الباردة الحديثة

 في السنوات القليلة الماضية , ربما لم يثبت أحد أكثر مهـــــــــارة  في إستخـــدام الأمن السيبراني أكثر من روسيا , فهم دائماً على أمل تحقيق الهيمنة السياسية في العالم من خلال فرض قوتهم الإقليمية.      

 في أبجديات سياسة روسيا الخارجية نقطتان : السعي جاهدة إلى تفكيك أوروبا , وتقويض صورة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم ، حيث  بدأت أجهزة الاستخبارات الروسية  في الكرملين بمهارة الجمع بين العمل العسكري العلني / والعمل العسكري (السيبراني ) السّري.

 بدأت جدية معركتها التكتيكية من سوريا ، حيث استهدفت روسيا الثوار السوريين لمنع الإطاحة بالرئيس بشار الأسد , فقامت المعركة الروسية داخل سوريا على عدة محاور : – شن ضربات عسكرية جوية – نشر حملات توجيه خاطئ على حد سواء للعدو والصديق – تضليل وإشغال الرأي العام الدولي بهذه الأحداث , كي ينشغل المجمع الدولي عن أوكرانيا وشبه جزيرة القرم ويتسنى لروسيا فعل ماتريده ، بل تعدى هذا حدود العقل ، حينما تم ترشيح فلاديمير بوتين لجائزة نوبل للسلام لعام 2014 بعد يوم واحد من نقل القوات العسكرية إلى شبه جزيرة القرم.

 في العام الماضي استفادت موسكو من ظروف مماثلة في أمريكا لإحداث نجاحات على السياسة الأمريكية . حيث اقتحم الكرملين  بيئة خصبة من الجماهير الشعبية الأمريكية المتصاعدة لدى السياسيين والمواطنين في واشنطن، حيث كان الإقتحام للجنة الوطنية الديمقراطية وتسريب المعلومات بطريقة تهدف إلى إرباك الجو الانتخابي وتسميمه. ليس ذلك فحسب، بل انه يستخدم وكلاء لهُ للقيام بأعماله التخريبية ، وبذر الشك ووضع إسفين يدق بين اليمين واليسار حتى الأعماق. بعبارة أُخرى , فما كان على بوتين القيام به هو فقط إدخال العصا إلى العجلة الإنتخابية الأمريكية ومشاهدة الزخم والدراما التي تنتج من ذلك .

 ربما حان الوقت لأقوى القوى في العالم أن تعترف بأن الحرب الباردة لم تنته بعد. وأن الأحداث التي تتكشف أمام أعيننا هي معارك الواقع الافتراضي التي أنشأتها إستخبارات التضليل بالمعلومات للتلاعب بدولة ما . نعم قوضت عمليات فلاديمير بوتين السيبرانية مؤسسات أمريكا، لكنها لم تضعف عزمها , والسبب بسيط;  لأن نظام الحكم الأميركي مرن ، ومحصن بديمُقراطية قوية وسيادة القانون . على عكس روسيا التي أكثر هشاشة ، وهي حقيقة يعرفها بوتين جيداً .

معارك سيبرانية عربية

يوجد معارك سيبرانية تنتشر مؤخراً  في دول الخليج ونخص بالذكر ما بين دولة المملكة العربية السعودية ودولة قطر . فما حدث مؤخراً في دول الخليج من قطع للعلاقات السعودية – الأماراتية – البحرينية / لدولة قطر لم يكن مستغرباً لأسباب متعددة , منها بأن الأخيرة لم تلتزم بشروط قمة الرياض السابقة والتي كانت من تداعياتها أيضاً سحب سفراء الدول الثلاث من قطر سابقاً.   

 لكن في الحقيقة ما حدث مؤخراً من قطع العلاقات بين المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين بقيادة السعودية , أتى نتيجة تحرك الخط الأمامي  ببساطة من المشهد الفيزيائي العلني والمفتوح إلى صورة رقمية , ومخفية افتراضي؟

فقطر دائماً تختار أن تُغرد خارج السرب الخليجي والعربي , حيث تضفي نوع من الضبابية لأجل التوجيه الخاطئ  , وتضليل لمشهد المعارك العربية تحديداً من بداية فترة الربيع العربي بواسطة أداة إعلامها الموجه , ومن الشواهد على تناقضات السياسة القطرية فهي تقوم على دعم جميع الأطراف في المعارك أما عسكرياً أو سياسياً وأجدرها إعلامياً (بإجراء مقابلات مع قياديين من جميع الأطراف المتنازعة) . فالسياسة القطرية تقوم على دعم الثوار السوريين عسكرياً إضافة إلى دعمها لخلايا إرهابيه كما ثبت أخيراً , كما تحرص على التعاون مع جمهورية إيران الباحثة عن موطئ قدم في سوريا وباقي أقطار الوطن العربي , إضافة على أنها تقوم بدعم جميع الأطراف المتضاربة كما في الملف الليبي والعراقي وغيرهم , لكن أجدر تناقضاتها كانت بدعمها وتقوية صلة علاقاتها مع الجانب الإسرائيلي , وبنفس الوقت تقوم على دعم حركة حماس وإستضافة قياديها ورعايتهم . ولا ننسى محاولاتها المتكررة لتفكيك الشارع المصري والتعدي على سيادته عن طريق إرسال العديد من الإشارات الإعلامية بذلك .

مؤخراً تحاول قطر على زعزعة الأمن الخليجي ومن أبرز ذلك التعامل مع جهات قرصنة دولية لإختراق البريد الإلكتروني لسفير الأمارات في واشنطن”يوسف العتيبة” ونشر محادثاته السرية . وفي تقارير إستخباراتية دولية  أثبتت بأن قطر حاولت نشر هذه التسريبات في صحف  ومواقع دولية أكبر , ولكن طلبها قوبِل بالرفض لأنها ليست وثائق في غاية الخطورة , لكن إصرار قطر وتعنتها دفعها أخيراً للتعامل مع صحيفة “ديلي بيست” الأميركية .

حينئذٍ وبعد صبر طويل قامت المملكة العربية السعودية بالرد وبنفس الأسلوب السيبراني الإستخباراتي , بنشر وثائق تثبت محاولة قطر إجهاض مشروع المملكة العربية السعودية لمحاورة الأديان عام 2012 مستغلة علاقتها آنذاك بقوة الإخوان المسلمين في مصر , إضافة إلى   مقاطع صوتية بين أمير قطر السابق حمد بن خليفة ومعمر القذافي رئيس ليبيا السابق  تثبت حجم التآمر الكبير على المملكة العربية السعودية والدول العربية . بعد ذلك قامت الدول الخلجية الثلاث بمحاصرة قطر وقطع العلاقات عن طريق إغلاق منافذها البرية والبحرية والجوية , ليس فقط لإثبات حجم قطر الحقيقي من بعد شبه إنقطاع للمواد التموينية لديها , إنما كفكرة تكتيكية  لترى ما هي الوجهه القادمة لقطر في التعامل وإلى أي خندق ستعود أو ستذهب.

 

 

 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023