شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

مجزرة الساجدين.. بين “سمع الله لمن حمده” و “زخات الرصاص”

مجزرة الساجدين.. بين “سمع الله لمن حمده” و “زخات الرصاص”
زخات الرصاص  تزامنت مع صيحات التكبير. "سمع الله لمن حمده" كانت آخر كلماتهم في الدنيا، فبجباه سجدت أول سجدة من الركعة...
زخات الرصاص  تزامنت مع صيحات التكبير. "سمع الله لمن حمده" كانت آخر كلماتهم في الدنيا، فبجباه سجدت أول سجدة من الركعة الثانية، قابلوا ربهم في فجر يوم 8 يوليو 2013،  ليستيقظ العالم على صرخات الساجدين المصابين، بعد أن غدرت بها قوات بلادهم أثناء أداء صلاتهم .
 
"مجزرة الحرس الجمهوري" أو "مجزرة الساجدين".. مرّ عام على المجزرة ولاتزال الوحشة والسكون المخيّمان في المكان ينطقان بأصوات العشرات الذين قتلوا في محيط نادي "الحرس الجمهوري" بالقاهرة، التي قُتل فيها نحو 76 شخصًا وأُصيب المئات من المعتصمين المؤيدين للرئيس الشرعي محمد مرسي، على يد قوات الجيش والشرطة؛ قُتل غالبيتهم برصاص أُصيبوا به من الخلف.
 
البداية كانت مع قيام الآلاف من أنصار الرئيس محمد مرسي فى الزحف من ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة نحو مبنى دار الحرس الجمهوري بمدينة نصر للمطالبة بالإفراج عن الرئيس الذي كان وقتها محتجزًا داخل النادي، وعودته للحكم وظلت تلك التظاهرات سلمية طيلة 4 أيام لم يحدث فيها أي شكل من أشكال العنف أو الاشتباكات حتى ولو بالكلمات.
 
وفي فجر اليوم الخامس يوم 8 يوليو ، تحديدًا أثناء أداء المتظاهرين صلاة الفجر فوجئ المتظاهرون بهجوم من قبل قوات الأمن وبمشاركة قوات الحرس الجمهوري، بزخات من الرصاص الحي المباشر، وهم يؤدون الركعة الثانية  والتي لم تشفع لهم عند قاتليهم فكانت الرصاصات فاصلاً بينهم وبين الحياة الدنيا.
 
يروي "أحمد البقري"، نائب رئيس اتحاد طلاب مصر ورئيس اتحاد طلاب جامعة الأزهر، ماحدث خلال مجزرة "الحرس الجمهوري" فيقول: "إنه بعد الانقلاب العسكري أعلن الشباب أنهم سيتوجهون إلى دار الحرس الجمهوري هدفهم فيها إرسال رسالة واضحة إلى ضباط وعساكر وجنود الجيش أن ما حدث هو زج بالمؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية وإدخال البلاد في نفق مظلم".
 
وأضاف "البقري"، الذي شاهد ما حدث منذ تفاصيله الأولي: "بدأ الاعتصام يوم الخامس من يوليو وكان تقدر أعدادنا بعشرات الآلاف ولم ينفعل أحد ويخرج عن السلمية وتقدمنا يومها مع العلماء لتهدئة الشباب وقررنا الاعتصام".
 
 وتابع: "مرت الأيام الثلاثة بسلمية، وكان هناك تواصل كامل بيننا وبين قوات الحراسة وأبلغناهم أننا لسنا ضدهم ولكن جئنا هنا لنقول إن ما حدث هو انقلاب على الشرعية وهذا يجر البلاد إلى نفق مظلم".
 
وأردف "البقري"، قائلًا: "إن بداية المشهد أمام نادي دار الحرس ليلاً حيث تحلق الطائرات تزامنًا مع تحركات غير مسبوقة", مشيرًا إلى أنه كان على يقين لحظتها أن الجيش لن يطلق رصاصة على المصريين، وكانت الساعة الثانية فجرًا "وكنت قادمًا من مدينة نصر إلى الميدان وكانت المرة الأولى التى وجدت فيها إغلاقًا لبعض الطرق المؤدية إلى الميدان مع استعدادات أمنية, ثم ذهبت إلى ميدان رابعة ومنها إلى دار الحرس الجمهوري تقريبًا الساعة الثالثة فجرًا والتقيت بزملائي الطلاب وعلى رأسهم الدكتور ياسر طه الذي استشهد بعدها بساعات قليلة".
 
وأضاف: "ثم بعدها عدت إلى الشهيد دكتور ياسر طه، ثم قمنا نصلي القيام وبعدها ذهبت إلى النوم قبل الفجر بنصف ساعة تقريبًا، وإذ بأحد زملائي الطلاب يوقظني من النوم لصلاة الفجر، وإذ نحن في السجود الأخير من صلاة الفجر نسمع الاستغاثات على البوابات وصفارات الإنذار، فإذ بالإمام ينهي الصلاة ويقوم وينادي على قائد الحراسة، إننا مسالمون ويدعونه إلى عدم الاستجابة إلى سفك الدماء وأن يحمي الأطفال والنساء". 
 
وأكد مضيفًا أنه "بعد لحظات قليلة، حلقت الطائرات فوق نادي الحرس الجمهوري واعتلى المنصة الدكتور طه وهدان ونادى على ضابط الجيش وحرمة الدماء فى الإسلام خاصة في رمضان وبعدها حدث ما لم نكن نتوقعه، وهو إطلاق غاز سام لأول مرة لا يستطيع أحد أن يتنفس مختلف عن الغازات التي كانت تطلق من قبل، فأغلب الشباب والنساء حصل لهم إغماءات وتشنجات كثيرة ثم إطلاق نار حي من الأمن".
 
 واستكمل "البقري" قائلًا: "كنت في هذه اللحظة على يمين دار الحرس، وحينما اشتدت قنابل الغاز تحركت إلى أمام دار الحرس الجمهوري وكنا لا نرى بعضنا من شدة الدخان وحالات الاختناق، وبدأ سقوط الشباب بعديد من الإصابات كان بجواري أحد أصدقائي، أقسم أننا لن نتحرك من هذا المكان، إما منتصرين أو شهداء، فقال لي نرجع قليلا، قلت له: كلا فالله معنا، إذ بلحظات قليلة وأصاب بطلقة خرطوش في عيني اليمنى حتى فقدت الوعي وألقيت على الأرض ولم أستطع أن أفتح عيني، وحينما فتحتها لم أر بها، فحمدت الله على ذلك وكانت عيني تنزف".
 
وتابع: "ثم نقلني صديقي إلى المستشفى الميداني وكان في الطريق أشياء لا يستطيع أي شخص أن يتحملها وهي أنواع الإصابات، إما رصاص حي فى البطن أو الصدر أو في أماكن قاتلة، ثم وصلت المستشفى الميداني في أول رابعة ونقلوني إلى المستشفى الرئيسي فى رابعة"، مؤكدًا أن المشهد كان صادمًا له، "فهناك أستاذة من طب الأزهر, والحالات كانت كثيرة جدًا وخطيرة أيضًا وكان المستشفى غير جاهز لمثل هذه الحالات".
 
وأضاف "البقري" أن "الأطباء قرروا نقلي إلى مستشفى خارج رابعة فقلت لهم أنا طالب أزهري فاذهب إلى مستشفى الحسين، فقال لي أحد سكان رابعة لو ركبت عربية الإسعاف ستعتقل منها، لأن الطرق مغلقة والميدان محاصر، فإذ بأحد أهالي سكان رابعة، وهو كان ضابطًا متقاعدًا في الجيش أخذني في سيارته الخاصة، وخرجنا من طريق مصطفى النحاس، فإذ بأول كمين مغلق فظللنا نلف في الشوارع الجانبية من الحي الثامن والعاشر، إلى أن وصلنا إلى العباسية، ثم وصلنا إلى الدراسة قبل مستشفى الحسين، وأيضًا كان هناك كمين من الجيش والشرطة، وكان سيعتقلني لولا تدخله ثم دخلنا المستشفى، دخلت المستشفى وجدت عدة حالات خطرة، منها طبيب من الشرقية كانت عينه اليمنى أيضًا منفجرة".
 
فيما يروي طبيب بالمستشفى الميداني للاعتصام ما رآه وقتها، قائلًا: "وجدت شخصاً غارقاً في دمائه، وجمجمة رأسه متفجرة. كان داخل سيارته، وأسرعت لإسعافه، بقيت معه حتى وصلنا إلى مستشفى التأمين الصحي، وهناك علمت أن الرصاصة التي أصابته كان عمقها 3 سنتيمترات".
 
زميل آخر له كان شاهداً على واقعة قتل من ضابط يقول أنه كان يرتدي زياً مدنياً، حيث يقول: "رأيت أحد السكان يصوّر الواقعة من شرفة منزله المطلة على شارع الطيران، بالقرب من نادي الحرس، فتم قنصه من أحد المباني المقابلة لمبنى معسكر قوات الحرس الجمهوري، لتسيل دماؤه وتظل آثارها على العمارة".
 
"محمد سراج" طالب بكلية هندسة، يحكي أنهم كانوا في الركعة الثانية من صلاة الفجر فاستمعوا لنداءات استغاثة، ما دفع الإمام لإنهاء صلاته، مضيفًا: "وجدنا عددًا كبيرًا من عربات الشرطة والحرس الجمهورى وقاموا بضرب غاز مسيل للدموع بكثافة".
 
أوضح "سراج"، أن الجيش والشرطة كانا جنبًا إلى جنب والشرطة أطلقت الغاز بكثافة فيما قامت قوات الجيش بإطلاق الرصاص الحي، مؤكدًا أن ضغوطًا كبيرة مورست من أجل فض الاعتصام حتى يتم نقل الرئيس مرسي من محتجزه، 
ووصف "سراج" مشهد الفض بقوله: "إن السيدات كانت في آخر صف وظهرهن خلال الصلاة للحرس الجمهورى ليتم حصارهن من قبل الجيش والشرطة في شارع الطيران"، مؤكدًا أن الشرطة والجيش قتلا سويًا المصلين خلال الركعة الثانية كما قاما باعتقال حوالي 700 معتصم و تم ترحيلهم إلى مقرات أمن الدولة.
 
 أما "أحمد الديب"، وهو أحد المعتصمين الذين اختبؤوا فى إحدى الشقق السكنية بمساكن العبور، فيقول: "لم نهاجم الحرس كما تدّعي وسائل الإعلام، و كان من الأولى إن كانت هناك نية للهجوم حقًّا لفعلنا ذلك بعد صلاة العشاء مثلاً حيث تكون الحشود هائلة".
 
وأضاف "الديب"، أن أحد زملائه أيقظه لصلاة الفجر، وذهب وتوضأ ثم اتجه للصلاة أمام الحرس الجمهوري، وأثناء الصلاة في الركعة الثانية أنهى الإمام قنوته، وبعدها "انهال الضرب من اتجاه صلاح سالم ويوسف عباس ونادي الحرس الجمهوري".
 
وتابع قائلًا: "بدأت قنابل الغاز.. ولم نكن ندري أين نذهب، فنحن محاصرون بضرب الخرطوش والآلي والرصاص الحي من كل اتجاه بدون حرمة للنساء ولا الأطفال، وسقط عدد كبير من القتلى من الأطفال والنساء وكبار السن، وسقط عدد ضخم من الإصابات والإغماءات".
 
وأكمل: "اختبأت في إحدى العمارات وهرع عدد من المتظاهرين معي، واختبأنا، وعدد كبير من النساء دخلن إحدى الشقق وأغلقنا عليهن، ولم أعلم مصيرهن بعد، وهجم الأمن والجيش على العمارة، واعتقلوا كل من صعد إليها، ولكن حماني الله عندما فتح أحد السكان شقته لي وانقطعت علاقتي بالشارع حتى الظهر".
 
بعد مرور عام على وفاة نجلها، تقول والدة شهيد الصحافة "أحمد عاصم السنوسي"، المصور الصحفي، والذي اشتهر بتصويره قاتله قبيل قتله مباشرةً: "راضية بقضاء الله ولكني أنتظر في كل لحظة القصاص"، معبرةً عن مشاعرها في الذكرى السنوية الأولى لوفاة ابنها الذي يعد أبرز شهداء هذا اليوم الذين وصل عددهم إلى 76 شخصًا حسب بعض الاحصاءات لمراكز حقوقية، والمئات حسب شهود عيان ممن حضروا المجزرة.
 
تقول والدة "السنوسي" عن نجلها، في حديث صحفي: "راضية بحكم الله، ولكني أنتظر القصاص، فأحمد ابني عاش بطلًا ومات بطلًا، طول عمره كان يريد الشهادة وهو يؤدي مهنته، وقد مات والكاميرا في يده، وضرب النيران أمامه، ولم يفكر أن يتراجع لحظة واحدة، من أجل أن يكشف لنا الحقيقة".
 
وأضافت والدة "السنوسي": "مش مسامحة في دم ابني، سواء من اللي قتل أو حرض أو أي شخص أيد هذه الجريمة".
 
ومضت قائلة: "كلما وقع شهيد يتجدد في قلبي الحزن على أحمد، وعلى شباب مصر اللي تسيل دماؤهم في كل حتة، في الوقت الذي أكون سعيدة لما يتصل بي أحد أصحابه ليحكي معي عن ذكرياته مع ابني الشهيد".
 
وختمت بقولها: "ما زعلتش عندما وصل السيسي للحكم، بل فرحت علشان أن يذوق من أيده ومن فوضه على دم أولادنا، من ظلمه".

 

 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023