أعرب مسئولون إثيوبيون وصحف في أديس أبابا عن فرحتهم بعدم إثارة مصر أي قضية من القضايا التي كانت تُثار سابقًا حول بناء سد النهضة، في الاجتماع الوزاري الثلاثي بالخرطوم المعنى بتنفيذ توصيات لجنة الخبراء لسد النهضة، فيما بررت القاهرة موقفها بأنه "بادرة حسن نية".
فمن جهتها، اعتبرت الصحف الإثيوبية المفاوضات الثلاثية التي اختتمت بالخرطوم، "نجاحا ساحقا للشعب الإثيوبي، وانتصارا لسد النهضة بعد أن أيقن المصريون أنه أمر واقع، وأن محاولة عرقلة بنائه أمر مستحيل"، حسب وصفها.
وفي تقرير لها بعنوان "بداية موفقة لمفاوضات الخرطوم"، قالت صحيفة "تيجاري" الإثيوبية، إنه يبدو أن الجانب المصري تغير 180 درجة تجاه مشروع بناء سد النهضة بعد تولي قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الرئاسة بعد أن كانت العلاقات توترت كثيرا في عهد الرئيس محمد مرسي، موضحة أن هذا التغير ظهر بعد أن أيقن المصريون أن إثيوبيا لن تتوقف عن بناء السد مهما تكلف الأمر، حسبما قالت.
وأشارت الصحيفة إلى أن مصر والسودان وإثيوبيا اتقفت على إنشاء لجنة من 12 خبيرًا لتكملة توصيات اللجنة الثلاثية الدولية، وهو أمر يوضح أن مصر تأكدت أنه لا حل سوى التفاهم، موجهة رسالة لكل أعداء إثيوبيا في مصر وإريتريا بالقول: "انتهت اللعبة يا سادة.. لن توقفوا سد النهضة، والمصريون أدركوا الحقيقة"، خاتمة التقرير بتقديم تهنئة للشعب الإثيوبي قائلة: "اليوم تبنون سدكم، وأنتم مطمئنون"!
ومن جهتها، قالت مدونة "ميلو" الإثيوبية -حسبما ذكرت صحيفة "الشروق" المصرية السبت- إن نتيجة الاجتماع الأول لسد النهضة هي (1/0) لصالح إثيوبيا معتبرة أن تنازل المصريين عن بعض شروطهم، ومنها عدم وجود خبراء أجانب في اللجنة، وقبول وزير الري المصري زيارة موقع إنشاء السد أكبر دليل على نجاح إثيوبيا في فرض نفسها على الجميع، وأن حلم النهضة الإثيوبي اقترب من التحقق.
وبينما صرح ألمايو تنجو وزير المياه والطاقة الإثيوبي بأن مصر لم تطالب في الاجتماع بسد أقل حجما من السد الحالي، مشددا على أن بلاده ستواصل بناءه، وأنه لا يوجد سبب لإيقافه، اعتبرت الصحف الإثيوبية ما أسفرت عنه المفاوضات "نجاحا ساحقا للشعب الإثيوبي، وانتصارا لسد النهضة"، وفق تعبيرها.
وفي المقابل، قال الدكتور حسام مغاوري وزير الري بحكومة الانقلاب إن مصر غير قلقة من مواصلة العمل في بناء سد النهضة حاليا، مشيرا إلى أن استكمال المرحلة الأولى من بنائه لا يسبب ضررا ملموسا، الأمر الذي رأى مراقبون أنه يمثل تراجعا كبيرا في الموقف المصري.
وكانت أصوات كثيرة ارتفعت في عهد الرئيس الدكتور محمد مرسي تطالب باتباع سبل التصعيد السياسي والقانوني مع إثيوبيا حتى تتوقف عن إنشاء السد الذي يلحق أبلغ الأذى بحصة مصر من مياه النيل في غضون سنوات قليلة مقبلة، حتى لو وصل الأمر إلى إعلان الحرب على إثيوبيا.
وقد شكل مرسي لهذا السبب لجنة قانونية لدراسة الملف، وأخرى فنية لتقييم الأمر، معلنا أن جميع الخيارات مفتوحة أمام مصر، لحماية حصتها من مياه النيل.
ومن جهته، كررقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي تأكيده في أكثر من مناسبة آخرها اجتماعه برؤساء تحرير الصحف المصرية أنه على استعداد لزيارة إثيوبيا إذا كان في ذلك حل المشكلة، وهو ما لم تتجاوب معه الإدارة الإثيوبية، وتجاهلته تماما.
وكان وزراء المياه الثلاثة بمصر وإثيوبيا والسودان، اختتموا يومين من المحادثات المشتركة في الخرطوم الثلاثاء، بالتوقيع على اتفاق ينص على التضامن بين الدول الثلاث لإجراء الدراستين الإضافيتين اللتين أوصى بهما تقرير لجنة الخبراء الدولية بشأن موارد المياه، وتقييم التأثير البيئي الاجتماعي الاقتصادي للسد على دولتي المصب (مصر والسودان)، باستخدام شركة أو شركات استشارية دولية.
واتفقت الأطراف الثلاثة على "تكوين لجنة من الخبراء الوطنيين من الدول الثلاث، تضم 4 خبراء من كل دولة، على أن تتولى اللجنة وضع قواعدها الإجرائية مع اعتماد فترة 6 أشهر لإنجاز الدراستين"، مع الاستعانة بخبراء دوليين لحسم الخلاف بين الدول الثلاث بعد اطلاعهم على تقرير المكتب الاستشاري.
وفي مؤتمر صحفي بأديس أبابا الجمعة، قال وزير المياه والطاقة الإثيوبي إنه لم تظهر خلافات في اجتماعات الخرطوم، وإن مصر لم تثر أي قضية من القضايا التي كانت تثار سابقا حول بناء سد النهضة، ولم تطالب بسد أقل حجما من السد الحالي.
ومضى قائلا إن بلاده ستواصل بناء سد النهضة، مضيفا أنه لا يوجد سبب لإيقافه، وأن الدول الثلاث ودول المنطقة ستستفيد من السد، وفق تعبيره.
وعلى صعيد الموقف المصري، قال وزير الري إن مصر غير قلقة من مواصلة العمل في بناء سد النهضة حاليا!
وأضاف أن الدراسات الإضافية ستنتهي في مارس 2015، أي قبل انتهاء أديس أبابا من المرحلة الأولى من بناء السد بنحو 6 أشهر، إذ ستكون سعة السد 14 مليار متر مكعب، وهو ما لا يسبب ضررا ملموسا لمصر، ولا يقلقنا، على حد قوله.
وحول صحة عدم طلب مصر إيقاف البناء، قال: أخطرنا رسميا وزارة الرى الإثيوبية بطلب وقف البناء منذ نحو عام، لكننا في النهاية ننتظر الدراسات الإضافية، والبناء في المرحلة الأولى ليس المشكلة، وإنما حجم التخزين.
واعتبر الدكتور حسام مغازى أن عدم الحديث عن استكمال البناء من جانب مصر في الوقت الراهن، وانتظار الدراسات الإضافية "بادرة حسن نوايا".
وكان المغازي قال -في حوار مع الإعلامي محمود الوروراى عبر فضائية "العربية الحدث" الخميس- إن لقاء قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي برئيس الوزراء الإثيوبي مهد الطريق لمفاوضات جادة وإيجابية بين البلدين فى الاجتماع الوزارى الثلاثي.!
وأضاف المغازى أن موافقته على الدعوة الإثيوبية لزيارة سد النهضة الأسبوع المقبل رحب بها الرئيس السيسي كبادرة طيبة من الجانب الإثيوبى، مؤكدا أن مصر ترغب فى أن يكون السد أداة لتحقيق التنمية والفائدة المشتركة للدول الثلاث (مصر والسودان وأثيوبيا)، وبما يحفظ الحقوق المائية لكل دولة .
وأكد أن الرئيس السيسي وجه بتشكيل وفد من الخبراء المصريين لزيارة السد الإثيوبي في أقرب وقت ممكن، قائلا إن هذه الزيارة ستعمل على تقوية جسور الثقة بين الدولتين، وسيتم من خلالها التأكد من عدم شروع إثيوبيا في حجز المياه عن مصر، وكذلك متابعة وتفقد ما تم تنفيذه من مشروع سد النهضة، والوقوف على تبعات هذا المشروع!
وأضاف المغازي أن تعليمات ومتابعة الرئيس السيسي لملف سد النهضة كانت المرجع والقاعدة الأساسية التي تم الاعتماد عليها خلال المفاوضات التي أجراها الوفد المصري فى الخرطوم، مضيفا أن تدخل الرئيس السيسي السبب وراء نجاح المفاوضات مع الجانب الإثيوبي? قائلا: إثيوبيا أقرت بأنها لن تسبب أية أضرار لنا بإنشاء السد، ولن تنقص قطرة مياه من حصة مصر في مياه النيل!
وفي المقابل، قال الدكتور نادر نور الدين خبير المياه العالمي، وأستاذ الموارد المائية والري بكلية الزراعة بجامعة القاهرة: "إن سد النهضة مزدوج، والجزء الأول منه رئيسي لتوليد الكهرباء ويبعد 20 كم عن الحدود السودانية، وسعته 14 مليار متر مكعب، والقطعة الثانية منه، وهي السد الفرعي يمنع خروج الماء إلى مصر إذا ما زادت سعة البحيرة عن 14 مليار متر مكعب، وبالتالي يغلق الطريق أمامها، ويضيف 60 مليارا أخرى إلى سعة البحيرة فتصبح سعة التخزين 74 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يشكل ضررا للجانب المصري".
وأضاف نور الدين -فيما نقلته عنه وكالة أنباء الأناضول- أن هذا الضرر يتمثل في تأثير السد على حصة مصر السنوية من المياه التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، وفق الخبير المائي.
والأمر هكذا، وكرد فعل على التراجع في الموقف المصري من بناء سد النهضة، دشن نشطاء مصريون على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" هاشتاج "احنا_بنتسرق"، للسخرية من سوء معالجة الملف، قائلين إن المرحلة الأولى لسد النهضة أوشكت على الانتهاء، ومحلب خارج الخدمة