شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

المنتظر بعد الانتخابات: ما أتوقعه ولا أتمناه – أبو يعرب المرزوقي

المنتظر بعد الانتخابات: ما أتوقعه ولا أتمناه – أبو يعرب المرزوقي
أعلم أن قيادات الأحزاب في تونس غنية عن الاستماع إلى رأي أمثالي. فزعاماتها ملهمة. ألم تثبت هذه القيادات ذلك...

أعلم أن قيادات الأحزاب في تونس غنية عن الاستماع إلى رأي أمثالي. فزعاماتها ملهمة. ألم تثبت هذه القيادات ذلك وخاصة منها من كان يقود المعارضة غير الكرتونية في عهد ابن علي؟ ألم تثبت قدرتها على التكتيك والتوقع خلال مباشرتها الحكم بصورة يبرهن عليها نجاحها الباهر في الانتخابات، فضلًا عن الإنجازات المعجزة في الحكم؟

 

لذلك فلن يكون كلامي لومًا بعد القضاء ولا تنبيها لشيء قد يغفلون عنه. فهم في ذروة الانتباه …انتباه من ينتظر ما قد يرمى له من موائد الحكم الجديد. كلامي لن يتوجه إليهم بل هو يتوجه إلى الشباب التونسي والليبي والجزائري خاصة : الثورة إن كنتم تؤمنون بها لم يبق لها غيركم وخسران جولة أو معركة لا يعني خسران الحرب.

 

ذلك أن ما سيحدث في تونس هو ما توقعته سابقا دون أن أتمناه وما أتوقعه ولا أخشاه. وهو أمر يعنيكم جميعا قبل غيركم لأنه سيحدد مستقبلكم لقرن على الأقل. وسأقدمه في شكل ملاحظات تلغرافية:

 

الملاحظة الأولى

نظام ما بعد هذه الانتخابات لن يشرك النهضة مهما تقربت وتنازلت إلا بشروط تقضي عليها نهائيا. وذلك أولا لأن النداء مستغن عن خدماتها إذ إن أهم حلفائه في الجبهة المتقدمة على الانتخابات معه في أهم الأهداف. فمكونا الحكم المقبل أعلنا عن ذلك بمجرد تأييدهم الواضح للانقلاب في مصر ورفضهم الموقف من بشار: وهذا العامل الخارجي محدد في المرحلة المقبلة كما نبين.

 

الملاحظة الثانية

لست أدري لم يظن البعض الحلف بين النداء والجبهة مستحيلا بمقتضى الإيديولوجيا والبرامج لكأن الجبهة مؤمنة بحق بالبرنامج الذي تعرضه في خطابها الانتخابي. هي متحالفة مع السبسي حتى قبل الانتخابات وهي أكثر ليبرالية منه لأنه ليبرالي قديم في حين أنها من اليسار اليتيم الذي استعاض الديموقراطية الشبعية بالديموقراطية البرجوازية بل هم أكثر تبرجزا من اليمين التونسي التقليدي. ولهم المبرر الثوروي والمقاوم الشعبوي في ماسيقدمه لهم السبسي من هدايا وخاصة الهديتين التاليتين :

 

1-الأولى سيبدأ فيرجع العلاقات مع سوريا ويعلن الحرب على المتطوعين مع الشعب الضحية لجرائم بشار : فاليسار والقوميون لو كانت فيه ذرة إنسانية لما بقوا بشارييين بعد ما رأوا في اليرموك والبراميل والكيمياوي.

 

2-والثانية سيمكنهم من دور في الحرب على الإسلاميين بدعوى التنوير ضد الظلامية. والليبرالية التي يحلمون بها أعني ما يتصورونة تنويرا وهو عودة إلى البهيمية هي مصدر رزق من سيستخدمهم في حربه على الإسلاميين والإسلام.

 

الملاحظة الثالثة

وهبنا فرضنا أن السبسي سيتردد لعلل داخلية خوفا من ألا يستطيع النجاح في ما فشل فيه بورقيبة وابن علي أعني القضاء على الإسلام السياسي. لكن الوضع الإقليمي والدولي قد يغريه فيتصور أنه أقدر منهما على ذلك لأن ما كان غير ممكن يمكن أن يصبح ممكنا لأن الحرب على الإسلام والإسلاميين بات مطلبا دوليا.

ومن ثم فهو سينضم إلى الحلف ولا أعني الحلف ضد داعش بل الحلف ضد الثورة والإسلام السياسي وهو أعمق من الحلف ضد داعش : لأن أساسه تصور كل مسلم داعش بالقوة.

 

الملاحظة الرابعة

وما يمكن أن يؤيد الملاحظة الثالثة هو أن السبسي قد لعب في حكمه السابق نفس اللعبة وإن في الاتجاه المقابل : فعندما كان الغرب يطلب رأس القدافي ساعد الثورة الليبية. ولما كان الغرب الآن بات يطلب راس اللثورة فمن المنتظر أن يساعد السبسي الثورة المضادة في ليبيا. لذلك لست أشك لحظة في أنه سيساعد جماعة حفتر فيصبح الثوار في كماشة بين مصر السيسي وتونس السبسي.

 

الملاحظة الأخيرة

وهي ما أتوقعه ولا أخشاه وإن كنت لا أتمناه لكنه هو المنتظر حسب رأيي راجيا من الله أن يحقق ما يمكن أن يجعل الشر خيرا لأنه حسب رأيي قد يكون من المكر الإلهي الخير :

 

فإذا كان الحلف الحالي هو في الحقيقة تحت المظلة الأمريكية الإسرائيلة فإن الانقلاب في مصر ومسعى حفتر قد يجعل دولة إسرائيل تمتد إلى حدود تونس: السيسي وحفتر خدم لدى إسرائيل. فالنظام المصري أصبح بوضوح تحت الحماية الإسرائيلية وإلا لما صمد انقلاب السيسي إلى هذا الحد أمام بطولة الشعب المصري التي لم تحرك الرأي العام الدولي بسبب دور اللوبيات الإسرائيلية.

 

وإذن فدولة إسرائيل أصبحت على حدود ليبيا. وبنجاح حفتر ستصبح على حدود تونس. وبنجاح جماعة السبسي ستمدد سلطانها إلى حدود تونس علما وأنها قد بدأت منذ أن تكربلت السياحة وتسامحت الداخلية لدخول سواح صهاينة فصارت مدخلا للتطبيع العلني.

 

لذلك فالغرب عامة وأمريكا خاصة قد سمحا للسيسي بأن يتدخل في ليبيا وأحجمت الجزائر عن الرفض الصريح إما خوفا أو تواطؤا إذ قد يكون الجنرالات هم بدورهم مع الحلف. ومعنى ذلك أن قرار القضاء على الثورة في الوطن العربي كله بات محسوما وأن السبسي لن يحتاج إلى أن يشترط عليه -لأنه راغب-أن يساعد حفتر وأن يحاصر الإسلاميين والليبيين خاصة والجبهة معه في ذلك : وهو ما سيتح له خزائن ممولي السيسي.

 

والنتيجة أن تونس ستصبح كالأردن أو أسوأ: إنها على حدود إسرائيل الجديدة وسيحاولون التغرير بجيشها ليأخذوا رديفا للحملة الجوية في الهلال. وفي هذه الحالة فإن الوضع سيكون أسوأ مما كان في عهد ابن علي بالنسبة إلى الحريات والحقوق وخاصة بالنسبة إلى كل من يشتم منه ميل إلى الحرية والكرامة سواء كان إسلاميا أو غير إسلامي. والكلمة الأخيرة للإسلاميين : خطران لا بد من تجنبهما :

 

1-الطمع -أو الخوف ولست أدري مم وقد يكون لأمور لا يعلمها إلا الله والمخابرات-يبدو هو الغالب على القيادات التي ترغب في العودة إلى الحكم بسرعة كما حصل عند الذهاب إليه والتشبث به رغم كل النصائح التي قدمتها لهم سرا وعلنا . فهذا الطمع لن ينالوا منه شيئا ولن يحميهم من شيء بل هو سيستعمل لتفتيت صفهم وتوريطهم في حرب مع الإسلام المزعوم متطرفا ولن ينال بعض الفتات إلا من يقبل ما ذكرت من الشروط : وتلك بداية التفتيت.

 

2-الثاني وهو الأخطر القبول بالأمر الواقع وانتظار مصير الثور الأبيض وعدم إدراك أن المعركة صارت عامة ولم تعد قطرية : فمثلما توحدت الثورة المضادة تحت المظلة الأمريكية فينبغي توحيد الثورة على الأقل في الاستراتيجية الإعدادية. ولن أضيف شيء فالمعنى مفهوم للجميع. أما الظن بأن حيازة الرئاسة بواحد من قيادات المعارضة المتقدمة على الثورة قد يحمي الثورة فهراء وسخافة وخاصة إذا كان القصد بالتصويت للمرزوقي. فوجوده بمجرده عائق للثورة لأنه سيقفل كل الأبواب على تونس ولن يساعد الثورة التي لا تحتاج للكلام الثوري بل للاستعداد الثورة للمعركة الحاسمة والتي اقتربت لأن نجاح حفتر يعني عودة ما قبل 14 جانفي:

 

1-فاثنان من زعماء المعارضة المتقدمة على الثورة يترشحان للرئاسة رغم أنهما قد بينا فشلهما السياسي الذريع خلال تسرعهما في تكوين قوائم للانتخابات السابقة فأدخلا في حكم الترويكا من هم عملاء للتجمع وأعداء للإسلاميين أو مه هم مراهقون يتقافزون تنافسا على الزعامة وتكوين الاحزاب الذرية (ابن جعفر والمرزوقي).

 

2-واثنان خانا الثورة بانضمامهما إلى الثورة المضادة حتى قبل الانتخابات السابقة ومباشرة بعدها ثم خاصة عند تكوين ما سموه بجبهة الانقاذ والجبهة الديموقراطية (الشابي والهمامي) وبما خضعا له من تبعية لرجال الاعمال ظاهرهم وخفيهم فمثلا مصعدا السبسي كالذي يركع (يطبس= ينحني) ليكون ظهره سلم اللص الذي يتسور الثورة.

 

ذلك هو الوضع. وقلت إني لا أتمناه لكني لا أخشاه : فهو سيكون لبنة في تحقيق شروط الثورة الفعلية التي لن تتوقف حتى تحقق هدفيها الحرية والكرامة. وكما سبق أن ذكرت مباشرة بعد هروب الطاغية في محاضرة بنادي الجاحظ إن الثورة لم تبدأ بعد وإنها لن تكون ثورة بحق إلا بتجاوز القطرية .

وها هي قد بدأت في التجاوز ولكن بصورة غير مباشرة أعني أن من تجاوز القطرية هو الثورة المضادة وليس الثورة رغم أن أغلب الشباب بجنسيه بدأ يفهم أننا في مرحلة أشبه بمرحلة حرب التحرير : إنها مرحلة التحرر من التبعية لتحقيق شروط الحرية والكرامة التي لا يمكن أن تحصل ما ظلت الأمة مستسلمة للجغرافيا التي فرضها الاستعمار والتاريخ الذي تريد محمياته فرضه على وعي الجماعة. ولأن الغرب وعملاءه فهموا أن الشباب فهم أعلنوا الحرب الشاملة على الأمة كلها منعا لذهاب الثورة إلى غايتها: تحقيق شروط التحرر من قابلية الاستعمار بتكوين الحجم القادر على ذلك أي بالتحرر من الجغرافيا التي فرضها الاستعمار وواصلها عملاؤه من الأنظمة والنخب.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023