لقد بدأ عصر الثورات منذ القرن السابع عشر الميلادي مع بداية تطور وسائل النقل والاتصال بين الشعوب بعضها البعض ، وأصبح لحركة الجماهير معنى آخر لم يعرفه التاريخ من قبل ، ورغم أن الثورات الناجحة في التاريخ هي التي أحدثت تغيرا سياسيا واجتماعيا عميقا تناول المبادئ والقيم والأفكار ، إلا أن الثورات الكبرى في التاريخ هي التي أصبح لها بعد ذلك أيدلوجية تصبغ بها كل ما جاء بعدها من موجات ثورية ، وتمدها بالقوة والاستمرار ، وإذا أردنا أن نقسم عصر الثورات سنقسمه تبعا لذلك إلى أربع حقب أساسية الثورات الليبرالية الديمقراطية ، ثم الثورات الاشتراكية ، ثم ثورات الحرب الباردة ، ثم ثورات ما بعد الحرب الباردة.
لقد بدأت كل الثورات في التاريخ ضد الظلم والقهر ولتطيح بالأنظمة المستبدة ولكنها ما لبثت أن تبنت أيدلوجية معينة في نظام الحكم وفى نظامها المالي والاجتماعي.
إن مشكلة المشاكل في تاريخ البشرية منذ أن خلق الله آدم عليه السلام هي في توزيع الثروة لأنه طبقا لذلك في النهاية تتحدد هوية المجتمع الاجتماعية والسياسية ، وحينما بدأ عصر الثورات الأول أنتج النظام الرأسمالي في توزيع الثروة ، ثم صبغت به كل الثورات بعدها في أوربا والشرق ، وما لبث أن تولد منه الفكر الاشتراكي الذي يقوم على توزيع الثروة وشيوعها ، وتثوير الطبقة العاملة ضد الرأسمالية القائمة فصبغت كل الثورات بعدها بالاشتراكية وتواكبت معها منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى وحتى ستينيات القرن العشرين وظهرت مثل هذه الثورات في مصر 1919 وفى الهند وكوريا والصين ثم موجة ثورات التحرر ضد الاستعمار والتي وصلت إلى قمتها في الخمسينيات والستينيات وشملت قارات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، ثم ما لبث العالم أن انقسم بين النظامين ووزعت الأرض كمناطق نفوذ بين القطبين الشرقي الروسي الشيوعي والغربي الأمريكي الرأسمالي وقامت بينهما حرب باردة أثرت على كل الموجات الثورية وتحولاتها الأيدلوجية بعد ذلك ، حتى سقطت الاشتراكية ، وأصبحت ثورات ما بعد الحرب الباردة وسقوط السوفيت كلها تصبغ بالفكر الرأسمالي الليبرالي وتخضع لمشروع الهيمنة الأمريكية سواء ثورات شرق أوربا في الثمانينات أو الثورات الملونة بعد ذلك ، وفى الوقت الذي روج فيه الأمريكان لانتهاء عصر الثورات واستقرار العالم تحت مظلة الهيمنة الأمريكية جاءت الثورة الإيرانية كأول ثورة ضد مشروع الهيمنة الأمريكية ، مما عرضها لحرب ضروس على مدار ثمان سنوات راح ضحيتها مليون مسلم وتكلفت ما يقرب من ربعمائة مليار دولار ! ثم تبع ذلك حصار اقتصادي لم تبدأ إيران في الفكاك منه إلا الآن مع بداية تراجع مشروع الهيمنة الأمريكي!
وهنا تأتى الإجابة على السؤال المحير لماذا تخاف أمريكا كلما صبغت ثورات الربيع العربي بالأيدلوجية الإسلامية ؟؟! وتزداد حالة الاستنفار وإخراج أوراق اللعبة المخبأة والمكشوفة كلما رفعت شعارات تطلى الثورة العربية بهويتها الأصيلة ؟!
وللإجابة هناك عدة أسباب:
أولها : أن الربيع العربي الذي تتشكل ثورته الآن يمتلك هوية إسلامية ضمنية من حيث أن المكون الأكبر فيه هو التيار الإسلامي مما يؤهل هذا الربيع العربي أن يكون ثورة كبرى ذو أيدلوجية إسلامية تناوئ الأيدلوجية الرأسمالية كما ناوأتها الاشتراكية من قبل ولذا فهم يطلقون لفظ ” الحرب الباردة ” مع العالم الإسلامي من الآن ، ويجعلون نصب أعينهم مصر كدولة محورية ملهمة للربيع العربي كما كانت فرنسا ملهمة لليبرالية الديمقراطية وروسيا ملهمة للاشتراكية!
ثانيها : وهو الأخطر ؛ تراجع الديمقراطية في أمريكا نفسها بسبب الفكر الرأسمالي الذي حولها إلى ألجراكية واضحة تحكم فيها النخبة الرأسمالية من وراء ستار ، ويزداد معها التنافر الطبقي المؤهل للثورة ، ويوما ما سيعلو صوت ” احتلوا وول ستريت ” وشعاراتها فى العالم الرأسمالي كله “أرسلوا الرأسماليين إلى معسكرات الاعتقال”.. “كلوا الأغنياء”… “اقطعوا رؤوسهم”…”اقتلوا الأغنياء”.
ثالثها : هو مكون الدين وتأثيره في حركة الجماهير وتجييشها وحشدها ضد الظلم والاستبداد ، لقد قام الغرب بثوراته ضد الاستبداد وكذلك الدين ولقى في ذلك عناءًا شديدًا ، لكنهم يدركون قيمة الدين حينما يجتمع مع الثورة ، وما صفعة الثورة الإيرانية لأمريكا وهي في أوج هيمنتها منا ببعيد!
أيها الثوار..
يومًا ما ستتشكل أيدلوجية هذا الربيع العربي على الحقيقة والوضوح هوية إسلامية أصيلة ، ولن تكون حينها بالشعارات ، ولكننا سنكون أمام تحدى حقيقي في أن نطرح للبشرية أفكارا جديدة لحل مشكلتها المالية والاجتماعية التي حيرتها سنين ، مأخوذة من روح الإسلام وقواعده الأصيلة متماشية مع روح العصر ومستجداته ، وينبغي أن نبدأها من حيث انتهى عمر – رضي الله عنه – حينما استحدث نظام الوقف الإسلامي كنظام عبقري لتوزيع الثروة وتداولها والقضاء على التنافر الطبقي طبقًا للدستور القرآني ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) ، وقضى عمر نحبه وأدبر الحكم الرشيد الديمقراطي شيئا فشيئا وتحول المجتمع الإسلامي مع اتساع التجارة فيه إلى الرأسمالية رغم أداء الزكاة ! وما لبث أن تغير نظامه السياسي تباعًا إلى الملكية العضود وتقلبنا معها القرون الطوال ، وآن الأوان لاستعادة مجد الأمة الأول وحكمها الأرشد.
لقد تحدث القرآن وكذا السنة عن الصدقة والإنفاق أكثر مما تحدثا عن الزكاة ! إن هذا الدين بروحه وقواعده الأصولية لهو الأجدر بأن يقدم للبشرية نظما جديدة لحل مشاكلها بعد عذابات السنين مع النظم الاشتراكية والرأسمالية التي مزقت المجتمع البشرى ومن قبله مزقت الجسد الإنساني نفسه بماديتها التي أفقدته روح الإنسان وقيمته!
أيها الشباب المسلم..
اعلموا أن مشكلة أمريكا مع الثورة المصرية والعربية ليس في كونها ثورة ، وإنما في كونها ثورة تحمل أيدلوجية إسلامية ! ويوما ما ستقود هذه الثورة العربية الإسلامية الكبرى العالم أجمع ، ولكنها ستقوده إلى العدل الاجتماعي والرقى الإنساني والتقدم البشرى ، فأدركوا اللحظة الفارقة التي تنتظركم ولا تلتفتوا إلى داعي الفرقة ونفث الشيطان المستبد ، وإن غدا لناظره قريب.
عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية .. ثورة إسلامية