إخفاء جثامين الشهداء وإبعادها عن ذويهم وأهليهم لتتعرض جثامينهم للإهمال والإهانة بينما تغيب عن أهالي الشهداء أيضا فلا يستطيعون العثور عليهم أو دفنهم وفق شعائرهم الدينية أو حتى إلقاء نظرة على رفاتهم، ولا يبقى من ذلك إلا لوحة معدنية صغيرة أمام شاهد القبر المجهول عليها رقم يمكن الاستدلال عن طريق سجلات جيش الاحتلال عن هوية الشهيد.
مقابر الأرقام هي واحدة من أبرز أشكال العنصرية التي يمارسها الصهاينة بحق الفلسطينيين الاستشهاديين الذين قاموا بعمليات نوعية في عمق الأراضي المحتلة عام 1984 (الكيان الصهيوني) منذ القرن الماضي وحتى الآن.
تعتبر تلك المقابر شكلا من أشكال العقاب للموتى والأحياء على حد سواء، فالجيش "الصهيوني" يستولى على الجثامين بعد أغلب العمليات ويضعها في مقابر يسيطر عليها ويقيمها بمناطق عسكرية، لتعاني الجثامين من الإهمال والإهانة ويعاني أهالي الشهداء أيضا فلا يستطيعون العثور عليهم أو دفنهم وفق شعائرهم الدينية أو حتى إلقاء نظرة على رفاتهم، وسميت تلك المقابر بهذا الاسم لأن سلطات الاحتلال تضع أمام كل قبر لافتة حديدية صغيرة تحمل رقما يرمز للشهيد من دون اسمه ، ولا يعرف حتى الآن العدد التي تحويه تلك المقابر من الشهداء.
وفق تصريحات الجيش "الصهيوني" في العام 2003 اعترف بأن هنالك مقبرتين من مقابر الأرقام إلا أن صفقات التبادل وأبرزهم صفقة 2013 كشفت عن وجود حوالي أربع مقابر تتوزع كالآتي:
1. مقبرة الأرقام المجاورة لجسر "بنات يعقوب" وتقع في منطقة عسكرية، عند ملتقى الحدود الفلسطينية – السورية – اللبنانية، وتفيد بعض المصادر بوجود ما يقرب من 500 قبر فيها، لشهداء فلسطينيين ولبنانيين، غالبيتهم ممن سقطوا في حرب 1982، وما بعد ذلك.
2. مقبرة الأرقام الواقعة في المنطقة العسكرية المغلقة "وهي تعتبر أهم مقبرة" بين مدينة أريحا وجسر دامية في غور الأردن، وهي محاطة بجدار، فيه بوابة حديدية، معلق فوقها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية: "مقبرة لضحايا العدو"، ويوجد فيها أكثر من مائة قبر، وتحمل هذه القبور أرقاماً من "5003 – 5107"، ويحتمل أن تكون هذه الأرقام تسلسلية لقبور في مقابر أخرى، إلا أن الكيان الصهيوني يدعي أنها مجرد إشارات ورموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقي للجثث المحتجزة في مقابر أخرى.
3. مقبرة "ريفيديم" وتقع في غور الأردن.
4. مقبرة "شحيطة" وتقع في قرية وادي الحمام، شمال مدينة طبريا الواقعة بين جبل أربيل وبحيرة طبريا. غالبية الجثامين فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار بين عامي 1965 – 1975. وفي الجهة الشمالية من هذه المقبرة، تصطف نحو 30 من الأضرحة في صفين طويلين، فيما ينتشر في وسطها نحو 20 ضريحاً، ومما يثير المشاعر؛ كون هذه المقابر عبارة عن مدافن رملية قليلة العمق؛ ما يعرضها للانجراف، فتظهر الجثامين منها، لتصبح عرضة لنهش الكلاب الضالة والوحوش الضارية.
تكمن أهمية تلك المقابر في أن الصهاينة يستخدمونها كوسيلة للتحجيم من العمليات الفدائية والاستشهادية والسبب في الآخر في أنها كارت مساومة يتيح للإحتلال عمليات التبادل بينه وبين المقاومة .
في الفترة الراهنة يعتبر غسان وعدي أبو جحر منفذا عملية الكنيس اليهودي هم أبرز شهيدين في مقبرة الأرقام وهما اللذين تسببا في تفجير قضية تلك المقابر من جديد إذ رفضت سلطات الاحتلال تسليم الجثمانين لعائلتيهما وقررت احتجازهما بتلك المقابر كشكل من أشكال التنكيل.
الكارثة الحقيقية في تلك المقابر أن الجثامين تدفن بها بشكل غير إنساني وبه امتهان صارخ للكرامة الإنسانية، فقد أكد تقرير "صهيوني" صدر قبل يومين عن عيوب إجرامية في التعامل مع الجثث والقبور، فهناك جثث اختفت، وأخرى جرفت مع انجراف التربة بسبب الأمطار. وهناك قبور حفرت من دون أن يكون فاصل ترابي بينها لتبدو وكأنها قبر جماعي.
كما تحدث التقرير أيضا أن المقابر تكاد تكون مستباحة، وأن اللافتات على القبور ليست ثابتة، ولا يتم دفن الجثث باتجاه واحد، وأن المقبرة الواقعة قرب جسر بنات يعقوب، في شمال البلاد، محاطة بسور آيل إلى السقوط وأنه تم العثور في هذه المقبرة على روث أبقار.
كما تحدثت بعض المصادر أيضا أن بعض هذه الجثامين تم دفنها دون قرار دفن أو حتى تصويرها، بل أن بعضها دفن دون البطاقة الحديدية التي يدون عليها اسم الشهيد وتاريخ استشهاده بالرغم من وجود قانون "وضعته سلطات الاحتلال" يفرض ذلك.
كان ذلك من شأنه استحالة التعرف على جثامين العديد من الشهداء عند استخراجها بعد فترة طويلة، جدير بالذكر أن جيش الاحتلال تعمد كتابة معلومات الشهداء على الأكياس التي تضم جثامينهم بالأقلام (الفلوماستر) التي لا تصمد طويلا أمام العوامل البيئية، كما أن اللافتات التي وضعت على مقابر الشهداء وتحمل أرقامهم غير مثبتة بما يكفي وسرعان ما تتحرك بفعل الرياح والأمطار.
والأخطر من ذلك، أن الجثامين في مقبرة "جسر بنات يعقوب" كانت تدفن في التربة مباشرة، بدون أي عوازل تحميها من الانجراف. وقد أدت مياه الأمطار إلى انجراف بعض القبور، وإلى تداخل عظام الشهداء في أكثر من قبر.
من أشهر الشهداء المحتجزين بتلك القبور الشهيدة (دارين أبو عيشة)، والشهيد (عز الدين المصري) منفذ عملية مطعم سبارو في شارع يافا بمدينة القدس عام 2011، ومن الشهداء الذين تم تسليمهم في صفقات تبادل الشهيدة (آيات الأخرس) والشهيد (سعيد حوتري)، أما الشهيدة (دلال المغربي) فقد تم تسليم جثمانها عام 2008 للمقاومة اللبنانية إلا أن تحاليل DNAأثبتت انها ليست دلال وأعلن جيش الاحتلال اختفاء جثتها ومازالت مفقودة حتى الآن.