قال المقرر الخاص للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب بن إيمرسون إنه يجب ملاحقة المسئولين الأمريكين الكبار في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الذين خططوا وأجازوا ارتكاب جرائم، وكذلك مسئولي الاستخبارات المركزية الأميركية ومسئولين آخرين بالحكومة اقترفوا عمليات تعذيب.
وقال إيمرسون في بيان له صدر بجنيف إن الوقت قد حان لاتخاذ إجراء، يجب إحالة الأشخاص المسئولين عن المؤامرة الجنائية التي انكشفت في التقرير إلى العدالة، ويجب أن يواجهوا عقوبات جنائية تتناسب مع خطورة جرائمهم، مشيرا إلى أن القانون الدولي يمنع منح الحصانة للمسئولين الضالعين في أعمال تعذيب.
ولفت إيمرسون إلى أنه بحسب القانون الدولي فإن الولايات المتحدة ملزمة قانونا بإحالة أولئك الأشخاص إلى نظام العدالة، مضيفًا أن وزير العدل الأميركي مسئول قانونًا عن توجيه اتهامات جنائية ضد أولئك المسئولين.
وجاء في تقرير أعدته لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي ونشر أمس الثلاثاء أن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ضللت بشكل روتيني البيت الأبيض والكونغرس في ما يتعلق ببرنامجها لاستجواب المشتبه بهم في الإرهاب، وأن الوسائل التي استخدمتها -ومنها محاكاة الغرق- كانت أكثر وحشية مما أقرت به.
وأكد الخبير الأممي – وهو محام دولي بريطاني يتولى هذا المنصب منذ عام 2010- أن التقرير الذي نشره المجلس يكشف عن "سياسة واضحة نسقت على مستوى عال داخل إدارة بوش".
واعتبر أنه "ليس عذرًا على الإطلاق كون السياسات التي ظهرت في تقرير اليوم قد أجيزت على مستوى عال داخل الحكومة الأميركية، بل إن هذا يدعم الحاجة إلى إجراء محاسبة جنائية".
"انتقاد أمريكي أوروبي"
في الأثناء انتقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) واتهمها مجلس الشيوخ بالكذب بشأن عمليات تعذيب معتقلين على صلة بتنظيم القاعدة في عهد الرئيس السابق جورج بوش، وذلك وسط انتقادات ومطالبات بمعاقبة المسئولين عن عمليات التعذيب.
وأصدر أوباما بيانا مكتوبا تعهد فيه بألا يتكرر استخدام وسائل التحقيق القاسية ما دام موجودا، مشيرًا إلى أن تلك الأساليب أحدثت أضرارًا بالغة بالمصالح الأمريكية في الخارج، ولم تخدم الجهود العامة لمحاربة ما يسمى الإرهاب.
وقد أكد المتحدث باسم البيت الأبيض جوش آرنست أن الولايات المتحدة مستعدة لمواجهة التهديدات الأمنية المحتملة بعد نشر تقرير الكونجرس.
فيما دافع العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي جون ماكين عن قرار رفع السرية عن أجزاء من تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بشأن أساليب التعذيب التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مع المعتقلين في ما تسميها "الحرب على الإرهاب".
وقلل ماكين خلال جلسة لمجلس الشيوخ من أهمية التحذيرات من نشر التقرير واحتمال استخدامه ذريعة من قبل الجماعات المتطرفة لشن هجمات وارتكاب أعمال عنف.
وكانت الحكومة الأمريكية حذرت قبل أيام مجلس الشيوخ من نشر تقرير حول أساليب التعذيب التي انتهجتها "سي آي إيه" أثناء الحرب على ما يسمى الإرهاب في عهد الرئيس السابق جورج بوش (2001-2009).
وخلص التقرير الاستثنائي لمجلس الشيوخ الأميركي -والذي اعترضت عليه فورًا وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية- إلى أن استخدام تقنيات الاستجواب "المشددة" التي اعتمدتها الوكالة بعد أحداث سبتمبر لم يسمح بإحباط تهديدات وشيكة بتنفيذ اعتداءات.
ويتهم التقرير في عشرين خلاصة الـ"سي آي أي" بأنها أخضعت 39 معتقلًا لتقنيات وحشية طوال سنوات عدة وبينها تقنيات لم تسمح بها الحكومة الأميركية، وتم تعدادها بالتفصيل في التقرير الذي يتألف من 525 صفحة قامت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ التي يسيطر عليها الديمقراطيون باختصاره ونشره.
من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن التعذيب "أمر خاطئ" وسيبقى دائما كذلك، وأضاف أن "النجاح لا يمكن أن يتحقق إذا ما خسرنا سلطاتنا الأخلاقية، وهذه رسالة لهؤلاء الذين يرغبون في رؤية عالمهم آمنا وبلادهم ناجحة".
وأشار كاميرون إلى أن بلاده أجرت تحقيقًا مشابهًا حمل اسم تحقيق جيبسون نتج عنه سلسلة من الأسئلة تدرسها حاليا لجنة الأمن والاستخبارات، لكنه أعرب عن ارتياحه حيال نجاح النظام في بريطانيا في التعامل مع كل هذه القضايا.
كما أعلنت النيابة العامة في بولندا التي تحقق في ملف السجون السرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" أنها ستطلب الحصول على نسخة من تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي حول أساليب التعذيب التي استخدمتها الوكالة.
فيما أدان وزير الخارجية الإيطالي، باولو جينتيلوني، أساليب الاستخبارات الأمريكية، المتعلقة باستخدام التعذيب لاستجواب مشتبه بهم، ووصفها بـ "غير مقبولة".
وقال جينتيلوني، في تصريحات نقلتها التلفزيون الحكومي الإيطالي، الثلاثاء بحسب "الأناضول" "إن الأساليب التي تمخضت عن تقرير وكالة الاستخبارات المركزية غير مقبولة، ولا تتوافق مع ديمقراطية وقيم الولايات المتحدة، لكن (الرئيس الأمريكي باراك) أوباما أغلق هذا الفصل".
واعتبر الوزير الإيطالي الذي يقوم بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية أن "التقرير المثالي من حيث الشفافية، ولكن ذلك لا يقلل من قوة إدانتنا".
من جانب آخر، قال جينتيلوني إن اللقاء الذي أجراه مع نظيره الأمريكي جون كيري في وقت سابق الثلاثاء "ركز على القضايا الأمنية بين إيطاليا والولايات المتحدة."
وأضاف "هذه العلاقات هامة جدًا في هذه المرحلة التي نواجه فيها تحديات عالمية، وسوف نعمل على تعزيزها".
"إدانات حقوقية"
طالبت منظمة العفو الدولية، الولايات المتحدة الأمريكية، بمحاسبة المسئولين عن ارتكاب "انتهاكات" نفذت أثناء استجواب عدد من المشتبه بهم في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001.
وقالت المنظمة في بيان لها ، إن تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي حول أساليب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي أي إيه) في استجواب المعتقلين بمثابة رسالة تذكير بـ "فشل الولايات المتحدة في إفلات المسئولين، الذين صرحوا بالتعذيب ونفذوه، من العقاب إزاء العديد من الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان التي ارتكبت باسم الأمن القومي".
ودعت المنظمة الدولية، ومقرها جنيف، إلى محاسبة المسئولين عن استخدام "سي أي إيه" لبرنامج الاستجواب، الذي اتبع أساليب التعذيب أبرزها، الإيهام بالغرق، والصفع، والتهديد بالكهرباء، الحرمان من النوم، والتهديدات بالاعتداءات الجنسية، والإذلال.
وقالت إريكا جيفارا روساس مديرة برنامج الأمريكيتين في منظمة العفو، في بيان المنظمة، إن "هذا التقرير يقدم تفاصيل، لانتهاكات لحقوق الإنسان وافقت عليها أعلى السلطات فى الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر 2001".
وأضافت أنه بالرغم من وجود الكثير من الأدلة لسنوات بشأن تلك الانتهاكات، لم يتعرض أحد ممن سمحوا بها أو منفذيها من المحاسبة.
ومضت المسئولة أن "المعلومات السرية الواردة في الملخص، مع محدوديتها، هي تذكير للعالم بالفشل الكامل للولايات المتحدة لإنهاء حالة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الذين صرحوا بالتعذيب ونفذوه".
وطالبت روساس "الولايات المتحدة بالكشف عن الحقيقة الكاملة لانتهاكات حقوق الإنسان، ومساءلة المخطئين، وتحقيق العدالة للضحايا"، معتبرًا هذا الأمر "مطلب بموجب القانون الدولي".
وأشارت المنظمة الدولية إن "وكالة الاستخبارات المركزية وسلطات أمريكية أخرى، لم تقم بممارسة هذه الانتهاكات وحدها، لكن حدث ذلك بمشاركة عدد من الشركاء في جميع أنحاء العالم، للمساعدة في تسهيل عمليات ترحيل المعتقلين والتعذيب والاعتقال القسري لهؤلاء الذين يشتبه في تورطهم في الإرهاب".
ونقلت المنظمة عن جوليا هول، الخبيرة في مناهضة الإرهاب، قولها إن "الولايات المتحدة وجميع البلدان التي عملت معها في نقل واعتقال وتعذيب المشتبه فيهم، عليهم ضمان المسائلة الكاملة عن جرائم ارتكبت، وذلك بما يفرضه عليهم القانون الدولي".
وأضافت هول أن "هذه الدول يجب أن توفر الحقيقة كاملة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في هذه العمليات".
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية علقت على تقرير مجلس الشيوخ بقولها إنه "يبين أن الحديث بشأن ضرورة أخذ تدابير قاسية لحماية الأمريكان، ليس سوى ضربا من الخيال".