"أحسن اختيار الاستشهادات وتروى في الترجيح". هكذا قيل عن صاحب كتاب "إعلام الموقعين عن رب العالمين" ابن قيم الجوزية، الذي جمع في كتابه بين الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة وتاريخ التشريع والسياسة الشرعية .
نطوي صفحات عام مضى، امتلأت أوراقه بفتاوى عدة أثارت لغطًا عند الكثيرين، في وقت يشدو فيه البعض ويتغنى بما يطلقون عليه "الإسلام الوسطي الجميل".
صدحت حناجر بعض الشيوخ بفتاوى تنوعت بين من حلّل شرب الخمر بما يضمن لنفسه ألا يدخل في باب السكر، وآخر أجاز للمصيفين إفطار نهار رمضان، حتى لو جاء بمعصية.
أثارت تلك الفتاوى لغطًا على الساحة العربية والإسلامية لا سيما ما تعلق منها بالمرأة، حيث أباح غير متخصص في الأمور الشرعية جواز ترك الزوجة تُغتصب إذا كان في ذلك حفاظًا على نفس الزوج، وآخر أحلّ رؤية المرأة وهي تستحم.
وأنكر آخر مرتديًا عباءة الدين وجود عذاب القبر، وعمد آخرون إلى إصدار فتاوى تهوى بالمجتمع وتفكك الأسر.
"الخمر حلال"
أجاز سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه بالأزهر، شرب الخمر بالقدر الذي لا يسكر.
يقول الهلالي في فتواه «إذا كان الكحول من الخمر العنابية فهي مسألة عادية؛ لأن بها نصًا يقول: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون).
متابعًا" نزلت الآية على الخمر العنبية، أما الخمر غير العنبية اللي متخذة من التمر أو الشعير أو سائر المزروعات، والبيرة خرج عن كونه خمرًا من العنب، ودخل خمر من غير العنب، مضيفًا: أبو حنيفة -رضي الله عنه- بيقول الحرام فيه القدر المُسكر".
يجيب الهلالي على تساؤل هل البيرة حلال أم حرام ويقول:«دي مسألة خلافية، البيرة دي ليست متخذة من العنب، وإنما متخذة من الشعير، هذا الشراب إذا أسكر كثيره إذًا قليله حرام عند جمهور الفقهاء، أبوحنيفة قال: لا، أنا مش مع الجمهور أنا رأي مختلف.
2- إفطار المصيفين:
أفتى علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، والقريب من سلطة الانقلاب العسكري، بجواز إفطار من يذهب للمصايف والرحلات خلال رمضان؛ لأنه أخذ رخصة السفر ولا يهم سبب السفر ولو ارتكب معاصي بدون قصد فهذا لا يؤثر في رخصة جواز الإفطار.
وأكد جمعة أنه يجوز الإفطار عند الذهاب للمصايف والرحلات، مطالبًا من يفعل بذلك بأن "يتوب لله فيما بعد"، خاصةً إذ ارتكب معصية أثناء السفر، ولكن بدون قصد، وموضحًا أن "الرخص لا تستباح بالمعاصي"، ولا يجوز السفر بنية المعصية
3- ترك الزوجة للمغتصبين
أفتى نائب رئيس الدعوة السلفية -الداعمة لسلطة الانقلاب- ياسر برهامي، بعدم وجوب الدفاع عن عرض زوجته إذا ظن الزوج أنه سيقتل على يد المعتدين الذين يريدون اغتصاب زوجته حفاظًا على حياته.
ونقل برهامي فتواه عن فتوى للإمام العز بن عبدالسلام، عن وجوب تسليم المال للصوص حفظًا للنفس من القتل.
من جانبه أصدر الأزهر بيانًا شديد اللهجة وصف فيه فتوى برهامي بأنها فتوى باطلة، صدرت من غير متخصص في علوم الشريعة.
وأكد علماء الأزهر أن الدفاع عن الزوجة سبب لنيل الشهادة، وأنه لا يجوز للرجل ترك زوجته للمعتدين نجاةً وحفظًا لنفسه ففي ذلك مذلة ومهانة لا يقبلها الإسلام، وأن المسلم ليس من صفاته الدناءة أو الخسة في دينه وأن من يفعل ذلك حفظًا لنفسه فهو خائن لزوجته وأهله.
4 "رشوة مقبولة"
لم تقف فتاوى -نائب رئيس الدعوة السلفية- عند ذلك الحد، بل أصدر فتوى تحلل أموال شخص حصل على وظيفته بالرشوة.
فعبر موقع أنا السلفي -التابع لبرهامي-، أفتى أن المرتب الذي يحصل عليه شخص حصل على وظيفة بالتزوير حلال، وأن الشخص آثمٌ فقط على التزوير.
وردًا عن سؤال على موقع "أنا السلفي" كان نصه: شاب متخرج من جامعة الأزهر فهو ضمنًا يجيد اللغة العربية، ووجد عملاً مِن شروطه: الحصول على شهادة لغة عربية، فزوَّر الشهادة وعَمِل مدرسًا، فهل يأثم على تزوير الشهادة فقط، أم يكون كل راتبه الذى يأخذه راتبًا حرامًا مع ذلك؟ وإذا وجد عملاً مِن شروطه خبرة خمس سنوات في ذلك وهو يجيد العمل، فهل يأثم على تزوير شهادة الخبرة فقط أم يكون الراتب كله حرامًا أيضًا؟."
وقال برهامي ردًا على السؤال:"يأثم على تزوير الشهادة والغش، أما راتبه فحسب أدائه لعمله على الوجه المطلوب".
5 "مفهوم جديد للزنا"
للشيخ ذاته عدة فتاوى أثارت لغطًا،إذ أفتى بعدم جواز قتل الزوج لزوجته الزانية وعشيقها "لمجرد رؤيتهما عاريين ما لم يرَ الفَرْج فى الفَرْج".
وقال برهامي -في إجابة لسؤال على موقع "أنا السلفي"-:"قتل الزوج لزوجته وعشيقها حال التلبس بوقوع الزنا -منها والأجنبي- "بشرط رؤية الفَرْج في الفَرْج"، هو مِن باب دفع الصائل، ولا يُقبَل شرعًا -في الدنيا- ادعاؤه "إلا بالشهود أو اعتراف أولياء القتيلين"، وأما بعد حال التلبس؛ فإقامة الحد إلى الحاكم الشرعي، والافتئات عليه حال وجوده وقيامه بالشرع يستحق صاحبه العقوبة في الدنيا والآخرة، فلا يجوز له القتل لمجرد رؤيتهما عاريين، ما لم يرَ الفَرْج في الفَرْج.
6 رؤية الأجنبية تستحم
أجاز الداعية أسامة القوصي اختباء الرجل لرؤية خطيبته وهي تستحم، ورؤية ما يدفعه للزواج بها.
وقال القوصي: "لو أنت فعلاً صادق وعايز تتزوج هذه البنت، وعرفت تستخبى وشفت حاجة هي مش ممكن توريهالك، لا حرج، إنما الأعمال بالنيات".
وتابع "أحد الصحابة فعل ذلك، فاستنكر عليه البعض، وقالوا له أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله؟ قال نعم، بقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن استطاع أن ينظر لما يدعوه لنكاحها فليفعل).
7 تجسيد الأنبياء
للقوصي فتوى جديدة أثارت لغطًا أجاز خلالها تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية، معللا ذلك بأن تجسيدهم في الدراما مفيد للدعوة والسيرة وفيه العبرة والعظة للعامة.
وقال:" العالم أصبح يعيش في عصر السماوات المفتوحة، ومن الصعب منع أي فيلم أو عمل تليفزيوني كما أن الشخصيات الدينية في الأعمال الدرامية لا يوجد به مشكلة".
يضيف القوصي: " ليس صحيحًا أن هناك إجماعًا فقهيًا بتحريم تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الفنية"، مضيفًا أن الحل والتحريم موجود في القرآن الكريم والحرام مفصل في القرآن بدقة شديدة ولا يستطيع أي إنسان أن يحرّم خارجه.
8 "تطليق الزوجة الإخوانية"
أطلق مظهر شاهين -إمام مسجد عمر مكرم- فتوى تدعو إلى التفكك المجتمعي وانهيار الأسرة المصرية إذ أفتى بتطليق "الزوجة الإخوانية."
وقال في فتواه: إنه «من غير المعقول أن تكتشف أن زوجتك التي تنام جوارك هي (خلية نائمة) تابعة للجماعة الإرهابية، وأنت لا تعلم»، وتابع:"كل زوج يجد زوجته تابعة للإخوان عليه أن يطلقها".
وتابع:"لا مانع أن يضحي الرجل بزوجته أو العكس إذا كان هذا في مصلحة الوطن، فالتضحية بالأشخاص واجبة في سبيل الوطن".
وأضاف شاهين: "لو تعارضت مصلحة الزوجة مع المصلحة الوطنية يبقى البلد الأول، وهذا ما يسمونه فقه الأولويات، ويعني أضحي بمراتي ولا أضحي بمصر".
يذكر أن مظهر شاهين كان من داعمي ثورة 25 يناير، ثم انقلب عليها، وأكد في برامجه التي يذيعها على القنوات المملوكة لرجال أعمال نظام مبارك: إنه مخبرٌ لأمن الدولة، ووقف بجانب الثورة ليتجسس عليها.
9 فسخ خطوبة الإخوانية
أطلقت سعاد صالح -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- فتوى توجب فسخ الخطوبة من الفتاة التي تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وبررت فتواها بالحفاظ على الأسرة ومن أجل مصلحة الوطن والعائلة .
وقالت صالح إن فسخ خطبة الفتاة الإخوانية أفضل؛ لأن دفع الضرر الأشد يكون بالضرر الأخف .
وتابعت:" الارتباط بطرف إخواني من شأنه أن يسبب التوتر والقلق الدائم للشخص وللعائلة، موضحةً أنه في حال الزواج من إخوانية فإنها ستنقل للأبناء ما أطلقت عليه "الفكر الإخواني البعيد عن وسطية الدين".
10 "لا عذاب في القبر"
ارتدى إبراهيم عيسى، الإعلامي القريب من سلطة الانقلاب، بذلة أهل الدين والفتوى، وأنكر عذاب القبر.
وأنكر (عيسى) في برنامجه رمضان الماضي "عذاب القبر"، مستشهدًا بأن الله تعالى لم يذكر في القرآن الكريم، أية آية تدل على عذاب القبر.
يبرر عيسى ادعاءه أن عذاب القبر ابتدعه من يريدون تخويف الناس اعتقادًا منهم أن هذا يؤدي إلى زيادة التقرب إلى الله تعالى بالطاعات، مؤكدًا أنه لا يوجد شيء اسمه عذاب القبر، ناقلا الزعم عن فئة "المعتزلة" التي وصفهم "فئة مشغلة دماغها طول الوقت"
