نطقت ملامح قائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، خلال خطابه الأخير عقب الهجمات التي شهدتها محافظة شمال سيناء وراح ضحيتها أكثر من 40 مجندًا وضابطًا مساء الخميس الماضي، بحالة من الارتباك، إلا أنه حاول أن يبدو متماسكًا من خلال تصدير حالة من القوة المتبدية في علو الصوت وحركات الأيدي، فضلاً عن مطالبته المستمرة للشعب المصري بالاحتمال والصبر، والتفويض من جديد ضد ما أسماه الإرهاب.
وألمح السيسي خلال خطابه الذي دام لأكثر من اثنتي عشرة دقيقة بتهديدات خفية للشعب من مصير يشبه ما تعانيه سوريا والعراق؛ تهديدات وصفها الدكتور نادر فرجاني، رئيس فريق تحرير تقرير التنمية العربي الصادر من برنامج الأمم المتحدة، بأنه “صلف” يشبه ما يقوم به الرئيس السوري بشار الأسد؛ فقط ليرسخ كلاهما لحكمه واستمراره في السلطة ولو على حساب رجاله ومساعديه، بل وعلى حساب شعبه لو لزم الأمر.
قلق وارتباك
القلق المسيطرعلى قائد الانقلاب وخوفه من أن البدايات المتشابهة ستؤدي حتمًا لنهايات متقاربة، وبمقارنة بدايات الحراك السوري ورد فعل الأسد المفرط في القوة، ما أسفر عن جماعات مسلحة تمزق البلاد، وما يحدث في مصر، فقد حاول السيسي مداراة ذلك من خلال الابتسام حتى أن الدكتور سعيد عبد العظيم الطبيب النفسي وصف ذلك قائلا “ابتسامة السيسي ليست بغرض الابتسام”.
في حين وصف الدكتور حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، خطاب السيسي بأنه مفعم بـ«الارتباك» قائلا: “حديث مرتبك لرئيس مرتبك يحاول إقناع شعب أكثر منه ارتباكًا بأنه قادر بنفس السياسات المرتبكة والمؤسسات البالية والقدرات المتواضعة أن يصل لنتائج مختلفة فى مستقبل لا أفق له!”.
ويقول أطباء علم النفس إن “التهديد المستمر له معنيان؛ إما أن يكون من منطلق القوة، أو محاولة لمداراة القلق المختفي في نفس صاحب التهديد ورفض الواقع”، وبمتابعة بسيطة لحديث رئيس الانقلاب وبتحليل بسيط لحركات يد السيسي ستجد أن فرد وقبض اليد باستمرار مع الفرك البسيط دليل دامغ على خوف السيسي وقلقه من الحراك المسلح الذي بدأ في سيناء وقد يمتد إلى القاهرة، وربما يكون مصيره كمصير الرئيس الليبي الراحل الذي مات في أنبوب للمجاري على أيدي شعبه.
مصر كسوريا والعراق؟
لم تتحرك مسيرة سلمية في ربوع سوريا إلا واجهتها قوات الأسد بالرصاص الحي والقنابل والبراميل المتفجرة، ما دفع الشعب إلى حمل السلاح، وفتح بابًا لدخول المقاتلين الأجانب ما جعل الشعب شراذم بين نيران الأسد والجماعات المسلحة، ففاقت قوات الأسد في استخدام القوة واستحالت سوريا إلى بؤرة من الصراع الداخلي المتفجر باستمرار والشعب يواصل حراكه.
ولأن نظرية البدايات المتشابهة والمصير المحتوم تؤرق قائد الانقلاب، فقد اعتمد السيسي على ما وصفه الدكتور فرجاني بأنه “صلف” على خطى بشار الأسد في خطابه الأخير، مؤكدًا “مجاذيب السيسي المعاتيه يتبجحون بأنه دكر وسيحمي مصر من مصير سوريا والعراق.. لكن على الرغم من السلطات الاستبدادية الاستثنائية التي منحها للمؤسسة العسكرية، فإن أحداث سيناء وذكرى 25 يناير الأخيرة، تبين أن النتيجة الفعلية لسياسة البطش الأمني والعسكرة التي اتبعها منذ 3 يوليو 2013، هي الطريق الأكيدة لتصبح مصر أسوأ من سوريا والعراق”.
وهذا يعني أن المصير الذي تدعمه سياسات قائد الانقلاب، قد أسفرت خلال أقل من عامين عن طريق تسير عليه مصر إلى مصير يخشاه كل شخص وهو المصير الذي حذر منه السيسي نفسه “أن تكون مصر زي سوريا والعراق”.
مطالبة بتفويض جديد
التفويض الأول لـ”محاربة الإرهاب المحتمل” الذي طلبه السيسي وحصل عليه لم يسفر إلا عن عمليات إرهابية في سيناء ثم انتقلت بعمليات نوعية إلى داخل الوادي بل وفي قلب القاهرة، ما يؤكد أن سياسات التفويض لا تأتي إلا بـ”الخراب والفراغ السياسي”، حسب وصف الباحث السياسي علاء بيومي، مدير الشؤون العربية لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية.
واستفاض بيومي “لا يحترم السيسي إرادة الناس، فهو تقريبًا أكثر من همشها منذ ثورة يناير التي قامت لكي يستعيد الناس إرادتهم، في عهد السيسي انتفت الحرية، حديثه عن إرادة الناس مضلل ومسيء لأنه أكثر من يقمعها تقريبا”.
الترسيخ للحكم والصراع الصفري
وفي قراءة الخطاب استمرار واضح لمحاولة مداراة التقصير والعجز الذي تواجه قوات الجيش المصري في سيناء، الذي سنح بتمدد عناصر ولاية سيناء الداعشي “أنصار بيت المقدس سابقًا”، حيث قال بيومي “صراعه (السيسي) مع بعض قيادات الإخوان ومن أجل الحفاظ على السلطة يشغل تفكيره، لذا لم يتحدث عن المشكلة الحقيقية في سيناء، أو عن طرق حلها -في خطابه- هو حول مشكلة سيناء لمشكلته الخاصة في الصراع على السلطة وتثبيت أركان حكمه الاستبدادي، والزج بالإخوان في كل معضلة يواجهها السيسي، هو هروب من أزمات مصر الحقيقية”.
يسعى السيسي في كل مناسبة إلى التأكيد على أن مصر تعيش في حرب مستمرة، الأمر الذي يزيد من عمليات القتل ووصفه بيومي بأن “حديث السيسي يعبر عن عقلية أزمة، عقلية تصادمية تنظر للأمور كصراع صفري، ولا يبدو أنها قادرة على فهم متطالبات السياسة والبحث عن مخرج”.
الصراع الصفري وانتهاء الطرف الرافض لحكم قادة الانقلاب، مستحيل عملي، لكن خطاب السيسي الأخير وإن دل فعلى قلق واضح، وشعور بتفلت الأمور -حسب عدد من المحللين السياسيين- من بين أصابعه، فضلا عن الارتباك الذي دفعه لتحميل مواجهة الإرهاب للشعب؛ ليتنصل ترسيخًا لحكمه، لعلم أن خلخلة حكمه تعني وقوعه تحت مقصلة الحق.