شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

داعش والربيع العربى .. “كش ملك”

داعش والربيع العربى .. “كش ملك”
غريب هذا التنظيم الذى ظل سنين تحت السيطرة منذ الغزو الأمريكى للعراق، وفجأة لما اندلعت الثورة بالعراق على الحكم الطائفى المستبد ظهر التنظيم من جديد بصورة سريعة وملفتة ليعلن أنه باقى ويتمدد!.

غريب هذا التنظيم الذى ظل سنين تحت السيطرة منذ الغزو الأمريكى للعراق، وفجأة لما اندلعت الثورة بالعراق على الحكم الطائفى المستبد ظهر التنظيم من جديد بصورة سريعة وملفتة ليعلن أنه باقى ويتمدد!.

ورغم أن هذا التنظيم الذى يبلغ عدد مقاتليه على أكثر تقدير 30 ألفا اجتمعوا من شتى الجنسيات فى وقت وجيز جدا وكأن الحدود كلها فتحت أمامهم، أعلن حربه على كل ما يحيطه من تنظيمات ودول ، دون مواربة ولا سياسة، حتى التحالف الدولى يعلن أن أمامه ثلاث سنوات على الأقل حتى يتمكن من تحقيق نتائج ملموسة على الأرض فى حربه على التنظيم، يا له من تنظيم خارق !.

وعلى الرغم من أن كل التقارير الاستخباراتية والبحثية الأمريكية تؤكد أن قوة التنظيم تكمن فى التمويل الذاتى له، والذى يعتمد بشكل أساسى على النفط الذى يقع تحت سيطرته ويضخ له يوميا 3 ملايين دولار ، ومع ذلك فالقوات الجوية للتحالف الأمريكى لم تستطع أن تأخذ قرار بضرب آبار النفط بعد، ربما حتى لا يتأثر سوق النفط ارتفاعا ..؟!.

ولكن كيف ؟! وهى فى ذات الوقت استطاعت أن تقنع دول الخليج بإغراق سوق النفط وتحمل خسائر بمئات المليارات لتسقط اقتصاد دول أخرى لم يسقط بعد ، وربما تتحالف معها أمريكا فى المستقبل ويجد الخليج نفسه قد وصل لمستوى سعر نفط لا يستطيع رفعه مرة أخرى ، وتنعكس اللعبة عليه وعلى نفسها جنت براقش، وبذلك تكون دول الخليج هى الأخرى “كش ملك”!.

نرجع لتنظيم الدولة الذى يبدو أن له قوة أخرى ناعمة غير القوة العسكرية التى يحاول الجميع أن يلهينا بها ، فما الذى يمتلكه هذا التنظيم حتى يحقق هذه النتائج والتوازنات والتنسيقات الأمنية مع أعدائه أحيانا ؟!.

القوى الناعمة التى يمتلكها هذا التنظيم تكمن فى ضرب أهم شئ يؤرق العالم كله الآن ألا وهو ثورات الربيع العربى،  وقبل أن تحمر وجنتيك وتتهيج مشاعرك التى أثقلتها هموم الاستبداد والقتل والتشريد وترى فى عمليات هذا التنظيم متنفسا لها ، وهذه تعتبر أحد أهم القوى الناعمة التى يبنى عليها التنظيم استراتيجيته ، تعالى نفكر قليلا بالمنطق والعقل..

أولا – يعتبر تنظيم الدولة كنتون كبير لتفريغ شحنات الشعوب البائسة والعناصر الثائرة، فبدلا من أن تنفجر هذه الطاقة الثائرة فى الأنظمة المستبدة الحاكمة لبلادها تذهب وتتجمع هناك فى مكان واحد ، تحت تأثير حُلم أنها باقية وتتمدد ، وفى عزلة جيوسياسية يسهل معها ترويض هذه الكتل وتوجيهها ، ولا عجب أن تجد أن 65% سعوديون و20% ليبيون وتونسيون من مقاتلى داعش طبقا للدراسة التي نشرتها مجلة «long war» عن الجنسيات التي يحتويها تنظيم «داعش» ، ويأتى فى ذيل القائمة الفلسطينيون بعدد 20 مقاتل فقط ..! هذه النسب لها دلالات هامة تبين لك أن أكثر مستفيد من هذا التنظيم من هذه الناحية هو حكم آل سعود ، فتحت الضغط والتضييق الشديدين استطاعوا أن يتخلصوا من الطاقة الثائرة الغاضبة لديهم ، وشحنها إلى هذه المنطقة التى تسمى “الدولة” ، ومن ناحية أخرى فهو يستطيع أن يهدد به النفوذ الإيرانى والتركى على حد سواء فى منطقة العراق والشام بعد أن ظل النفوذ السعودى خارج المنافسة منذ التواطؤ على إسقاط عراق صدام .

ثانيا –  الهدم المعنوى لمشروع الوحدة الإسلامية الذى تهدف له تنظيمات الإسلام السياسى والحُلم الذى يراود عقل وقلب كل مسلم ، والذى يعتبر نتيجة متوقعة لنجاح الربيع العربى ، وذلك يكمن فى المسارعة بإعلان التنظيم لـ “الخلافة” وتشويه صورتها واختزالها فى مشاهد وأفكار لا تمت إليها بصلة بل ربما تناقضها ، وأول هذا التناقض قيامها على مبدأ التغلب وإرغام الناس على البيعة لمن يملك السلاح وهو نفس المبدأ الذى قام عليه الملك العضود منذ أربعة عشر قرنا ، والذى يتعارض مع مبادئ الثورة الآن جملة وتفصيلا؛ إذ لا يتوقع أن يثور الناس بعد كل هذه السنين ليعودوا إلى الملك مرة أخرى ..!

ثانى هذا التناقض وأخطره هو مبدأ التكفير بالبيعة ، فمن لم يبايع فهو كافر ..! وهذا ينقض مبدأ الحرية السياسية وحق الأمة فى اختيار الحاكم من أساسه ، فضلا عن حرية الاعتقاد التى أقرها الدين (لا إكراه فى الدين) ، هذا كله فضلا عن انتقاء النصوص وتوجيهها واختزال الشريعة كلها فى مشاهد الحدود وذبح الرهائن ، كل هذا يروج لعقول الأمة وأفكارها تحت مسمى “الخلافة” ..! ولا يخفى أن المستفيد الأكبر من ذلك هو القوى العالمية التى لا تريد لهذه الوحدة أن تتجذر فى نفوس المسلمين، وفى ذات الوقت تجد لديها بضاعة رخيصة تروجها لشعوبها لإقناعها بسياساتها المنحازة والمتناقضة تجاه دول الثورات العربية وتجاه المسلمين .

وهنا سيسأل سائل سؤالًا وجيهًا: لماذا لا ترى اندماج هذه القوة الشاردة لتكون رصيدًا مضافًا للإسلام ؟! ولماذا لا تكون هى البديل الجديد كما يعتقد البعض الذى سيرانى فى كل هذه السطور متهجما ؟! ..

هنا يكمن مربط الفرس ، وهو أنك فى مأزق بين بيدقين ، فلكى يحدث هذا لابد من تقارب فكرى وتنازل عن كثير من الأفكار المنتقاه ، وحسم لكثير من المسائل الفكرية بين التيارات الإسلامية المختلفة ، وهذا لاشك يحتاج إلى تفاعلات طويلة وربما تجارب أطول خصوصا وأن لكل نصوصه التى يستند إليها ويحتد بها ، وفى ذات الوقت تتجنب التنظيمات الإسلامية المختلفة سواء الجهادية أو السياسية منها على المستوى الرسمى ذلك لما يوفره من بيئة خصبة لزرع تكتيكات الحرب القذرة وإيقاع التنظيمات فى حروب متبادلة بينها وبين بعضها البعض ، وكأنك أمام هذا كله فى لعبة سياسية تديرها أطراف دولية استفادت من كل هذه النقاط لتقول لك مرارا “كش ملك”.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023