لعل الكثيرين من متابعي شبكات التواصل الاجتماعي قد توقفوا عند التصريح “الناري” لوزير الاستثمار أشرف سالمان، والذي خرج به أمس الثلاثاء حول اعتزام الحكومة إنشاء عاصمة جديدة، لشدة الازدحام في القاهرة، ومن أجل نقل كل المباني الحكومية في مدينة واحدة.
ولفت سالمان خلال مقابلة له مع شبكة بلومبرج الإخبارية، إلى أن المدينة الجديدة ستقع شرق القاهرة، ومن المتوقع أن يبلغ حجمها نفس العاصمة القديمة، مردفًا أنه حتى الآن لم يتم تحديد الجهة التي ستتعهد ببناء العاصمة الجديدة، مشيرًا إلى وجود مناقشة للمشروع مع الحكومة الإماراتية، ومجموعة من المستثمرين الأجانب وخاصة البريطانيين، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة المشروع من 80 لـ90 مليار دولار، أي ما يعادل حوالي 500 مليار جنيه مصري.
كما وزعم وزير الاستثمار أن موقع مصر الجغرافي يشجع المستثمرين الأجانب، بجانب التعداد السكاني الهائل لمصر 90 مليونا، وأن السوق المصري يضيف مليون مستهلك سنويًا، على ذلك فشركة البترول البريطانية تود الاستثمار بمبالغ ضخمة في البلد على الرغم من الوضع الحالي لمصر.
ومن جانبها قامت شبكة “رصد” الإخبارية باستقصاء لآراء بعض الخبراء الاقتصاديين حول إمكانية مصر المادية على خوض مشروع في مثل هذا الحجم، وعن مدى التدخل السياسي والاقتصادي من قبل الدول المشاركة في حالة إقامة المشروع، ونعرضها لكم من خلال هذا التقرير:
سالمان وزيرًا للإعلام:
بسؤاله عن رأيه في المشروع الجديد، رأى الدكتور مصطفى عبدالسلام -الخبير الاقتصادي- أن التصريح الجديد غير عقلاني بالمرة، وأنه مجرد “هرتلة إعلامية”؛ فالحكومة غير قادرة على القيام بمثل هذا المشروع، نظرًا لأن العجز في الموازنة يتزايد يوما بعد يوم.
أما الدكتور “سرحان سليمان” -الخبير الاقتصادي- فوصف التصريح بأنه “كلام فاضي” مثله كمثل ما سبقه من تصريحات غرضها الاستعراض دون أن تبنى على أساس اقتصادي أو حتى منطقي، معقبًا بأن “تصريحات وزير الاستثمار تأهله بجدارة لمنصب وزير الإعلام أكثر منه للاستثمار”.
الأولويات هي المحرك للاقتصاد:
وأكمل “سليمان” حديثه متسائلاً: “كيف لدولة تستورد حوالي 75% من احتياجاتها من الخارج أن تفكر في مثل هذه المشاريع الضخمة طويلة المدى!؟ ليس من المعقول البحث عن عاصمة جديدة في الوقت الذي تعاني فيه الموازنة العامة من نقص هائل، والسياحة في أسوأ أحوالها، وغيرها من الأزمات الحالية”، مسترسلاً: ” ولكن من الأولى الحديث عن مشاريع إنتاجية قصيرة المدى لتساهم في حل الأزمة في الموازنة، وزيادة الحركة الاقتصادية؛ فالأولويات هي المحرك الرئيسي للخطط الاقتصادية والاستثمارية”.
سالمان يقتدي بعاطف عبيد:
وحول إمكانية تنفيذ المشروع الجديد على أرض الواقع، علق الدكتور مصطفى عبد السلام بأن الحديث عن العاصمة الجديدة غير عقلاني وغير منطقي وغير اقتصادي، ويقترب كثيرًا مما كانت تقدم عليه حكومة عاطف عبيد، حيث كانت تطلق مشاريع وهمية بالملايين والمليارات دون أن ينفذ منها أي شيء، وانتهى الأمر بها بأن تبيع الدول من خلال مشروع الخصخصة بدلاً من القيام بتلك المشروعات.
طاقة مصر لا تستوعب هذا المشروع:
وعن مقدرة مصر على القيام بالمشروع أو المساهمة فيه، رأى “عبدالسلام” أنه في ظل عجز مزمن في الموازنة العامة للدولة وتوقف المساعدات الخارجية، ستظل الحكومة عاجزة عن القيام بأيٍ من المشاريع الكبيرة؛ نظرًا لأن العجز يجبر الدولة على ترشيد النفقات، أو خفض الدعم، وفي هذه الحالة تفضل الدولة خفض الدعم، وخاصةً الدعم المقدم للبترول والكهرباء والمياه.
وأكمل الخبر الاقتصادي أن القطاع الخاص في مصر “ليس لديه القدرة ولا الرغبة في تنفيذ مثل هذه المشروعات”؛ لأنه لا ينعم بمناخ أو بيئة استثمارية مناسبة، حيث لا يوجد بالبلاد استقرار سياسي أو أمني يدفعه لتوسيع مشروعاته وضخ أموال جديدة، ولا يمكن إغفال أن القطاع الخاص لا يمتلك سيولة كافية لتمويل مثل هذه المشروعات، وأن هذه السيولة متوافرة فقط لدى البنوك، والتي تحصل عليها الحكومة في شكل سندات لتمويل عجز الموازنة، وسداد رواتب الموظفين.
الشباب أولى:
ومضى الدكتور مصطفى عبدالسلام في حديثه قائلاً: “على وزير الاستثمار بدلاً من التفكير في إنشاء مدينة جديدة والحديث عن تشييد أطول برج في مصر ومشروعات وهمية، الحديث عن مشروعات انتاجية تساهم في تشغيل الشباب، وتخفيف حدة البطالة والتي وصلت لنسبة 29% بحسب الجهاز المركزي للمحاسبات، وتوفير سبل الحياة للخريجين الجدد أو العائدين من ليبيا والعراق.
مؤتمر مارس “بيع بشكل جميل”:
وبسؤاله عن المؤتمر الاقتصادي المزمع انعقاده في منتصف الشهر الجاري، أجاب الدكتور سرحان سليمان بأن الحديث إذا كان عن أن المستثمرين المتقدمين للمشاريع هم عرب فقط، فهذا ليس استثمارًا إنما هو بيع جزء من الأراضي للعرب بـ”شكل أجمل”، ولن يتحقق الاستثمار حتى يحدث تنوع في أجناس المستثمرين المتقدمين وليس العرب فقط.
الاستثمار لن يكون من نصيب مصر:
أما الدكتور مصطفى عبدالسلام، فيرى جلسات المؤتمر القادم، جلسات “بروتوكولية” يعلن فيها الجميع ضخ منح ومساعدات واستثمارات لمصر دون نتيجة فعلية لتلك الوعود، قد يتم طرح مشروعات والموافقة عليها لكن التنفيذ وضخ المليارات في حاجة لبيئة استثمارية وتوفير مصادر للطاقة دائمة بسعر مناسب، بالإضافة لاستقرار سعر الصرف، فضلاً عن الاستقرار السياسي والأمني، والأهم هي جهة رقابية تراقب العقود المبرمة بين الحكومة والمستثمرين والتي تتمثل في برلمان منتخب، قد لا يرى النور في القريب.