قانون الخدمة المدنية الجديد الذي صدر منذ أيام بالجريدة الرسمية بعد إقراره من عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري، والذي يلغي بصدوره قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر 1978، أثار جدلا واسعا ببعض مواده التي تنهك الموظف بمزيد من الأعباء في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
ووفقا لما قالته فوزية حنفي، القائم بأعمال رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، فإن الجهاز بدأ فعليا تطبيق مواد قانون الخدمة المدنية على نحو 7 ملايين موظف.
وكانت حنفي قالت للمصري اليوم مساء اليوم الإثنين، مشيرة إلى أن بعض مواد القانون الجديد تحتاج للائحة تنفيذية والبعض الآخر لا يحتاج، مضيفة أنه من المقرر صدور اللائحة التنفيذية المفسرة لبعض المواد خلال 3 أشهر من إصداره.
"رصد" ناقشت القانون الجديد مع الخبيرين الاقتصاديين مصطفى عبد السلام، وسرحان سليمان، والدكتور سعيد الغريب، أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة.
ما الاختلاف بين القانون الحالي والسابق؟
الدكتور سرحان سليمان قال إن قانون العمل الجديد يختلف في عدة نقاط عن القانون السابق له، ولكن أغلب مواده لا تختلف عن القانون السابق.
وعلق سليمان على المادة 13 والتي تشترط التعيين بموجب قرار يصدر من رئيس الجمهورية أو من يفوضه، بأنها لم تتطرق إلى وسيلة التعيين وتجاوز أمور المحسوبية والواسطة التي مل منها المجتمع المصري، ولم يحدد وسائل تجنبها، كما كان من المفترض أن يتطرق للجان المختصة بالتعيين، وأن يشترط فيها الحيادية وتكون بعيدة عن الجهة التي طلبت الموظفين.
واتفق مع سليمان أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة القاهرة سعيد الغريب، مؤكدًا أن شروط التعيين التي شملها القانون في مجملها مناسبة لكن يؤخذ عليها المركزية الشديدة جدا، فالتعيين لأي درجة وظيفية سيتم وفقا للقانون بقرار من رئيس الجمهورية، فضلا عن أن شرط اجتياز امتحان، أو مقابلة سيفتح الباب على مصراعيه كما هو الآن أمام الوساطات والمحسوبيات، مما يخل بالتأكيد بمبدأ تكافؤ الفرص بين كل المتقدمين لشغل الوظيفة.
الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام أوضح أن القانون تضمن أن تكون الوظائف الجديدة في الحكومة "شاغرة وممولة" مما يعني ضرورة توافر مصادر من الإيرادات العامة لتمويل الرواتب الخاصة بها.
ولفت إلى أن هذا لن يتحقق في ظل عجز الموازنة المستمر والبالغ 253 مليار جنيه في آخر سنة مالية 2013-2014.
لماذا غاب الحد الأدنى والأقصى للأجور عن القانون الجديد؟
بين سرحان سليمان أن القانون لم يتطرق للحديث عن الأجور بشكل عادل، ولم يتطرق على الإطلاق للحد الأدنى والأقصى للأجور، مشيرا إلى أن هذا أبرز دلائل العدالة الاجتماعية، خاصة أن التأثيرات الاقتصادية للعدالة في الأجور بين الموظفين بالمؤسسة الواحدة والموظفين بالمؤسسات المختلفة أمر هام، وتعمل على زيادة الإنتاجية للمؤسسة بشكل عام.
وأيده الغريب بأنه يغيب عن القانون الحد الأدنى والأقصى للأجور، مضيفا أنه كان يجب تضمين كل العاملين بالدولة وإلغاء ما يعرف بالكادر الخاص وتطبيق الحد الأدنى والأقصى على كل العاملين بالدول دون أي استثثناء تحقيقا للعدالة الاجتماعية.
ما هي أخطر مواد القانون؟
أشار سعيد الغريب في الوقت نفسه لبعض مواد القانون التي جانبها الصواب وفقا لرأيه، والتي تحتاج لإعادة نظر منها تفتيت الدخل للعامل أو الموظف، وهو ما يفتح باب السرقات والمجاملات من وجهة نظره، مؤكدا أن نظام الحوافز والبدلات هذا لا يوجد إلا في مصر.
وأضاف أن القانون لا يشمل كل العاملين بالدولة، فالقانون مثلا يستثني أساتذة الجامعات، ولا يعقل أن يكون أساسي العامل العادي فوق 800 جنيه بما يعادل أو يزيد على أساسي راتب أستاذ الجامعة.
وتابع أيضا أنه من ضمن سلبياته أنه لايربط بين الدرجة الوظيفية ومن ثم الراتب من جهة والدرجة العلمية من جهة أخرى فمثلا قد نجد حامل ليسانس يشغل درجة وظيفية، أعلى من حامل للدكتوراه.
ومن وجهة نظر أستاذ الصحافة هذا الربط هو أساس تحقيق العدالة الاجتماعية.
وعن ربط الحوافز المالية بمستوى عجز الموازنة العامة للدولة إذ يسمح القانون بتقديم حوافز وبدلات ومقابل تشجيع للموظفين الحكوميين بقرار من رئيس الوزراء بعد موافقة وزير المالية، قال عبد السلام إن هذا يجعل إيجاد وظائف جدة رهنا بالظروف الاقتصادية والمالية للدولة لا رهنا لخطط الحكومة التي يجب عليها توفير فرص عمل.
وعن علاوة شهر يوليو، التي كان يصدر قرار من رئيس الجمهورية بتحديد قيمتها في كل عام منذ العام 1987، والتي أصبح لها نسبة ثابتة في القانون الجديد، بقيمة 5% من الأجر الوظيفي، بين عبد السلام أن هذه النسبة "5%" تعد ضعيفة مقارنة بمستوى التضخم الذي يزيد على 10% سنويا، وهو ما يعني أن الدخول ستقل عن المستوى العام للأسعار بالسوق.
ماذا عن الشروط التعسفية بالقانون الجديد؟
أكد الغريب أن الجديد هو شرط تعسفي في المادة 53 التي تمنع الموظف من أداء أي عمل للغير سواء بأجر أو غير أجر في أثناء إجازته دون الحصول على موافقة الجهة المختصة.
ولفت الغريب إلى أن هذا الشرط ضد حق الموظف في أن يعمل ما يشاء في إجازته طالما كان ذلك في نطاق القانون العام.
هل هناك تقييم عادل للموظف بالقانون الجديد؟
أكد الغريب أن تقييم الموظف لا بد أن يكون من جهة محايدة وليس بيد رئيسه المباشر، يعني أقصد مش جهة محايدة، مشيرا إلى أنه من الأفضل أن تكتب التقارير هذه لجنة مختصة بذلك أو يكتفي بسير العامل طوال العام، والاستغناء تماما عن مثل هذه التقارير التي تفتح الباب أمام الرؤساء في العمل للفساد من خلال التسلك على الموظفين فالأفضل أن تلغى تماما.
وعلق الغريب على المادة 59 التي تغذي نفس المعنى، فهي تعطي الرؤساء في العمل حق توقيع الجزاءات وهم من يقومون بالتحقيق، فالتحقيق من شأن الشؤون القانونية وليست لرؤساء العمل.
هل انحاز القانون الجديد لرجال الأعمال؟
أكد عبد السلام أنه لا يعبر عن العمال بل انحاز إلى المستثمرين ورجال العمال، من خلال تبني وجهة نظرهم في عدة موضوعات مهمة، كالإضراب والفصل التعسفي والأجور وإجارة المرأة والعمل المؤقت أي الموسمي.
ما شبهة مخالفة القانون الجديد مواثيق العمل الدولية؟
عارض عبد السلام ما منعه قانون العمل الجديد من احتجاجات عمالية فلم يحدد القانون فارقا بين التظاهر والإضراب والاعتصام، بالمخالفة للقوانين ومواثيق العمل الدولية، مما يسمح للمستثمرين باستغلال هذا الأمر ضد العمال ورفض من يتهمونه بالإضرار بمصلحة العمل وبالتالي فصله.
وشدد على أن القانون الجديد منع محاولات الاجتهاد العلمي وزيادة المستوى التعليمي، حيث سعى القانون إلى تقييد بعض الامتيازات التي كان يحرص بعض العاملين عليها، حيث تم منع الانتقال من كادر فني أو خدمي إلى كادر إداري.
بشكل عام هل ترى أن القانون سيحسن من كفاءة الموظف؟
سليمان لفت إلى أن القانون الجديد لن يحسن كفاءة الموظف ولن يرفع أداء الخدمة ولا جودتها، وبالتالي لن يرفع أداء الجهاز الإداري للدولة الذي يندرج تحته أكثر من 7 ملايين موظف يعيلون على الأقل 25 مليون فرد.
ما الذي يجب أن يشمله القانون الجديد؟
طالب سليمان بالالتفات لقوانين العمل بدول مثل تركيا وماليزيا والاعتبارات التي تلزمها قوانين هذه البلدن في ما يتعلق بالأجور، وأن يكون هناك امتيازات بالقانون للحاصلين على الماجستير والدكتوراه وأن يتساوى هؤلاء مع المعينين بالكادر الخاص.
أما عبد السلام أوضح أنه بشكل عام فإن تطبيق القانون في حاجة إلى آليات قوية للرقابة على كفاءة الجهاز الإداري الضخم للدولة، وتطبيق المواد ومنع رجال الأعمال من الالتفاف حوله، وأظن أن هذا غير متوافر حاليا في الجهاز الحكومي المترهل.
ما الذي يتميز به القانون الجديد؟
أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة القاهرة علق على القانون بشكل عام قائلا: "أهم ما يميزه أنه سيرفع رواتب العاملين التي يتحصلون عليها بعد الإحالة للمعاش، بحيث سيصل المعاش ما يعادل ثمانين في المئة من آخر راتب، والسبب في هو ضم معظم الحوافز والبدلات الأساسي الراتب ليصبح معظم الراتب كتلة واحدة وهذا أمر جيد".
في النهاية اتفق الخبراء أن التوسع في إصدار القوانين في غيبة البرلمان المنتخب تعد ظاهرة خطيرة وغير صحية سواء لمجتمع الأعمال أو حتى للمواطنين العاديين الذين يشاهدون يوميا عشرات القوانين التي تصدر دون حتى عرضها على أصحاب الشأن.