قدر عدد من خبراء الاقتصاد، ما يمكن أن توفره مصر سنويًا من القضاء علي الفساد المالي والإداري بحوالي 100مليار جنيه.
وكان تقرير قضائي صدر منذ أيام، فجر أكبر قضية فساد مالي وإداري داخل الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، تورط فيها أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، ويوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق.
وأمرت النيابة الإدارية بإرسال مذكرة إلى رئيس الوزراء، لاتخاذ اللازم حيال المخالفات الواردة بالقضية ووضع الآليات التي تضمن الحفاظ على أموال الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، حيث إن المتهمين تلاعبا بمليارات الجنيهات مع رئيسي الهيئة السابقين ووكيل أول الوزارة، وأهدروا مئات الملايين من أموال الأرامل واليتامى والعجزة والمصابين.
الخبير الاقصادي سرحان سليمان، قدر بدوره الخسائر التي يتعرض لها الاقصاد المصري من الفساد المالي والإداري بحوالي100 مليار جنية سنويًا، وهي قيمة ما يمكن أن توفره الدولة إذا قضت علي الفساد.
وأضاف “سليمان”، في حديث خاص لـ”رصد”، أن أندونيسيا والبرازيل من نماذج الدول التي تملك موارد أقل من مصر وتتعرض لأزمات مالية واقتصادية حادة، ولكنها استطاعت بفضل محاربة الفساد المالي والإداري بالدولة تجاوز أزماتها الاقتصادية وتحقيق مؤشرات اقتصادية عالية.
وأكد “سليمان”، أن نشر مثل هذه القضايا ينفر الاستثمارات الأجنبية، كما أنه يأتي بالوقت الذي راجع فيه ترتيب مصر بمنظمة الشفافية، وذلك بسبب انتشار الفساد داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة، لافتًا إلى أن دستور 2014 ألغى ما أقره الدستور السابق من إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، وعمل جنبًا إلى جنب مع الجهاز المركزي للمحاسبات، ولكنها تختص بكشف قضايا الفساد، مؤكدًا أن الفساد مرض خبيث منذ الثمانينات حتي اللحظة لم تتطرق له أي حكومة، وأن آلاف القوانين المخصصة له غير مفعلة.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن هناك تقارير منشورة مؤخرًا أكدت أن التعقيدات داخل الموانئ المصرية والبيروقراطية تسببت في خسائر تصل إلى 4 مليار دولار، وهو ما يدخل ضمن نطاق الفساد المالي، مؤكدًا أن 10-15%من الناتج القومي تخسره مصر بسب بالفساد المالي.
بدوره علق الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، علي الأمر بقوله: إن الفساد في إدارة الحكومة المصرية بكل مؤسساتها نتيجة طبيعية لشل يد الأجهزة الرقابية، موضحًا أنها أجهزة غير مستقلة وتتبع الجهاز الإداري للدولة وبالتالي كيف يراقب المرؤوس رئيسه؟.
“الصاوي” تابع في حديث خاص لـ”رصد”، أنه من جهة أخرى فإن الطريقة التي يعين بها موظفي الدولة تساهم في تكريس الفساد بشكل كبير، حيث يتم التعيين من خلال الوساطة والمحسوبية والرشوة، متسائلًا: إذا كان الموظف بالحكومة عين من خلال هذه الوسائل غير القانونية فهل سيرعى القانون؟”.
وردًا علي سؤال عن مواجهة هذا الفساد بالدولة أجاب “الصاوي”، أن هذه القضية لن تحل إلا باستقلالية الأجهزة الرقابية وإتاحة الشفافية في التعيينات الحكومية، بعيدًا عن الرشوة والوساطة والمحسوبية، مؤكدًا على أنه دون إتاحة فرصة لتطبيق العدالة الاجتماعية والقانون بشكل حقيقي، في أمور الدولة والحكومة، فلن نقتلع دولة الفساد في مصر.
وكان ابرز ما كشفته التحقيقات أنه تم اهدار مليار جنيه مكافآت دون استقطاع الضرائب، بالإضافة إلي 153 مليون جنيه مكافآت تشجيعية.
وكانت التحقيقات أظهرت أن 455.5 مليار جنيه مديونية وزارة المالية لمصلحة صندوقي التأمين الاجتماعي عن المبالغ التي حصلت عليها وزارة المالية من أموال التأمينات والمعاشات، حسبما ورد بتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بنسبة 93.6% من أموال التأمينات، وكان يتعيين عدم التعدي على هذه الأموال أو الأرباح المترتبة عليها خلال استثمارها بالطريقة التي كانت تدار بها هذه الأموال قبل استدانتها من وزارة المالية، إبان دمج وزارة المالية والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي لصندوقيها، تحت قيادة يوسف بطرس غالى.
كما كشفت التحقيقات، أنه عرض على وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي بصرف مبلغ جملته 86 مليون جنيهًا مكافأة بدلات حضور جلسات مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي.
الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي الدولي، أكد لـ”رصد”، أنه بالحديث عن مؤشرات الفساد في مصر فلابد أن نضع في الاعتبار أنه قبل 2011 كان ترتيب مصر في منظمة الشفافية العالمية 96، بينما تراجع الترتيب بعد الثورة إلي 137، وهي مؤشرات كارثية تؤكد استمرار الفساد داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها.
وتابع “عبده”، أنه بعد 2011 كان التركيز علي الأضاع السياسية، ولم تنتبه الحكومات للاقتصاد المصري ومعاناته، ما فاقم معدلات الفساد، مؤكدًا أن مواجهة الفساد الاداري بالدولة يستوجب إعادة مناقشة القوانين التي تختص بهذا الجزء وصياغة التشريعات وحسن اختيار القيادات.