شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

محمد الحليوي يكتب: ثورة داخل الإخوان

محمد الحليوي يكتب: ثورة داخل الإخوان

لم يعد خافيًا على صاحب عقل تلك الأزمة التي تمر بها جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الحالي؛ إذ إن هذه المشكلة ليست وليدة اللحظة الراهنة، ولم يكن الانقلاب العسكري سببًا فيها، بل سبق ميلادها قبل الانقلاب بنحو ثلاثة عقود من الزمان.

إن أزمة الإخوان الفكرية والاجتماعية والإدارية بدأت منذ ما يسمى بالتأسيس الثاني للجماعة بعد خروج الإخوان من سجون عبد الناصر إبان حكم السادات، فالسيولة الفكرية:

ذلك المصطلح العبقري الذي صاغه المفكر الفرنسي “أوليفيه روا” هو أنسب ما وصفت به الحالة الإسلامية، ومن ضمنها جماعة الإخوان المسلمين، فنظرة الإخوان للدولة الحديثة أوضح مثال على تلك السيولة بداية من رفضها في أدبيات الإخوان الكلاسيكية، والانتقال إلى مرحلة عدم العداء معها، بل وقبولها والاندماج فيها والتبشير لها (في دولة مدنية دستورية حديثة)، فلا يوجد تصور لشكل الدولة لدى الإسلاميين عامة وجماعة الإخوان خاصة، إلا شعارات لا ظهيرًا فكريًّا أو تصورًا حقيقيًّا لها فشعار الإسلام هو الحل ـ على سبيل المثال- يبدو في ظاهره شعارًا رنانًا يخلب القلوب ويشحذ الهمم، لكنه يبقى شعارًا فحسب، فلم نلحظ تصورًا لكيفية هذا الحل ولا خطة له ولا استراتيجية لتطبيقه.

وفي سياق متصل نجد أن أزمة الحجاب حاضرة بقوة كدليل واضح على حالة السيولة الفكرية داخل الجماعة، فمنذ ما يقرب من عشرة أعوام أو يزيد كانت النقاشات عن الحجاب حول فرضية النقاب، ثم خفتت حدة الصراع إلى أن صار الصراع حول جدلية ما يسمى بالخمار الماليزي حتى انتهى بنا المطاف إلى أن نرى اليوم أخوات ترتدي طرحة صغيرة، أما لباسهن فهو مما لا تنطبق عليه شروط الحجاب الشرعي.

ومما لا يمكن إغفاله في معرض حديثنا عن السيولة الفكرية داخل الجماعة أزمة تعدد التصورات الفكرية داخل قيادات الصف الأول فضلًا عن حالة من الاختلاف الفكري لدى الأفراد، فتجد الأسرة الواحدة تضم من يدافع عن “تنظيم الدولة الإسلامية” ومقتنع بمنهجها في التغيير، وعلى العكس تمامًا تجد من يرى أن هذا التنظيم – بل وكل تيارات السلفية الجهادية- صنيعة المخابرات وأن الأجهزة الأمنية تحركهم وفق إرادتها، وتجد من يرى أن كسر الانقلاب لن يتم إلا بحمل السلاح والمواجهة العنيفة، وعلى العكس هناك من يرى أن السلمية هي الحل الأوحد لكسر الانقلاب، ومنهم صاحب النزعة السلفية ومنهم صاحب النزعة الليبرالية فلا يوجد إطار فكري واضح واحد للإخوان.

كما أنه لا يمكن غض الطرف عن وجود أزمة فكرية حقيقية أدت إلى قصور في الاهتمام بنوعية كفاءة الأفراد الذين يتولون المسؤولية، وعدم الاهتمام بكفاءة الأفراد الثقافية والإدارية والتربوية، وعدم وجود مراكز لدعم اتخاذ القرار أو إيجاد خطة استراتيجية تعمل وفقها الجماعة إلى جانب ترهل إداري في القيادات الوسطى للجماعة التي “كنت ولا زلت مقتنعًا” أنهم أكبر أزمات الجماعة، وأنهم من صنعوا الفجوة بين شباب الجماعة وقيادات الصف، فمقولة “قدم حلًّا أو اخرس” هي العصا السحرية لدى تلك القيادات لقطع الطريق على أي مشتك أو ناقد، ومما لا يمكن إغفاله أنه ليس كل ناقد مطالب بإعطاء الحل، فالوصول للمشكلة وعرضها أول طريق للحل وليس معنى أنه لا يمتلك الحل أنه على خطأ وأن ما ينتقده هو الصواب.

ومن الأزمات كذلك أزمة التصعيد داخل الجماعة التي تتم بقرار إداري فلا توجد آلية واضحة للترقي داخل الجماعة سوى ثقة المسئول في الفرد، ومما هو معلوم أن التصعيد هو ما ينتج عنه إعطاء الفرد حق الترشح والانتخاب داخل الهيكل الإداري للجماعة؛ مما يطرح تساؤلًا: هل الانتخابات داخل الجماعة حقًّا نزيهة؟

ولا أقصد بعدم النزاهة هنا التزوير، ولكن أقصد آليات الترشح والانتخاب، وهو ما يتمخض عنه سؤال هام: هل يتقدم أهل الثقة على أهل الكفاءة؟

وكذلك من المشكلات وضع هالة من القداسة حول القيادات من كل المستويات، وكان الأولى أن يكون المسئول موضع سؤال ومحاسبة وعقاب إذا ما قصر في أداء ما هو منوط به، فصار من يطالب بمحاسبة المقصر موضع لوم وشك في إخلاصه وأخلاقه وغير ذلك من المشكلات الإدارية التي لا يكفي مقال مثل هذا لذكرها أو حصرها.

ويرى البعض أن انهيار جماعة الإخوان المسلمين إنما هو أمر مستحيل ويستدلون على ذلك ببقاء الجماعة في وجه المحن، وأنها قد أفنت ثلاث رؤساء وملكين، والحق أن هذا ليس سببًا كافيًا للبقاء، وهل معنى البقاء الذي يرنو إليه هؤلاء هو البقاء في المحنة والابتلاء؟!!

إن الجماعة معرضة للانهيار إذا استمرت على نفس المنوال ولم تجدد من نفسها ولم تثر على أزماتها قبل أن تثور على الأنظمة، فالتجديد سنة الله في كونه ولنا عبرة في دول كانت فيها جماعة الإخوان في مقدمة القيادة للحركة الإسلامية وصارت الآن في ذيل القائمة.

إننا بحاجة إلى من يجدد الدماء ويكسر القيود والجمود، بحاجة إلى من يعيد ترتيب الصفوف ويجمع الشمل والشتات ويفجر الطاقات ويوظف الإمكانيات في المكان المناسب.

إننا في حاجه إلى ثورة فكرية وإيمانية وإدارية، ثورة تتقدم بها جماعة الإخوان إلى المكانة التي تليق بها وتنتقل من دائرة التأثر ورد الفعل إلى دائرة التأثير والفاعلية، فتحمل لواء أهل السنة والجماعة وتجمع شتات السنة في العالم، فتمهد الطريق للتمكين لدين الله في الأرض وتعيد المجد المسلوب وتحرر البلاد والعباد.

فهل نحن قادرون على أن نخرج من بيننا من يبادرون بأخذ زمام الأمور ويمتلكون الشجاعة التي تمكنهم من المواجهة والتغيير؟

من يدري لعله يكون قريبًا، وإلى أن تأتي تلك اللحظة فأعدوا أنفسكم وتجهزوا بالعلم والإيمان والفكر والثقافة والقوة والإرادة وانتظروا حتى تأتي تلك اللحظة الحاسمة والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

(نقلا عن موقع ساسة بوست) 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023